"كهربا" بين فرح أخته ودفع غرامته | من يوميّات ناس مفروسة في "مصر" المحروسة
فبراير 2024 :
بادئ ذي بِدء: لا
يُعتَبَر هذا المقال غيْبةً أو نميمةً أو دعوةً للحقد الطبقي أو تدخُّلاً في شؤون
الغير لأن هؤلاء الغير هم شخصيّاتٌ عامّةٌ في المجتمع المصري تُدير شؤونها تلك
أمام الجميع بل وتتعمَّد أن تُظهِر أحوالها في العلن لتتصدّر أخبارها مانشيتات
وعناوين وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في إطار الشُهرة وذيوع الصيت، لذلك – قارئي
العزيز – فإنني أرجو منك أن تُطالِع هذا المقال باعتباره تسجيلاً لحالةٍ مرصودةٍ من
واقع المجتمع المصري خلال تلك السنوات الكئيبة التي نعيشها والتي تشهد تناقُضاتٍ
صارخةً بين طبقات المواطنين ربما تكون سبباً في انفجارٍ وشيك قد يطول الجميع.
طبعاً مبروك للاعب
الأهلي الحالي "محمود كهربا" إتمام زفاف شقيقته المصون (أسعد الله
أيّامها مع زوجها المحترم)وعُقبى له إن شاء الله، ومبروك له أيضاً إبراء ذمّته بعد دفع الغرامة التي
حُكِم بها عليه إثر هروبه من تنفيذ عقده مع ناديه السابق "الزمالك".
أوّلاً: الفرح:
أقيم هذا الفرح في
قاعةٍ ضخمةٍ فخمةٍ بإحدى الفنادق الكُبرى ذات السبعة نجوم، وقد قيل أن تكاليف هذا
الفرح قد تعدّت الـ 25 مليون جنيه، وقد حضره لفيفٌ من أساطير وأساطين المجتمع
المصري: مسؤولون – سياسيّون – فنّانون – مطربون – رياضيّون – لاعبون – إعلاميّون –
مراكز قوى مُعاصرة (كان يُطلق عليهم منذ سنواتٍ فقط "بلطجيّون" حسب
مفهوم القانون وأحكامه) – وأيْضاً مشهورون من عِلية القوْم في كافّة المجالات، وقد
تم الصرف بسخاءٍ على كل أوْجه وتفاصيل هذا الحفل الأسطوري ما يدل على مدى ثراء
اللاعب (ربّنا يزيده) الذي دفع ما يساوي تكاليف ألف (1000) حفل زفافٍ من حفلات
أواسط وعوام الناس.
والجدير بالإشارة أن
العريس يشغل منصب المدير الإعلامي والمسؤول العام عن إدارة صفحات السوشيال ميديا
الخاصّة بالسيّد "أمّح الدوْلي"، ودعوني أُوّضِح للجهلة – أمثالي الذين لا
يعرفون مقام وقدر السيّد "أمّح" – أنه شخصيّةٌ عامّةٌ مشهورةٌ على صعيد
الأوْساط الرياضيّة وأنه – حسب سيرته الذاتيّة المكتوبة في موْسوعة المعارف "ويكيبيديا"
– شخصٌ من ذوي الإعاقة الذهنيّة (مُصاب بمُتلازمة "داون" أو البله
المغولي) والقدرات الخاصّة والذي استطاع بقلبه الطيّب الكبير أن يكسب حُب واحترام
الجماهير من كل الأندية وأن يُصبح الصديق المقرّب للكثير من لاعبي كرة القدم
(ومنهم "كهربا").
ثانياً: الغرامة:
بعد أن أخلَّ اللاعب
"محمود كهربا" بشروط عقده مع نادي "الزمالك" وهرب للنادي "الأهلي"
عبر التعاقُد مع نادٍ برتغاليٍ وسيط؛ حكمت عليه المحكمة الرياضيّة الدوْليّة "ك.ا.س"
منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ بدفع غرامة قدرها مليونيْ دولار أمريكي، وقد ماطل اللاعب في
الدفع منذ ذلك الحين فتراكمت عليه فوائد تأخير الغرامة فوصلت حوالي 2.5 مليون دولار،
وأخيراً دفع اللاعب أمس قيمة الغرامة بما يوازي حوالي 80 مليون جنيه بسعر صرف
الدولار في البنوك (أي حوالي 125 مليون جنيه بسعر السوق السوْداء الموازية).
