الفصل السادس (3) | نهاية العالم
ومرّت دقائق من
الصمت المطبق وكلٌ من الأخّيْن متجمّداً في مكانه كالتمثال حتّى نطق
"باسم" فأمر "نشوى" بأن تترك له رقم هاتف هذا النذل قبل أن تعود
إلى منزلها الذي تقيم فيه مع أخيها الثاني "عادل" النائم على أذنيْه-
على حد تعبير "باسم"- الذي لا يدري شيْئاً عن أخته الآثمة، وبعد أن كتبت
له الرقم في وريْقة صغيرة انصرفت إلى حال سبيلها غير مأسوفٍ عليها وهي تجرّ أذيال
العار ورائها دون أن تنبس بكلمة لأخيها العابس الحزين الذي أشاح بوجهه معرضاً عنها.
وأمسك
"باسم" الوريقة بيدٍ مرتعشة وهاتف "عماد" وعرّفه بنفسه وطلب
منه أن يقابله بعد ساعةٍ على الطاولة رقم (5) بإحدى المقاهي المعروفة بوسط العاصمة
الساهرة، وحاول "عماد" التهرّب أوّل الأمر إلّا أنه رضخ مكرهاً فور
تهديد "باسم" له بأنه إن لم يحضر في الموعد المحدّد سيفضحه لدى أبيه أو
يبلغ الشرطة بما كان منه ولديْه الشهود على جريمته التي ارتكبها للتغرير بفتاةٍ
قاصر، وعندما تقابلا خاضا في حديثٍ غليظ كانت الغَلَبَة فيه للأوسع خبرة والأكثر
تمرّساً:
- سلامُ عليكم..
حضرتك أستاذ "باسم"؟
- أيوه.
- أنا
"عماد".. إزّي حضرتك؟
- أقعد.
- طب مش تسلّم على
إيدي الممدودة الأوّل؟
- عايزني أحط إيدي ف
إيد واحد وضيع زيّك واسلّم على اللي خدع بنت بريئة وغرّر بيها؟.. يا بجاحتك يا أخي!..
ده انت صحيح خسيس.. ده انا ماسك نفسي بالعافية.. والود ودّي اقوم اقتلك.
- إنت ح تلبّخ من
أوّلها؟.. الظاهر إن انا غلطان اللي جيت.
- إنت غصبٍ عنّك ح
تقعد وتسمع الكلام اللي ح أمرك بيه.
- طب سيب دراعي..
الناس بتبص علينا.. أنا ح اقعد بمزاجي.. بس مش عايز إهانات.
- شوف يا واد انت..
انت مش قدّي.. أنا صحفي كبير وليّ اتّصالاتي.. وممكن بمنتهى السهولة ألبّسك أي قضيّة
مخدرات أو سياسة وارميك ف السجن.. وممكن برضه أمشي قانوني واسجنك ع اللي عملته ف اختي.
- بتهمة إيه إن شاء
الله؟.. اللي حصل بيني وبين اختك كان برضاها مش غصب عنها.
- وماله.. إنت عارف
عقوبة مواقعة أنثى قاصر تحت واحد وعشرين سنة بدون زواج ولو برضاها كام سنة سجن؟..
خمس سنين ع الأقل.
- طب ومستنّي إيه؟..
أعلى ما ف خيلك إركبه.
- ما انا ح اعمل كده
لو ما طاوعتنيش.. بس انا مش عايز شوشرة وفضايح قدّام الناس.
- أومّال انت عايز
تفضحني قدّام أهلي؟.. ده انا أبويّ كان ولّع فيّ لو شم خبر.
- ما هو أكيد ح يعرف
لمّا تتسجن بعد ما يشهد عليك زمايلك ف الكليّة وجيرانك ف الشقّة اللي كنتم بتروحوا
تتنيّلوا فيها.. بس لو عملت اللي ح اقول لك عليه ما حدّش ح يعرف حاجة.
- طلباتك؟
- تتجوّز البنت رسمي
وف حضوري كوكيلها.
- بس بشرط يبقى
الجواز ده بينّا وبين بعض.. وما حدّش من أهلي يعرف.
- يعني انت خايف من
أهلك ومش خايف من ربّنا؟.. دي حتّى القيامة ح تقوم كمان كام يوم.. ع الأقل تقابل
ربّنا وانت مصلّح غلطتك ف حق بنت كانت كل غلطتها إنها وثقت ف واحد زيّك.. ماشي..
اتّفقنا.
وتواعد الطرفان أن يتقابلا في ظهيرة اليوم التالي في مكتب أحد المأذون لهم شرعاً لإتمام هذا الزواج القسري وانصرف كلٌ منهما في هدوء وهو مرتاح النفس تجاه ما توصّلا إليه من اتفاق: فاطمأن "عماد" إلى أن هذا الزواج الرسمي السرّي في نفس الوقت سيعفيه أمام الله من عاقبة جريمته التي اقترفها خاصّةً وقد انتوى التوْبة قبل موعد الآخرة المزمع قيامها بعد خمسة أيّام، أمّا "باسم" فاستراح لكوْنه وجد مخرجاً لأخته من بليّتها وقد عزم على إفشاء سريّة هذه الزيجة لدى أهل "عماد" فوْر إتمامها لفضحه أمامهم والانتقام منه قبل قيام الساعة علّه يأخذ جزءاً من حقّ أخته الضائع ونسى أنّ الله هو الحق صاحب العدالة الناجزة الكاملة.