خبر
أخبار ملهلبة

المنقبة (الميزة) الحادية عشرة: التَسامُحُ والمُسالَمَةُ وعَدَمُ الشَماتَة | سخصية مصر



خِدْمَةُ العُمْر

 

 

سَمِعَ الدُكْتورُ "سامِحُ أَبو مسَلَّم" رَئيسُ جامِعَةِ "الأَزْهَرِ" طَرْقَتَيْنِ خَفيفَتَيْنِ عَلَى بابِ مَكْتَبِهِ فَصاحَ بِصَوْتٍ عالٍ :

- أُدْخُل.

- بَعْد إذْن سَعادْتَك يا فَنْدِم.. فيه واحِد عايِز يقابِل حَضْرِتَك عَلَشَان عَنْدُه مُشْكِلَة.

- مين دَه؟

- دَه مَسَك رَئيس حَرَس الجامْعَة مِنْ 2007 لغاية 2010.. إسْمُه اللِوا "شِديد".. "شِديد عَبْد القَوي".

- مَعْقولَة!.. "شِديد عَبْد القَوي" عَنْدُه مُشْكِلَة وجاي لي انا أَحِلَها لُه.. سُبْحان المُعِز المُذِل.. دَه ما يجيبْهوش عَنْدي إلّا الشِديد القَوي.

- سيادْتَك تِعْرَفُه؟

- إلّا اعْرَفُه.. دَه عِشْرَة قَديمَة قَوي.

ورَجَعَ الدُكْتورُ "سامِحٌ" بِظَهْرِهِ إلى الوَراءِ مُسْتَنِداً إلى ظَهْرِ كُرْسيهِ العالي وسَرَحَ في تَفْكيرٍ عَميقٍ وهوَ يَتَنَهَّد وبَدَأَ شَريطٌ مِنَ الذِكْرياتِ يَمُرُّ أَمامَ عَيْنَيْهِ وأَخَذَ يَتَذَكَّرُ أَحْداثاً مَضَت مِنْ حَوالي ثَلاثينَ عاماً....

{{{{{ كانَ اليَوْمُ هوَ يوْمَ الاحْتِفالِ بتَخْريجِ دُفْعَتِه، وبَعْدَ أَنْ رَدَّدَ المُتَخَرِّجونَ قَسَمَ "أَبِقْراطٍ" وبَعْدَ أَنْ أَنْهَى عَميدُ الكُليَّةِ كَلِمَتَهُ التي حَثَّ فيها الأَطِبَّاءَ الجُدُدَ عَلَى خِدْمَةِ وَطَنِهِم وتَمَنَّى لَهُم التَوْفيقَ في حَياتِهِمِ العَمَليَّةِ بَدَأَ أَفْرادُ الدُفْعَةِ في تَوْزيعِ الحَلْوَى عَلَى ذَويهِم الذينَ حَضَروا الحَفْلَ وكُلّهُم تَفاؤُلٌ بمُسْتَقْبَلٍ زاهِرٍ عامِرٍ بالنَجاحاتِ وسادَ الفَرَحُ والمَرَحُ أَرْجاءَ قاعَةِ الاحْتِفال، وقَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ "سامحٌ" مَعَ أُسْرَتِهِ الفَخورَةِ بِهِ جاءَهُ صَديقُهُ وزَميلُهُ "عَبْدُ السَلامِ عَبْدُ الغَفورِ" ليُؤَكِّدَ عَلَيْهِ أَلا يَتَخَلّفُ عَنْ مَوْعِدِ اجْتِماع الشُعْبَةِ في مَساءِ الغَدِ فَقَدْ كانَ الصَديقانِ مُنْضَمَّيْنِ لِجماعَةِ "الإخْوانِ" مُنْذُ دُخولِهِما الجامِعَة.

