خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحدة مخطوبة اتجوِّزت (2) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق


كاريكاتير عن مراحل الزواج: قبله وبعده بسنوات

صورة واحدة مخطوبة اتجوِّزت (2)

 

 

إتمشّينا شويّة في الجنينة واحنا مشبِّكين صوابعنا وبنمرجح إيدينا ف الهوا، ولمّا تعبنا من كُتر المشي والرغي حسّينا بالجوع قوي فرُحنا "مطعم الحبايب"، وعندما توجّهنا لإحدى الموائد هرول "كركر" جرياً وشد الكرسي للخارج بسرعة حتى يُفسح لي المجال للجلوس وقبل أن أجلس بالكامل على الكُرسي أعاده برفق وهدوء نحو المائدة، وبعد أن جلسنا ساعة نتجاذب أطراف الحديث همساً حضر النادل (الجرسون) ووضع أمامنا زُجاجتيْن من المياه المعدنيّة ثم أعطانا قائمة الطعام (المنيو)، وبعد أن أفهمت "كركوري" أن طَقّتي قليّلة وأكلتي صغيّرة وإني ما اقدرش آكل غير لُقمتين كعادتي دائماً اكتفيْتُ بطلب تشيكين بيكاتا وكول سلو ودايت كوكاكولا والحلو مولتين كيك مُعلِّلةً ذلك بأنني لا أريد أن أُكلِّفه مبلغاً كبيراً حفاظاً على ماله، واضطُر هو أن يطلب مثلي قائلاً أنه ليس أكثر مني في كميّة الأكل رغم أنه لا يُقيم للنقود وزناً خصوصاً عندما يُنفِقها تلبيةً لطلباتي واستجابةً لرغباتي حيث أنه يتمنّى – إن استطاع – أن يُحضِر لي نجماً من السماء حتى لوْ كلّفه الأمره حياته وأمواله كلها.

وظللنا ساعةً كاملةً نأكل كالعصافير في صمتٍ لا يقطعه سوى عبارات الحُب والهيام عندما كان يعزم كلٌّ منّا على الآخر ويؤكِّله في فمه الذي لا ينفتح سوي لبعض الملليمترات فقط، وحرص كلانا على اتّباع أصول الإتيكيت في تناول الطعام بالشوكة والسكّين وغلق الفم أثناء المضغ مع تكرار تجفيفه بالمنديل بين الفينة والأخرى حتى لا تظهر أي بواقي للأكل على الشفتيّن.

ووضعت الشوكة والسكين جانباً وأنا أقول:

-       ميرسي قوي يا "كرامِلّتي" ع الأكلة الحلوة دي .. أنا شبعت خالص مالص.

-       إيه ده ده انتي ما أكلتيش غير نُص الأكل بّس! .. ده انتي لوْ قُطّة كنتي أكلتي أكتر من كده.

-       أصلي عاملة ريجيم علشان ما اتخنش.

-       خلاص يا قُطّتي على راحتِك .. أنا كمان مش ح يجي لي نِفس بعد ما انتي شبعتي .. بالهَنا والشِفا يا حياتي .. مَطرَح ما يسري يمري.

-       ميرسي يا حُبّي.

وعندما حضر النادل عرض علينا أن يضع لنا باقي الطعام (اللي كان بحالُه) في أطباق ويلفّها لنا في كيسٍ نأخذه معنا رفض "كرُنبتي" شاكراً له حُسن الضيافة ثم دفع له قيمة الفاتورة وترك له بقشيشاً كبيراً وسط تشكُّرات الجرسون ودعواته لنا بالسعادة واستمرار الهَناء.

وعندما خرجنا من ذلك المطعم المُكيَّف الدافئ شعرتُ ببعض القشعريرة تنساب إلى جسدي فاندفع "كرنبيتّي" بشهامة وسارع في خلع معطفه وألبسه لي فوق كتفي ليُدفّئني ويحميني من البرد.

وأوْصلني "كريم" إلى منزلي وجلس معي بعضاً من الوقت في حجرة الصالون بعد أن تركنا أهلي وحدنا ليُتيحوا لنا أن نتعرّف على بعضنا أكثر ونفهم عاداتنا بصورةٍ أعمق وندرس شخصيّتنا بشكلٍ أدق فهم لا يعلمون أننا فعلنا ذلك بالفعل لمُدّة تِسع سنواتٍ متواصلة، واستغللنا تلك الفرصة الذهبيّة لسعة صدرهم وانفتاح أفقهم وانفشاخ عقولهم في تبادل بعض القُبلات السريعة والأحضان الخاطفة واللمسات المتعجِّلة.

الإثنين:

قضيْتُ اليوْم كله في قلق لأن "كريم" لم يتصل بي منذ أمس، ولكنه أخيراً هاتفني على الموبايل في حوالي العاشرة مساءً فانفردتُ بنفسي في غرفتي وعاتبته على طول الغياب فاعتذر برِقّة مُعلِّلاً ذلك بمرضه وإصابته ببعض الثآليل (الفسافيس) التي ظهرت على جفون عيّنيْه بسبب سهره طويلاً وسُهده ليلاً وهو يُفكِّر فيَّ وفي سُبُل إسعادي، فانزعجتُ بشِدّة وغلبتني الدموع وأنا استحلفه بالله أن يعرض نفسه غداً على دكتور الفسافيس حتى لا تتفاقم حالته فتتحوَّل فسافيس الأحاسيس إلى بزابيز الإنجليز التي تُصيب العُشاق والأحِبّة، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث بعضاً من الوقت حتى اعتذر أخيراً لإنهاء تلك المُكالمة القصيرة معي سريعاً بسبب اضطراره المُلِح لأن يذهب للمستشفى مصطحباً أُمّه التي تتمدّد على الأرض بعد إصابتها بنوْبة غيّبوبة سُكّر مُفاجِئة قبيل اتصاله بي ولأنه الوحيد الموْجود مع أُمّه لأن أبيه وإخوته غير متواجدين بالمنزل، وقال لي أنه اتصل بي (ع السريع)كي يسمع صوتي قبل انصرافه للمستشفى وحتى لا أقلق عليه أكثر من ذلك لأنه عارف إني ما بيجيليش نوم إلّا بعد ما اسمع صوته، مع وعده لي بأن نستكمل حديثنا الهاتفي غداً على رواقة وناخُد راحتنا زي كل يوم، ورغم أن هذه المكالمة لم تستغرق سوى ساعة ونصف فقط إلّا أننا قضيْنا أكثر من رُبع ساعة أُخرى نتعازم على بعضنا البعض:

-       يلّا باي .. اقفلي السِكّة يا حُبي.

-       لأ اقفل انت الأوّل يا عُمري.

-       معقولة أقفل السِكّة عليكي.

-       ما هو انا كمان مش معقولة أنهي المُكالمة قبل ما اشبع منك.

-       يا سِتّو أنا مش ح اقدر واللهِ.

-       ههههها .. يا حبيبي اقفل بقى وروح شوف أُمّك أحسن يجرى لها حاجة.

-       فداكي أُمّي وأبويَّ وعيلتي كلّهم يا روحي.

-       طب خلاص نقفل مع بعض ف وقت واحد.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent