شق الثعبان (2)
وكان الشابّ الأوّل أثناء هروب الفتاة طلباً
للغوْث قد صارع "ناجي" وتبادلا الضرب واللكم حتّى دفع الشابّ الأوّل
"ناجي" دفعةً قوية ناحية قاطعة الرخام فارتطمت رأس "ناجي"
بناصيتها الحديديّة الصلبة ففقد الوعي وحاول الشابّ الهروب من موْقع الجريمة فأمسك
به السائق وزميلاه، وعندما حضرت الشرطة كان لدى الشابّ الأوّل وقتاً كافياً ليفكّر
فيما سيقول ويفعل فهداه تفكيره الخبيث إلى قلب الحقيقة ومغايرة الواقِع خصوصاً وقد
لقت الفتاة مصرعها وقُتِل أحد شريكيْه وهرب الآخر فانعدم المجني عليها والشريكان
ولم يتبقَ سوى الشاهد المصاب بغيبوبةٍ وربّما يموت فلا يملك من أمر نفسه شيْئاً
ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه التهمة، وأدلى الشابّ الأوّل بأقواله للنيابة فقال :
- وربّنا يا باشا انا كنت ماشي جنب الحوش..
سمعت واحدة بتصرّخ.. جريت زقّيت الباب لقيت اتنين عايزين يغتصبوا البِت.. قمت جاي
قوام واخد عصاية كانت ع الأرض وضارب الأوّلاني جامد فمات.. وضربت التاني برضه
بالعصاية على دماغه بس ما ماتش أغمى عليه بس البِت بقى جريت علشان تهرب قامت
المقطورة داستها.. أنا مش عارف انتم ماسكينّي ليه؟.. بقى ده جزاتي إني أنقذت البِت..
الواحد كده ح يبطّل يعمل خير تاني.. آه واللهِ العظيم.
وعندما أفاق "ناجي" بعد يوْميْن
وجد نفسه بالمشفى موضوعاً تحت حراسةٍ مشدّدة بسبب اتّهامه باغتصاب الفتاة التي
اتّضح أن اسمها "رحمة" ؛ وبالرغم من أن أحداً لم يصدّقه عندما دفع
بالتهمة عن نفسه إلّا أنّه لم يشعر بالندم على ما فعله من خيْر بل كان موقناً بأن
الله تعالى لن يخذله وسيظهِر الحق فليْس الله بظلّامٍ لعبيده وليْس بغافلٍ عمّا
يفعل الظالمون، ولكن الأمر الذي حزّ في نفسِه وآلمه بشدّة عدم زيارة زوْجته وابنته
له في المشفى بعدما أخبره أحد أقاربه بأنّها تطلب الطلاق منه وكأنّها لم تعرفه
يوْماً ولم تعاشره سنيناً طويلة ولم تخبُر أخلاقه وتربيته وتديّنه.
وبعد خمسة أيّامٍ ظهرت الحقيقة بصدور تقرير
الطب الشرعي الذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه بعد الكشف الطبّي على الشابّ
الأوّل تبيّن أن برقبته وصدره جروحاً سطحيّة وخدوشاً حديثة على هيْئة خطوطٍ طوليّة
متوازية ناتجة غالباً عن نشْب أظافر أثناء مقاومة أو عراك، كما تبيّن أنّه بعد
تشريح بقايا جثّة الفتاة "رحمة" وجدت تحت أظافرها بقايا أنسجة جلدٍ
وشعرٍ توافق تماماً أنسجة الشابّ الأوّل ممّا يُستنتَج منه أن المجني عليها كانت قد
نشبت أظافرها في رقبة وصدر الشاب الأوّل أثناء محاولته اغتصابها فتمّت مواجهته
بتقرير الطبيب الشرعي وتضييق الخناق عليْه حتّى اعترف بالحقيقة كاملةً وأفصح عن
هويّة شريكه الشابّ الثاني الذي هرب وقت الجريمة والذي اعترف بعد القبض عليْه
بأنّهم اختطفوا "رحمة" بعد أن استدرجوها داخل سيّارته أثناء عملها
كممرّضة بإحدى المستشفيات الخاصّة بحجّة إعطاء حقنةً مسكّنةً لوالدته بالمنزل وسرد
باقي الأحداث بالتفصيل فجاءت أقواله مطابقةً لأقوال الشابّ الأوّل ومتماشيةً مع
التحقيقات والتحريّات وتقرير الطبيب الشرعي.
وأُغلقت القضيّة بإحالة الشابّيْن للمحاكمة
وانقضاء الدعوى للشابّ الثالث بسبب مصرعه وبراءة "ناجي" مع توْجيه الشكر
له على مروءته ودماثة أخلاقه كما اعتذرت له زوْجته عن سوء ظنّها به فالتأم شمل
الأسرة من جديد ومضت بهم الأيّام تترى كأمواج البحر.