وأَثْناءُ اجْتِماعِ أَعْضاءِ الشُعْبَةِ في مَنْزِلِ أَحَدِهِم فوجِئوا بقُوَّاتِ الأَمْنِ تَقْتَحِمُ المَنْزِلَ وتُلْقي القَبْضَ عَلَيْهِم جَميعاً ضِمْنَ ما عُرِفَ بحَمْلَةِ اعْتِقالاتِ سِبْتَمْبِر 1981، واسْتَكْمَلَ الإخْوانُ اجْتِماعَهُم في عَرَبَةِ التَرْحيلاتِ التي أَسْلَمَتْهُم إلى مُعْتَقَلِ "أَبو زَعْبَلِ" ومِنْهُ رُحِّلَ بَعْضُهُم إلى مُعْتَقَلِ "السِجْنِ الحَرْبيِ" وبَعْضُهُمِ الآخَرِ إلى مُعْتَقَلِ "القَلْعَةِ" أَمَّا "سامِحُ" و"عَبْدُ السَلامِ" فَقَدْ نُقِلا مَعاً - ضِمْنَ مَجْموعَةٍ أُخْرَى مِنَ الشَباب - إلى مُعْتَقَلِ "طُرَه" الذي شَهِدَ تَعْذيبَهُما والتَنْكيلَ بِهِما بِأَحَّطِ أَساليبِ القَمْعِ والإذْلالِ الوَحْشيَّة، وكانَ الضابِطُ المَسْئُولُ عَنِ التَفَنُّنِ في هَذِهِ الأَساليبِ آنَذاك هوَ النَقيبُ "شَديدٌ عَبْدُ القَوي" والذي كانَ يَتَلَذَّذُ شَخْصيَّاً بِأَنْ يُشْرِفَ بِنَفْسِهِ عَلَى مُمارَسَةِ كُلِّ أَنْواعِ القَهْرِ والضَغْطِ النَفْسيِ والجَسَديِ عَلَى المُعْتَقَلين.

وبَعْدَ سَنَةٍ كامِلَةٍ خَرَجَ الصَديقانِ إلى النُورِ واسْتَرَدَّا حُريَّتَهُما إلى حينٍ فبَعْدَ حَوالي خَمْسِ سَنَواتٍ رَجِعا فيها إلى عَمَلِهِما كَمُعيدَيْنِ بَكُليَّةِ الطِبِّ وحَضَّرَا رِسَالَتَيْ الماجِسْتيرِ والدُكْتوراه وتَعَيَّنا بالسِلْكِ الجامِعيِ تَمَّ اعْتِقالُهُما مَرَّةً أُخْرَى وتَرْحيلُهُما إلى مُعْتَقَلِ "طُرَه" مُجَدَّداً فَقَضيا بِهِ ثَمانِيَةَ أَشْهُرٍ ذاقا خِلالَها أَصْنافاً جَديدَةً شَتَّى مِنَ العَذابِ عَلَى يَدِ المُقَدَّمِ "شَديدِ عَبْدِ القَوي"، وظَلّا طيلَةَ تِسْعَةِ أَعْوامٍ يَتَرَدَّدونَ ما بَيْنِ الاعْتِقالِ والانْعِتاق، لا يَلْبَثا أَنْ يَخْرُجا إلى نورِ الحُريَّةِ حَتَّى يَتِمَّ الزَجُّ بِهِما إلى ظَلامِ الاعْتِقال وفي كُلِّ مَرَّةٍ يُجَابَهانِ بالضابِطِ "شَديدٍ عَبْدِ القَوي" للدَرَجَةِ التي خَصَّصَ كُلٌّ مِنْهُما حَقيبَةً تَحْوي ما يَحْتاجانِ إلَيْهِ مِنْ مَلابِسٍ ولَوازِمٍ في فَتْرَةِ الاعْتِقالِ سَمَّياها "شَنْطَةَ شَديد"، وفي الوَقْتِ الذي كانا يَتَدَرَّجانِ في مَناصِبِهِما بالكُليَّةِ حَتَّى وَصَلا إلى دَرَجَةِ الأُسْتاذيَّةِ كانَ "شَديدٌ عَبْدُ القَوي" يَتَدَرَّجُ أَيْضاً في الرُتَبِ حَسَبَ إتْقانِهِ لِعَمَلِهِ حَتَّى وَصَلَ إلى دَرَجَةِ أُسْتاذٍ في السَحْلِ والجَلْدِ والتَرْويعِ مَعَ مَرْتَبَةِ الشَرَفِ الأُولى.

