الفصل الثالث (1)
(نفس المنظر .. وبعد مرور أقل من دقيقة .. "عادل"
و"سامية" يعودان إلى الحجرة بعـد انصراف الدكتور ذلك الانصراف السريع
.....)
عادل: لماذا انصرف الدكتور بهذه الطريقة؟! ..
سامية: اسأل نفسك! ..
عادل : أسأل نفسي؟! .. لماذا؟ .. هـل أنـا
غلـطت في شيء؟ ..
سامية: أنت؟! .. أنت من ساعة قيامنا من النوم
الصبح لم تكف عن الغلط ..
عادل: سبحان الله! ..
سامية: قمنا الصبح من نومنا في أمان الله ..
وتهيّأنا للخروج إلى
أعمالنا .. وإذا بحضرتك تتسبّب لنا في كل هذا التأخير بدون مناسبة! ..
عادل: وهل أنا الذي تسبّبت؟ ..
سامية: صرصارك! ..
عادل: وهل أنا الذي وضعته في الحوْض؟! ..
سامية: الغرض .. أنت اليوْم في أجازة ..
أجازة مرضيّة رسميّة .. أما أنا فلا بُد من ذهابي إلى شُغلي .. صحيح أنا تأخّرت ..
لكن أمري لله .. سأعتذر لهم بمرضك وحضور طبيب الشركة في البيْت ..
(الدكتور يظهر عائداً .....)
الدكتور: لا تؤاخـذوني! .. انصرفت هكـذا
بطريقةٍ غير لطيفة ..
عادل: لا .. العفو يا دكتور! ..
الدكتور: خفت أتأخّر عن بقية أعمالي .. لكن
بمراجعة نفسي وجدت أن واجبي الأهم هو هنا .. لذلك رجعت بسرعة أستأذنكم في مواصلة
فحص الحالة ..
سامية: شكرا يا دكتور ..
الدكتور: لي كلمةٌ على انفراد مع السِت ..
تسمح يا أستاذ "عادل"؟ ..
عادل: بالطبع .. بالطبع .. سأدخل أنا الحمّام
..
الدكتور: خُذ راحتك! ..
("عادل" يدخل الحمّام ويغلق الباب
عليه .. ويستأنف مراقبة الحوْض باهتمام .. وهو يُبدي الإيماءات والإشارات متابعاً
حركة الصرصار .. كمَن يتابع لعبة شطرنج ..)
سامية: يوجد شيء يا دكتور؟ ..
الدكتور: أريد الاستفسار منكِ عن بعض أشياء ..
سامية: تفضّل! ..
الدكتور: ربما كان في أسئلتي بعض الحرج ..
لأنها قد تمس جوانب شخصيّة .. لكن واجبي كطبيبٍ معالِج يحتِّم عليَّ .. أقدر أسأل؟
..
سامية: طبعاً يا دكتور .. تفضَّل! ..
الدكتور: ما هو اعتقادِك في شخصيّة زوْجِك؟ ..
سامية: من حيث؟ ..
الدكتور: من حيث القوّة والضعف؟ ..
سامية: بالنسبة إلى مَن؟ ..
الدكتور: بالنسبة إليكِ طبعاً ..
سامية: أنا .. أعتقد أن شخصيّته أضعف من
شخصيتي ..
الدكتور: وهل هو يعرف ذلك؟ ..
سامية: مؤكّد ..
الدكتور: هل قال لكِ ذلك صراحةً؟ ..
سامية: لا .. ولكنه يعتقده في دخيلة نفسه ..
الدكتور: كيف عرفتِ؟ ..
سامية: إنه يصرِّح دائماً بأني متسلِّطةٌ
عليه .. وأني أُرغِمه على إطاعة أوامري .. وأني أضطهده ..
الدكتور: تضطهدينه؟! ..
سامية: هذا ما يقوله ..
الدكتور: إذن هو يعتقد أو يتوهّم أنكِ
تضطهدينه؟! ..
سامية: نعم ..
الدكتور: تشخيصي في محلّه ..
سامية: أي تشخيص؟ ..
الدكتور: مسألة الصرصار هذه! ..
سامية: وما هي العلاقة؟ ..
الدكتور: أنتِ تريدين إبادة الصرصار .. وهو
يريد إنقاذه من يدِك ..
سامية: تقصد یا دکتور .....
الدكتور: نعم .. إنه في وعيه الباطن قد مثّل
نفسه بالصرصار وهذا هو سِر اهتمامه به وعطفه عليه ..
سامية: عجيبة! .. أتظن يا دكتور؟ ..
الدكتور: لا يوجد سببٌ آخر ..
سامية: لكن .....
الدكتور: هذا نموذجٌ واضِحٌ جداً من نماذج
علـم النـفس الحديث .. أنا لست طبيباً نفسانياً متخصّصاً .. ولكني درست هذا العلم بصفةٍ خاصّةٍ كهواية ..
ومن حسن حظي أن عُرِضَتْ لي اليوْم هذه الحالة ..
سامية: هل أنت متأكّد يا دكتور أنها حالةٌ
نفسيّة؟ ..
الدكتور: حالة نموذجيّة Typical
..
سامية: وهل لها علاج؟ ..
الدكتور: علاجها بسيط .. في غاية البساطة ..
سامية: كل ما تأمر به سأنفِّذه في الحال ..
