أمر من الشرف ما فيش (3)
وقطع الصوت الأجش لسائق السيّارة الأجرة حبل أفكارها عندما نبّهها إلى الوصول، فترجّلت عن السيّارة وسارت على قدميْن مرتعشتيْن نحو المصعد الذي أقلّها حيث شقّة "حياة"، وعندما دقّت جرس الباب كان قلبها يدق بعنفٍ هو الآخر، وبعد هنيْهة فتحت لها "حياة" الباب بعد أن نظرت من العين السحريّة وعاجلتها بقولها :
- أيوه كده.. أنا برضه قلت إنِّك عاقلة ومش ح
تفوّتي الفرصة دي من إيدِك.. أهلاً وسهلاً.. خُشّي يا حبيبتي.. إيه ده؟.. هوَّ
انتي ماعندكيش فستان شِفْتِشي كده؟.. مش مهم.. بكره ح تتغرّقي فساتين ومجوهرات
واكسسوارات.. ما لِك متنّحة كده ليه؟.. خُشّي يا شيخة انتي ما بقيتيش غريبة.. ح
ادخل اكمّل التواليت بتاعي واجي لِك.
وتسلّلت "شريفة" إلى الداخل وهي
تقدّم قدماً وتؤخّر الأخرى وتداعت على أحد الكراسي القريبة من الباب وأخذت تتفحّص
في الحاضرين وسط حصارٍ من صخب الأغاني الخليعة وضحكات المجون من حوْلها، فرأت رجلاً
وقد تخلّى عن وقاره وعكف على شُرب الخمر وهو يتمايل على أنغام الموسيقى ذات اليمين
وذات اليسار، وآخراً يلف خصره بإيشارب وهو يتراقص في خلاعةٍ وعَبَث، وسيّدةً ترتدي
ما قلّ ودلّ من الملابس التي تفضَح أكثر مما تستر، وأخرى تتلقّى قبلةً من رجلٍ في
سن أبيها في مشهدٍ يدعو للاشمئزاز والغثيان، ورجلاً وسيّدةً يخرجان من إحدى الغرف
وهما يُصْلِحان من هندامهما ويرتديان باقي ملابسهما.
وأفاقت "شريفة" من تأملها على سؤال
"حياة" التي فرغت من زينتها المبالغ فيها بصورة فجّة :
- هوّ انتي لسّه هنا؟.. معلهش ح تاخدي وقت
عقبال ما تتعوّدي ع الجو ده.. وانا كمان مش ح اسيبِك لوحدِك لحد ما تتوتّكي وتعرفي
كل حاجة.. تعالي الأوّل اعرّفك على ابو الكَرَم كلّه.. الشيخ "طلال"..
ده راجل لارج جداً وما فيش حفلة بيفوّتها خالص...... يا شيخ "طلال"..
أقدّم لك "شرشر" صاحبتي الروح بالروح.
- يا هلا بالغوالي.. والله جمالها رهيب يا
"حياة".
- الغالي يتهادى بالغالي يا شيخو.. عن إذنكم
اشوف بقية الضيوف.
- شو اسمك الأصلي يا "شرشر"؟
- إسمي "شريفة".
- والله "شرشر" أحلى كتير.. ما
تلاحظين إنه سمباتيك أكتر؟
- ناديني باللي انت عايزه.
- أنا أبي ما نضيّع وقت ف الكلام.. تعي معي ف
الداخل لاهديك هديّة غالية مرّة يا عمري.
وأحاط الشيخ خصر "شريفة" بذراعه
لترافقه إلى إحدى الغرف ولكنها دفعته عنها بكل ما أوتيت من قوّة وهي تغالب نفسها
لتمنعها من التقيّؤ بعد أن انتابتها حالة من الغثيان من فرط ما عرّضت نفسها له من
الانحطاط والسفالة، واندفعت لتفتح باب الشقّة متجاهلةً نداءات "حياة"
وهبطت على درجات السلم وهي تهرول مسرعةً كأنها تفرّ من ذئبٍ مسعور، وعندما وجدت
نفسها في الشارع لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء الذي لم تتوقّف عنه - رغم نظرات
التطفّل من المارّين حوْلها - إلّا عندما رنّ هاتفها المحمول، وعندما أخرجت الهاتف
من حقيبتها وردّت أتاها صوتٌ يقول :
- مساء الخير يا فندم.. أنا "مدحت"
من "تليِ إيجبت".. أحب أبلّغ سيادتك إن ميعاد تفعيل النظام الجديد ح
يبقى.....
- ما تفعّلش حاجة.. أنا مش ح اشترك ف النظام
الزفت الجديد ده.. أنا ح افضل على القديم.. سامع.. ح أفضل على القديم.
وأغلقت التليفون بحركةٍ هيستيرية دون أن
تنتظر رداً وهي ترتعش، ولم تدرِ كيف استقلّت الحافلة ورجعت لبيتها وهي في حالة
أقرب للذهول منها للانهيار، وفوجئت وهي تدير مفتاحها في باب شقّتها بأن أخوتها الثلاثة
يسارعون باستقبالها , وأبلغوها وهم ينتفضون من النحيب والنواح أن أمَّهم اشتد بها
المرض فجأة فلجأ الأولاد الصغار إلى الجيران لينجدوها في غيْبة "شريفة"،
وبعد استدعاء الطبيب قرر نقلها إلى العناية المركزّة بالمستشفى تمهيداً لإجراء
جراحة عاجلة بالقلب وأبلغ الجيران - الذين ساهموا بدفع جزءٍ من تأمين المستشفى -
أن تكاليف هذه الجراحة لن تقل بأي حال عن عشرة آلاف جنيه بخلاف مصاريف الإقامة في
المستشفى، في هذه اللحظة اسودّت الدنيا في عيْنيْ "شريفة" وأدركت أنّه
لا بد مما ليس له بد وردّت على أختها الصغرى التي سألتها: "ما العمل؟"
بقولها وهي تنظر بعيداً للاشيء كأنها تنظر لقدرٍ غائم غير واضح المعالم:
"خلّيكوا انتم.. أنا ح اتصرّف".
ونزلت "شريفة" وهي مأخوذةٌ كأنها
مُسَيَّرةٌ تحت تأثير تنويمٍ مغناطيسي وأوْقفت سيارة أجرةٍ أخرى لتقلّها إلى ثلاثة
عشر شارع الجواهر بحي "جاردن سيتي"، وقبل أن تصل لهذا العنوان رنّ
هاتفها الجوّال مرّةً أخرى ودار هذا الحديث :
- مساء الخير يا فندم.. معاكي
"مدحت" من "تلي إيجبت".. أنا كنت اتكلّمت من شويّة علشان
أبلّغِك بميعاد تفعيل النظام الجديد لقيت حَد رد عليَّ بأسلوب......
- أيوه أيوه.. دي كانت واحدة تانية.. واحدة
مش فاهمة الدنيا ماشية إزّاي.
- أنا قلت كده برضه.. علشان كده إتّصلت
تاني.. حاكم زي ما حضرتك عارفة إن اللي يحوّل للنظام الجديد ما ينفعش يرجع للقديم
تاني.
- مفهوم.. مفهوم.
- عموماً ميعاد تفعيل النظام الجديد ح يبقى
من بكره.
- مش فارقة.. أنا جاهزة من ده الوقت.. غصب
عني (*).
- مرحباً بيكي ف النظام الجديد.