وجَاءَتْ لَحْظَةُ الفُراقِ بَيْنَ الصَديقَيْنِ فَقَدْ يَئِسَ "عَبْدُ السَلامِ" مِنْ انْصِلاحِ الأَحْوالِ وكَفَرَ بِقَضيَّةِ الوَطَنِ فَهاجَرَ إلى "كَنَدا" حَيْثُ نِعْمَةُ الحُريَّةِ واحْتِرامُ الإنْسانِ في حينَ مَكَثَ "سامِحٌ" بِوَطَنِهِ "مِصْرَ" مُحاوِلاً تَغْييرَ الواقِعِ المُؤْلِمِ ومُتَرَدِّداً بَيْنَ الفَيْنَةِ والأُخْرَى عَلَى مُعْتَقَلِ "طُرَه" وسَجَّانِهِ "شَديدٍ عَبْدِ القَوي".

وفي ديسِمْبِر 2006 شَنَّتْ السُلُطاتُ المِصْريَّةُ حَمْلَةَ اعْتِقالاتٍ واسِعَةً جَديدَةً بَيْنَ صُفوفِ جَماعَةِ "الإخْوانِ" عَقِبَ اسْتِعْراضِ الفُنونِ القِتاليَّةِ الذي قامَ بِهِ طَلَبَةٌ تابِعونَ للجَماعَةِ في "جامِعَةِ الأَزْهَرِ" فيما عُرِفَ وَقْتَها بِقَضيَّةِ "ميليشياتِ الأَزْهَر"، واعْتُقِلَ دُكْتورُ "سامِحٌ" بِحُجَّةِ مَسْئُولِيَّتِهِ كَقياديٍ إخْوانيٍ وكَنائِبٍ لِرَئيسِ جَامِعَةِ "الأَزْهَرِ" عَنْ هَذا الفِعْلِ المُتَحَدِّي للنِظام، وعِنْدَما وَصَلَ "سامِحٌ" إلى مَحْبَسِهِ فوجِئَ بِعَدَمِ وُجودِ "شَديدٍ عَبْدِ القَوي" ورَغْمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَشْعُرْ بافْتِقادِهِ فَقَدْ كانَ زُمَلاءُ "شَديدٍ" عَلَى قَدْرِ المَسْئُوليَّةِ وقاموا مَعَ "سامِحٍ" بِما يَنْبَغي مِنْ واجِبِ التَعْذيبِ حَتَّى لا يُشْعِرونَهُ بالغُرْبَةِ في غيابِ زَميلِهِم.

وفي مارِس 2011 وبَعْدَ أَقَلِ مِنْ ثَلاثَةِ أسابيعٍ عَلَى سُقوطِ النِظامِ تَمَّ الإفْراجُ عَنْ "سامِحٍ" فَرَجَعَ مُعَزَّزاً مُكَرَّماً لِبَيْتِهِ وعَمَلِهِ ثُمَّ ما لَبِثَ أَنْ تَرَقَّى رَئيساً للجامِعَةِ ضِمْنَ التَغْييراتِ العَديدَةِ التي أَجْرَتْها "الجَماعَةُ" للسَيْطَرَةِ عَلَى مَقاليدِ الأُمورِ في البِلادِ بَعْدَ أَنْ دانَ لَهُم حُكْمُها. }}}}}

- أَدَخَّلُه يا فَنْدِم؟.. يا دُكْتور "سامِح".. دُكْتووور.

- ها.. بِتْقول حَاجَة؟

- باقول لِسيادْتَك أَدَخَّلُه؟

- أَيْوَه أَيْوَه.. خَلّيه يتْفَضَّل.

ودَخَلَ اللِواءُ "شَديدٌ عَبْدُ القَوي" وقَدْ تَغَيَّرَ شَكْلُهُ تَماماً وبَدا أَنَّ الزَمَنَ قَدْ هَزَمَهُ شَرَّ هَزيمَة، فَقَدْ انْحَنَتْ قامَتُهُ وفَقَدَ كَثيراً مِنْ وَزْنِهِ وسَقَطَ مُعْظَمُ شَعْرِهِ وحَفَرَتْ التَجاعيدُ خُطوطَها عَلَى وَجْهِهِ الذي اسْوَدَّ وظَهَرَ عَلَيْهِ الضَعَفُ والوَهَنُ وزالَ عَنْهُ الكِبْرُ والغُرورُ ومَدَّ "لِسامِحٍ" يَدَهُ المُرْتَعِشَةَ ليُسَلِّمَ عَلَيْهِ قائِلاً :

- مَعْلِهش يا مَعالي الباشا.. أَزْعَـجْتَك بالزيارَة مِنْ غير ميعاد.

