أغسطس 2021 :
ألف مبروك لكل إخوتي وأصدقائي اللي لهم أبناء
أو أقارب نجحوا في الثانوية العامة وإن شاء الله تشوفوهم أحسن الناس يا رب.
وأقول "الحمد لله" لمَن لم يوفَّق هذا العام وأدعوه أن يرددها معي وألّا يحزن وأن يتأسّى بقوْل الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيْئاً وهو خيْرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيْئاً وهو شرٌّ لكم" .. وقوْله أيضاً: "فعسى أن تكرهوا شيْئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا".
وأحب أن أقول لكل أبٍ (أو أم) مهموم ومغموم
بالنتيجة السيئة لابنه أو بنته: يجب أن تتماسكوا وتهوّنوا وقع النتيجة على أبنائكم
وتُفهِموهم أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف وأنهم لابد أن يتعلّموا مما حدث
وأن يبدأوا بدايةً جديدة كلها ثقة في أن الله لن يضيع مجهودهم سدىً وأن المستقبل
بيده عز وجل شرط أن يبذلوا ما في استطاعتهم من كدٍ وعرق.
وأحب أن أسوق لهم عدة أمثلة (شهدتها شخصياً)
على أن التوفيق أو عدم التوفيق في الثانوية العامة لا يعني شيئاً أمام إرادة الله
أولاً ثم إرادة الإنسان :
- صديقٌ لي
له إبنة حصلت على 95% في العام قبل الماضي وقدّم طلباً لإعادة تصحيح ورصد درجاتها
.. وبالفعل زاد مجموعها قليلاً فاستطاعت بالكاد أن تلتحق بصيدلة الأسكندرية وسط
فرحته الغامرة .. وبعد شهور قامت الإبنة برحلة تتبع الكلية مع زميلاتها وانقلب
أتوبيس الرحلة فتوفّت الإبنة مع بعض زملائها .. وبعد أن استفاق صديقي الأب من حزنه
ندم كثيراً على أنه سعى لإدخال ابنته كلية الصيدلة وتمنى لو ترك نتيجتها كما هي
فربما دخلت كلية أخرى وأفلتت من تلك الحادثة .. بل تمنى لو رجع الزمن للوراء لو
كانت ابنته قد رسبت أو حتى تركت التعليم كله وبقيت على قيد الحياة .. والحمد لله على
كل شيء.
- زميلةٌ وأختٌ
لي في العمل اكتئب ابنها لأنه لم يدخل كلية الطب أو الصيدلة بفارق درجة ونصف فقط
.. وانقطع في المنزل لا يريد أن يأكل أو يشرب أو يرى أحداً .. وبعد أن شفاه وهداه
الله التحق بكلية العلوم واجتهد كثيراً ليعوّض ما فاته فأصبح متفوّقاً في هذه
الكلية وهو الآن معيداً فيها وحاز على درجة الماجستير من "فرنسا" وعلى
وشك الحصول على الدكتوراه من "اليابان" .. فالحمد لله.
- صديقٌ
وجارٌ في نفس سني رسب في الثانوية العامة ونجحت أنا بتفوّق .. وفي الوقت الذي
التحقت أنا فيه بكلية الطب كان هو قد سافر ألمانيا .. وعرفت من أهله فيما بعد أنه
يعمل جرسوناً في المطاعم أو عاملاً بالمزارع ويتنقّل بين ألمانيا وهولندا وبلجيكا
فحزنت عليه وأيقنت أن مستقبله قد ضاع .. وتقطّعت بيننا سبل الاتصال وانشغلت
بالدراسة والسفر فلم أعرف أخباره .. ومنذ ثلاث سنوات (أي بعد 30 عاماً من تلك
الثانوية) اتصل هذا الصديق بأخي الذي ما زال يسكن في بيت العائلة وترك معه عنوانه
الجديد بعد عودته نهائياً من الخارج .. فذهبت إليه حاملاً معي مبلغاً من المال
ظناً مني أنه اتصل بأخي طالباً رؤيتي لكي يقترض مني مالاً يساعده .. وعند وصولي
للعنوان فوجئت بأنها فيللا فاخرة يمتلكها صاحبي وبعد مقابلته عرفت بمدى تعبه واجتهاده في
الغربة حتى أنشأ شركةً تجارية لها فروع في عدة دول أوروبية وأنه عاد لمصر لإنشاء
المقر الرئيسي لشركته بعد أن كبر أبناؤه وخاف عليهم من أسلوب الحياة الأوروبية
وأحب أن يستقروا بوطنهم .. والحمد لله.
- العديد من زملائي بالمدرسة العباسية الثانوية بالأسكندرية (مدرسة المتفوّقين) تفوّقوا في دراستهم ولكنهم فشلوا في حياتهم مع زوجاتهم أو أبنائهم وضاعت حياتهم هباءً ولم ينفعهم التفوّق بشيء .. وآخرين لم يوفّقوا في الثانوية العامة وهم الآن أفضل كثيراً من أكبر طبيب وأمهر مهندس فمنهم مديرون للشركات والبنوك ومنهم رجال أعمال ومنهم مَن يشغل مراكز حكوميّة مرموقة ومنهم آباءٌ أفاضل عكفوا على تربية أبنائهم أحسن من أحسنها دكتور ومهندس فصاروا أفراداً نافعين لأنفسهم ومجتمعهم ووطنهم .. والحمد لله كثيراً.