هل يقترف "إيمان البحر درويش" نفس خطأ "محمد فوزي"؟
أم يتراجع ويسلك طريق "عبد الحليم حافظ"؟
علينا اليوم أن نجيب على السؤال الاختياري
المفروض في العنوان .. وليس هناك إجابةً نموذجيّةً محدّدة فكل الإجابات مطروحة حسب
شخصيّة كل فرد وصفاته وطريقة تفكيره .. بالطبع فإن الحق سيظل حقاً والصواب سيبقى
صواباً يستحقان النضال من أجلهما .. ولكننا أيْضاً يجب أن نقتنع بأن لا أحد منّا يمتلك ناصية الحقيقة المطلقة وحده وبأن هناك أموراً حمّالةَ أوجه لا تستدعي مناصبة
العداء بيننا كأخوةٍ في الوطن نتعرض معاً لخطر الفَناء.
ولأن "إيمان" على قيْد الحياة وما
زال مشواره الفني (رغم نجاحه الفائق حتى الآن) تحت التقييم النهائي – متّعه الله
بالصحّة ورزقه طول العمر – فسنقارن بين تجربتيْ "محمد فوزي" و"عبد
الحليم حافظ" – رحمهما الله رحمةً واسعة – اللذيْن أنهيا رحلة حياتهما وأكملا
مشوارهما الفني حتى النهاية فباتا في ذمّة التاريخ .. ولكي نستطيع الإجابة بسلاسة
أقترح عليكم أن نحصر كل أوجه المقارنة في ثلاثة أسئلةٍ فرعيّة:
· فيما سخّرا موهبتهما الفنيّة الفذّة وكيف استغلّاها في علاقتهما بالسُلطة ودوائر الحُكم؟
· ماذا جنى كلٌ منهما من وراء هذه العلاقة حتى الختام؟
· كيف ذُكرت سيرتهما وسيرة مَن عاصرهما من حُكّام في كتاب
التاريخ بخصوص هذا الأمر؟
عن نفسي فسأحتفظ بإجاباتي لي وحدي ضماناً
لاستقلال القارئ وعدم التأثير عليه سلباً أو إيجاباً .. وأُفضّل أن أقتفي نهج
كاتبنا الكبير "توفيق الحكيم" الذي قال: "إن مهمّة الكاتب ليست في
حمل القارئ على الثقة به، بل في حمله على التفكير معه، لا أريد من قارئي أن يطمئن
لي، ولا أريد من كتابي أن يريح قارئي، أريد أن يطوي القارئ كتابي فتبدأ متاعبه، في
سد النقص الذي أحدثت، أريد من قارئي أن يكون مكمّلاً لي لا مؤمناً بي، ينهض ليبحث
معي ولا يكتفي بأن يتلقى عني، إن مهمتي هي في تحريك الرؤوس، الكاتب مفتاحٌ للذهن
يعين الناس على اكتشاف الحقـائق والمعـارف بأنفسهم لأنفسهم".
ولكن يمكنني الإفصاح فقط عن تكهّني لتصرّف الفنّان "إيمان البحر درويش" فأغلب الظن -- وهذا التوقّع الذي بنيته على أساس معرفتي (كمواطنٍ مصريٍ فقط لم أتشرّف بمقابلته يوماً من الأيّام) بتاريخ الرجل الناصع والتزامه بالحق قوْلاً وفِعلاً ومواقفه الوطنيّة الصادقة المتجرّدة من شبهات المداهنة أو الحصول على المكاسب بالإضافة إلى نوع شخصيته الصلدة التي لا تهرب من المعارك ولا تُؤْثِر السلامة بل تزخر بالعناد في سبيل الصواب على حساب نفسه وأسرته -- أن يستمر "إيمان البحر" في طريقه الذي لم يحِد عنه قيْد أُنمُلة طيلة تاريخه الفني العريض الذي قارب على الأربعين عاماً.
أخيراً: أطمع في الدعاء معي لمَن أخلص في
حبّه لوطنه وعمل فيه بكل تفانٍ وصدق واضعاً ربّه ثم بلاده نُصْبَ عيْنيْه .. ثم
الدعاء معي على كل مَن خان أمانة الكلمة وشهد زوراً واتهم الناس بالباطل بما ليْس
فيهم وباع آخرته بدنياه ودنيا غيره وحَقَّ عليه قوْل الحق في "سورة الكهف":
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103}
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً {104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَزْناً {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً {106} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً {107} خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً {108}" .. صدق الله
العظيم.
والله مِن وراء القصد.