- لا أَبَداً.. دَه انْتَ تشرَّف فِ أَيْ وَقْت.

- دَه العَشَم بَرْضُه يا باشا.. أَصْلي انا خَدَمْت البَلَد خَمْسَة وتَلاتين سَنَة ومِسْتِنِّيها ترُد لي الجِميل.

- أَنا والبَلَد تَحْت أَمْرَك.. خير؟

- أَنا يا باشا طَلَعْت مَعاش السَنَة اللي فاتِت.. ورَبِّنَا أكرَمْني بسَرَطان فِ الكِبْد.. ودُكْتور الأَوْرام كَتَب لي عَلَى بِرشام اسْمُه "نِكسافار".. ودَه بيتْكَلِّف حَوالي عِشرين أَلْف جِنيه فِ الشَهْر.. وبصَراحَة مِشْ فِ مَقْدِرْتي أَجيبُه.. رُحْت لِوزارِة الداخْليَّة قالوا لي ما نِقْدَرْش نجيبُه عَلَى حساب الوِزارَة وبَعَتوني للتَأْمين.. والتَأْمين قالوا لي الميزانيَّة لا تَسْمَح.. جيت اقابِل حَضْرِتَك باعْتِباري كُنْت باخْدِم هنا فِ الجامْعَة.. وانا عارِف بَرْضُه إنْ مَعاليك ليك وَضْعَك فِ نقابِة الأَطَبَّاء.. قُلْت أكيد مِشْ حَ تِبْخَل عَلَيَّ وتِتْصَرَّف لي مِ الجامْعَة أَوْ مِ النِقابَة.

- واللهِ أَنا ما اقْدَرْش اصْرِف لَك حَاجَة مِ الجامْعَة لإنَّك كُنْت بتَتْبَع وِزارِة الداخْليَّة مِشْ الجامْعَة.. وبَرْضُه ما اقْدَرْش اصْرِف لَك حَاجَة مِ النِقابَة لأَنَّك مِشْ طَبيب عُضْو فيها.

- يَعْني ما فيش فايدَة.

- لأ فيه إن شاءَ الله.. أَنا حَ اكَلِّم حَبايِبْنا فِ جَماعِة "الإخْوان".. هُمَّ بيبْقَى عَنْدُهُم ميزانيَّة لمُساعدِة الحالات اللي زَيْ حَضْرِتَك.. وانا كَمان عَنْدي قِرْشين كُنْت شايِلْهُم لظروف زَيْ دي مُمْكِن تِحْصَل لي أَوْ تِحْصَل لِحَدْ اعْرَفَه.. أَظُن انْتَ أَوْلَى بيهُم دَه الوَقْت.. وكَمان حَ اكَلِّم لَك واحِد حَبيبي مهاجِر "كَنَدا" مِشْ حَ يتْأَخَّر أَبَداً وحَ يبْعَت لِنا كام عِلْبَة مِ الدَوا دَه مِنْ هِناك واهو إيد عَلَى إيد تساعِد.

- مِشْ عارِف اشْكُرَك واشْكُر حَبايْبَك فِ الجَماعَة إزَّاي.. واللهِ أَنا طول عُمْري باقول عَليكُم ناس عارْفين دينْكُم كوَيِّس وكان مسير رَبِّنَا حَ ينْصُركُم مَهْما اتْظَلَمْتوا.. بَسْ انا مِتْهَيَّأْ لي إنِّي شُفْتَك قَبْل كِدَه.

- يمْكِن لإنَّنا اسْتَريَّحْنا لبَعْض بسُرْعَة.. ما هي الأَرْواح جُنودٌ مُجَنَّدَة.

- لأ.. أَنا مِتْهَيَّأ لي إنِّي عَمَلْت فيك خِدْمَة زَمان.

- ها ها ها.. هوَّ انْتَ خَدَمْتِني انا بَسْ.. دَه انْتَ خَدَمْت البَلَد كُلَّها.

google-playkhamsatmostaqltradent