الدكتور: العلاج لا يكلِّف أكثر من إقناع زوجِك
بأنه لا يوجد أي تشابه بينه وبين الصرصار ..
سامية: وكيف أقنعه؟ ..
الدكتور: هنا المسألة ..
سامية: لا بُد من إيجاد طريقة ..
الدكتور: قبل كل شيء يجب من جهتِك أنتِ أن
تعطف على الصرصار ..
سامية: أعطِف على الصرصار؟! ..
الدكتور: ضروري .. لأن أي مساسٍ من جهتِك
بالصرصار، هو في نظر زوْجِك مساسٌ به هو شخصيّاً ..
سامية: لكن هذا جنون ..
الدكتور: طبعاً .. هي حالةٌ مرضيّة ..
سامية: ولكنه عاقلٌ تماماً .. وكان حتى هذا
الصباح على أحسن ما يكون من الاتزان في كل تصرُّف .. وكان يؤدّي عمله في الشركة
على أكمل وجه ..
الدكتور: وهو فعلاً في غاية الاتزان ويستطيع
دائماً أن يقوم بعمله العادي في الشركة على أحسن ما يكون .. لاشك عندي في ذلك ..
سامية: إذن هو شخصٌ طبيعي ..
الدكتور: طبيعيٌ في كل شيء .. إلّا في شيءٍ
واحد .. هي مسألة الصرصار ..
سامية: حقّاً .. ما أن يأتي ذِكْر الصرصار
حتى .....
الدكتور: حتى تظهر الغرابة في أقواله وأفعاله
..
سامية: فعلاً ..
الدكتور: لكن مع ذلك لا داعي للقلق .. بقليلٍ
من الحِكمة والصبر والملاطفة والمسايرة نستطيع الوصول بسرعة إلى نتيجةٍ طيّبة ..
سامية: ثِق يا دكتور أني سأتمسّك بالحكمة
والصبر .. وسألاطفه وأسايره في كل ما يريد ..
الدكتور: هذا هو المطلوب الآن .. ولنبدأ في
المحاولة ..
سامية: نعم .. سنحاول ..
الدكتور: أولاً يجب أن نذهب إليه ونشاركه
فيما يفعل ..
سامية (تذهب - وخلفها الدكتور - وتدق باب
الحمّام بلطف): "عادل"! ..
عادل (ينهض ويفتح لهمـا): انتهيتما مـن
الحديث الانفرادي؟ ..
سامية: نعم .. كان الدكتور يوصيني .....
الدكتور: بمراعاة نظام أكلٍ خاصٍ لك .. أريد
لك قواماً أكثر رشاقة ..
عادل: رشاقة؟! .. لي أنا؟! ..
الدكتور: و لِـمَ لا؟ .. هل تريد أن نترك
جسمك للترهُّل؟ ..
عادل: هل شَكَتْ زوْجتي من قوامي؟! ..
الدكتور: لا .. الطب .. لأن زيادة الوزن تدعو
إلى الخمول .. وأنت محتاجٌ للنشاط ..
عادل: أنا في غاية النشاط .. أنا نشيطٌ جداً
بدليل أني أستيْقِظ في الصباح قبل أن يرن الجرس .. واسأل "سامية" ..
سامية: صحيح ..
الدكتور: إذن أنتِ معترفةٌ لزوْجِك بهذة
المزية؟ ..
سامية: بدون شك .. إنه في غاية النشاط ..
الدكتور: سمعت يا أستاذ "عادل"؟ ..
زوجتك تشهد لك شهادةً طيّبة ..
عادل: إنها لا تستطيع أن تنكر نشاطي .. طبعاً
لست في نشاط هذا الصرصار ..
الدكتور: الصرصار؟! .. آه .. طبعاً ..
عادل: أنظر يا دكتور .. إنظري يا
"سامية" .. إنه لم يزل يكافح بنفس القوّة بنفس المثابرة .. حاولت أن
أراه يهمد أو يكف .. لكن أبداً .. أبداً .. أبداً ..
سامية (ناظرةً إلى الحوْض باهتمامٍ تمثيليٍ
مُفتَعَل): إنه حقّاً شجاع ..
عادل: وأي شجاعة! ..
سامية: أنا بدأت أحبّه ..
عادل (ناظراً إليها باستغراب): تحبينه؟! ..
سامية: نعم .. أليست شجاعته هذه تستحق الحُب؟!
..
عادل: كنتِ تريدين إبادته بمبيد الحشرات ..
سامية: كنت مغفّلة ..
عادل: الحمد لله! ..
سامية: انظر شواربه .. إنها جميلة! ..
عادل: شوارب مَن؟! ..
سامية: الصرصار طبعاً ..
عادل: شواربه جميلة؟! ..
سامية: ألا ترى ذلك؟ ..
عادل: تسخرين مني؟! ..
سامية: منك أنت؟! .. لا .. وأُقسِم لك يا "عادل"!
.. إياك أن تغضب .. أُقسِم لك أني لا أسخر منك .. أنا لا أسخر الآن على الإطلاق .
. أنا مخلصةٌ في كلامي .. وعندما أقول إن شواربه تُعجِبني فثِق أني أقصد ذلك حقّاً
..
عادل: ومنذ متى اكتشفتِ جمال شواربه؟! ..