الفصل الخامس
الاثنيْن 5 / 10 /
2020
باقي ستّة أيّامٍ
على النهاية (1)
انقسم الناس في جميع
أركان الأرض فريقيْن: ما بيْن متفائلٍ ومتشائم؛ منكرٍ ومصدِّق؛ مستهزِئٍ ومقدِّر؛ معارضٍ
ومؤيِّد، فكان الفريق الأوّل متفائلاً باستمرار الحياة منكِراً لنهاية الكون مستهزِئاً
بتقارير علماء الفلك معارضاً لوقوع القيامة هذه الأيّام وكانت حجّتهم في ذلك أن
هذا الأمر قد أثير كثيراً من قبل على مرّ الزمان ولم يحدث شئٌ في الحقيقة بل كانت
كلّها تُرْهاتٍ مضلِّلة أو شائعاتٍ خبيثة أو توقعاتٍ بلهاء تهدف إلى شدّ الانتباه
نحو مطلِقيها أو إثارة الفزع بين الناس أو إرجاع الناس إلى عبادة ربّهم وإعادتهم
إلى إحياء مناسك دينهم أو على الأقل تذكير الناس بمصيرهم المقدَّر الذي لا فكاك
منه، وأمّا الفريق الثاني فقد كان متشائماً من دوام الدنيا مصدِّقاً لنظريّة زوال
العالم مقدِّراً لما وصل إليه العلم الحديث من نتائج تؤكّد قرب المنتهى مؤيِّداً
لقيام الساعة في هذا العصر وكانت حججهم وأدلّتهم بهذا الشأن عديدة: فمن ذا يستطيع
أن ينكر أنّ الله جعل لكل شئٍ أجلاً معلوماً ونهايةً محتومة ومن ذا يمكنه أن يدحض
الدلائل الساطعة والعلامات القاطعة تمهيداً لقيام الساعة والتي جاء ذكرها في
الديانات السماويّة وشرحها باستفاضة علماء الدين في مؤتمرهم "بالقاهرة"
وبدأت في الظهور جليّة منذ عشرات السنين وحتّى الآن فأصبحت تزيد علامة بعد أخرى
بمرور الوقت ومن الأرجح أن تكتمل خلال الأيّام المقبلة خاصةً عندما طرأت ثلاث
علامات كبرى متَفَقٌ عليها في هذا اليوم فقط بعد أن سبقتها بعض الظواهر الأخرى في
الأيّام الأخيرة:
العلامة الأولى لاحت
عندما تبدّلت بعض السنن الكوْنيّة السرمديّة الخالدة: فتأخّرت الشمس اليوْم عن
الشروق في بلاد الشرق الأقصى مثل الصين واليابان ومنغوليا والكوريتيْن فلم تبزغ
إلّا بعد ساعةٍ ونصف من موْعدها بعد أن عانت كسوفاً كليّاً شهدته هذه البلاد عندما
وقعت في منطقة الظل الناتج عن مرور المذنّب "المميت" بين الشمس والأرض
فحال بيْن الاثنين وحجب أشعة الشمس تماماً عن الأرض بعد أن ألقى بظلاله على هذه
المنطقة الشاسعة، وتباطئت سرعة دوران الأرض حوْل نفسها، وتعرّضت الأرض لوابل من
زخّات الشهب وسقوط النيازك، وزادت أعداد الثقوب السوداء في الفضاء، وتآكلت طبقة
الأوزون في الغلاف الجوّي حول كوْكب الأرض، وتضاعف النشاط المغناطيسي للشمس فكثرت
العواصف الشمسيّة والكوْنيّة.
وازدادت هذه العلامة
وضوحاً عندما تغيّرت بعض الظواهر المناخيّة الموْسميّة المعتادة منذ عدّة أيّام: فتحوّل
الطقس إلى غير متوسطاته الطبيعيّة فارتفعت درجة حرارة الجوْ، وتبدّلت معدّلات
تساقط الأمطار في جميع أنحاء العالم، وزادت حالة الرياح بسبب اختلاف مناطق الضغط
الجوّي المألوفة، وارتفع مستوى البحار ارتفاعاً قياسيّاً، وبلغت نسب ثاني أكسيد
الكربون وخلافه من الغازات الدفيئة مرتبةً عالية نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري، وفاض
الغطاء الجليدي في القطبيْن المتجمّديْن بمقدارٍ كبير.
وتُوِّج ظهور العلامة
الأولى باجتماع عدّة نوازل وكوارث طبيعيّة أرضيّة وسماويّة مخلِفةً وراءها خراباً
عظيماً وآلاف الضحايا والمشرّدين على مدار هذا الأسبوع: فانفجرت عدّة براكين خامدة
كبركان"فيزوف" "بإيطاليا" وبركان "إتنا" بجزيرة
"صقلية" وبركان "كاراكاتو" "بإندونيسيا"، ونشأت زلازل
عديدة في "إيران" و"الهند" و"هيتي"، ووقعت الكثير
من الانهيارات والخسوف الأرضيّة والجليديّة، وغمرت الفيضانات والسيول الغزيرة
بقاعاً شتّى "كالهند" و"أستراليا" و"السعوديّة"، واجتاحت
أمواج "تسونامي" المحيطيّة العالية شواطئ "إندونيسيا" و"تايلاند"
و"الصومال"، وكذلك الزوابع والعواصف والأعاصير الاستوائيّة والمداريّة
التي اكتسحت كل ما اعترضها في "الولايات المتّحدة" و"المكسيك"
و"كوبا"، ناهيك عن موجات الجفاف وحرائق الغابات الذاتيّة الاشتعال التي
أهلكت الزرع والضرع في أنحاء "افريقيا" و"آسيا" و"أمريكا
الجنوبيّة".
أمّا العلامة
الثانية فقد انبلجت صباح اليوم أيْضاً عندما أعلنت كافّة وسائل الإعلام بأنّ
شخصيْن قد ظهرا في "البرازيل" و"اليونان" وأنّ كلاً منهما قد
زعم أنّه المسيح فاجتذبا حولهما في ساعاتٍ قليلة ألوفاً مؤلّفة آمنت بهما واطمأنّت
لدعوتهما وتبعتهما ومارست طقوسهما وشعائرهما التى أعلنا عنها في تبتّلٍ وورع، وكان
أكثرهما خطراً وأتباعاً ذاك الذي في "البرازيل" ذو العصابة السوداء على
عيْنه اليسرى بعد أن رفع فيلماً مصوَّراً على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)
على الشبكة العنكبوتيّة العالميّة (إنترنت) يعرض فيه مبادئه ومعتقداته وروْحانيّاته
وكيْفيّة أدائه لصلواته الخاصّة به ومناسك عقيدته المتفرّدة واستعرض أمام مريديه
خوارقه العجيبة والتي عجز عن تفسيرها الناس فآمنوا به واتّبعوه فقد كان يضع يده في
النار دون أن تحترق وكان يأكل الزجاج والحصى دون أن يُجرَح وكان يشرب من ماء البحر
دون توقّفٍ وكان يشير بيده إلى أي جمادٍ كالقلم أو كالعصا فيتحرّك نحوه ويأتيه
ساعياً وكان يضع التراب في يده ويغلقها ويتمتم ببعض التعاويذ المجهولة ثم يفتحها
فإذا بالتراب وقد صار ذهباً وكان يدّعي علاج الأمراض الغريبة والمستعصية بعدما
أظهره الفيلم وهو يضع يده على رأس أحد المشلولين المعاقين ويغمغم بكلامٍ غير مفهوم
فإذا بالرجل العاجز وقد استردّ عافيته وقام من فوْره يجري.