خبر
أخبار ملهلبة

رأي الدين في برامج مقالب "رامز جلال"




رأي الدين في برامج مقالب "رامز جلال"

 


إن من نِعَم الله تعالى على خَلْقه نعمةَ الأمن .. بها يَنْعَمون بالسكينة والاستقرار .. ولهذا امْتَنَّ الله تعالى على أهل "مكّة" بأن جعل حَرَمَهم آمنًا يأمنون فيه من الإغارة أو النهب أو القتل أو السلب أو غيرها، ممّا لا يأمن منها غيرهم فقال سبحانه: "أوَ لمْ يَرَوْا أنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ الناسُ من حولِهم"، كما جعل الله الأمن جزاءَ مَن آمَن وعمل صالحًا فقال تعالى: "الذين آمنوا ولم يَلْبِسوا إيمانَهم بظُلْمٍ أولئك لهم الأمنُ وهم مُهْتَدون.

وإذا كان الأمن بهذه المثابة؛ فإن الله سبحانه قد حَرَّم ترويع المسلم وإخافتَه، سواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب، فقد رُوِيَ عن النعمان بن بشير، قال: "كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسير، فخفق رجل (أي نَعِسَ) على راحتله، فأخذ رجل سهمًا من كِنانته، فانتبه الرجل ففَزِع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لرجل أن يُرَوِّعَ مسلمًا"، ورُوِيَ عن أبي الحسن البَدْري قال: "كنَّا جلوسًا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام رجل، ونَسِي نعلَيْه، فأخذهما رجلٌ فوضعهما تحته، فرجع الرجل فقال: نَعْلِي، فقال القوم: ما رأيناها، فقال: هو ذا، فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف برَوْعَةِ المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صنعتُه لاعبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: "فكيف بروْعة المؤمن؟ قالها مرّتيْن أو ثلاثًا".

وهذا يدل على أن ترويع المؤمن أمر عظيم، ولهذا بيَّن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث أُخَر أن ترويع المسلم ظُلْمٌ عظيم يستَوْجِب إخافة فاعله يوم القيامة وعدم تأمينه من أفزاع هذا اليوم الكثيرة، فقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تُرَوِّعُوا المسلم؛ فإن رَوْعَة المسلم ظلم عظيم"، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "مَن أخافَ مؤمناً كان حقًّا على الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة".

لقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم عموميّة الحكم بتحريم تخويف المسلم أو ترويعه، سواء كان رفيع القدر أو مغموراً أو غنيّاً أو فقيراً أو عاصٍ أو ضال، ونهى عن إدخال الرعب عليه بأي وسيلة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسيرون مرّةً معه في سفرٍ فاستراحوا ونام رجلٌ منهم، فقام بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه، وأمرره على جسد أخيه النائم ففزع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً" رواه أبو داود، وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة" رواه الطبراني.

بل لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالسلاح وقال: "من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه" رواه مسلم، فهذا تحذيرٌ من الإشارة بأي آلةٍ مؤذيةٍ قد تؤدّي الإشارة بها إلى القتل، كالسكّين والآلات الأخرى الحادة، حتى لو كانت الإشارة مجرّد مزاح، وفي هذا تأكيد على حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرُّض له بما قد يؤذيه.

ولقد بيّن صلى الله عليه وسلم السبب في ذلك النهي، وهو أن إشارته تلك ومزاحه على أخيه بتلك الآلة قد يتحوّل إلى أمرٍ حقيقي، فيحدث القتل أو الجرح وهو لا يقصده، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرةٍ من حُفَر النار" مُتّفَقٌ عليه.

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمشير بالسلاح دليل على تحريم ذلك مطلقاً، جاداً كان أو هازلاً، ولا يخفى وجه لعن من تعمد ذلك؛ لأنه يريد قتل المسلم أو جرحه، وكلاهما كبيرة، وأمّا إن كان هازلاً فلأنه ترويع مسلم، ولا يحل ترويعه، ولأنه ذريعةٌ وطريقٌ إلى الجرح والقتل المحرميْن".

وحُرْمة ترويع المؤمن متحقِّقةٌ ولو كان بمجرد النظرة التي قُصِد منها الإخافة، وتشتد الحُرمة إذا كان الترويع إشارةً بالسلاح أو بما أجريَ مجراه من الحديد أو نحوه، لِما يترتَّب على هذا من التسبُّب في إفزاع المؤمن بغير حق، وإذا كان مجرد ترويع الآمنين مُحَرَّمًا، ولو بمجرد النظرة المخيفة، فإن هذا يدل على أن ترويعَه بالأصوات المُنكَرة، أو انتهاك حُرْمته، أو الاعتداء على نفسه، أو على عضو من أعضائه، أو على ذي قرابة منه، أو على ماله، أو عمله أشد حُرْمَة وإثمًا، وأن فاعله يستحق اللعن والوعيد الشديد الوارد في الأحاديث السابقة لعِظَم جُرْمه وظُلْمه. 

google-playkhamsatmostaqltradent