وتبعاً لبيان اللاعب
ومصادرَ قريبةٍ منه فإن اللاعب قد دفع جزءاً بسيطاً من هذا المبلغ الضخم أمّا
الجزء الأساسي الكبير فقد ساهم فيه النادي "الأهلي" وبعض رجال الأعمال
الأهلاويّة وآخرون من مُحبي اللاعب.
ثالثاً: الأسئلة المُثارة:
وحتى لا أُتَّهَم بإثارة
الكراهية والشحناء وحتى لا أُدان بالتنمُّر والتنابُز فلن أُدلي بدلوي أو أُجاهِر
برأيي فيما ذكرتُه من وقائعَ (جاءت في أوّلاً وثانياً)، ولكني سأُثير أمامك – أيُّها
القارئ الكريم – عِدّة تساؤلاتٍ واضحة وأسئلةٍ مُحدَّدة (في ثالثاً) أرجو أن تُجيب عليها بينك
وبين نفسك شرط أن تُحكِّم عقلك وضميرك وبصيرتك:
- كم يكسب أي لاعب كرة هذه الأيّام؟ .. وكم يكسب أي طبيبٍ – في مثل سِن اللاعب – أو مهندسٍ أو مُعلِّمٍ أو مُحاسبٍ أو ضابط (ناهيك عن أي عاملٍ أو فلّاح)؟ .. وما الأثر النفسي لتلك المُقارنة على الجميع إزاء شعورهم نحو التقدير المادّي والمعنوي المُبالَغ فيهما لشريحة اللاعبين المُنتمين لنفس الوطن الذي يُفرِّق في المُعاملة بين أبنائه؟
- هل تستلزم الفرحة بزواجٍ ما إنفاق كل تلك
الأموال في بلدٍ يأكل فيه بعض الناس من أكوام القمامة؟ .. ولماذا يُصِر مشاهير
المجتمع على التباهي ببذخهم والتفاخُر بإسرافهم أمام أفراد شعبهم الذي يعاني غالبيّته
من الفقر والعوَز؟ .. وما تأثير ذلك على الشرائح والطبقات البائسة في المجتمع
المصري؟ .. وإذا كان "كهربا" قد صرف كل تلك المبالغ في حفل زواج شقيقته
فكم سيصرف في حفل زواجه هو شخصيّاً؟
- من أيْن يأتي رجال الأعمال بأموالهم
التي ينفقونها فيما لا يُفيد بكل تلك السهولة دون أن يرفَّ لهم جفن؟ .. وهل بادر
رجال الأعمال هؤلاء بالتبرُّع لإنشاء المستشفيات والمدارس والملاجئ كما بادروا بسداد الملايين من أموالهم لمساعدة "كهربا" ذلك اللاعب المُعدم المسكين الذي
أنفق 25 مليون جنيه فقط على حفل زفاف شقيقته؟ .. وهل يعيش هؤلاء معنا في نفس
البلد ويواجهون نفس مشاكلنا ويشعرون بمعاناتنا أم هم معزولون – بأموالهم ونفوذهم –
في بروجٍ عاجيةٍ عالية؟
- ما سر مساهمة النادي
"الأهلي" في دفع الغرامة مع اللاعب؟ .. وكيف يُفسِّر مسؤولو النادي ذلك
للجهات الرقابيّة (إن وُجِدَت) خصوصاً وأن النادي مملوكٌ للدوْلة وأمواله تتبع المال العام؟
- ما هو شعور "كهربا" وهو
يُسدِّد ملايين تلك الغرامة؟ .. وهل يُقارَن – مثلاً – بشعوري وأنا أكاد أن أُصاب
بجلطةٍ عندما أدفع لإدارة المرور غرامة تجاوز السُرعة بسيّارتي أو غرامة الركن صف
ثانٍ والتي لا تزيد عن بضع مئاتٍ من الجنيْهات؟
- ما هي قيمة السيّد "أمّح الدوْلي"
الحقيقيّة (غير إنه راجل بتاع ربّنا) لتكون له إدارةٌ خاصّةٌ لمواقع تواصله
الاجتماعي؟ .. وهل يُدرك هذا الرجل الطيّب معنى التواصل أو يعي كيْفيّة كتابة
آرائه في المنشورات أو يعقل ماهيّة السوشيال ميديا بالأساس؟ .. ثمَّ لماذا هو
"دوْلي" أصلاً؟ .. وماذا فعل ليخرُج من الإطار المحلّي ويبزغ دوْليّاً
وعالميّاً ويصير محط أنظار الجميع الذين يهرولون خلفه لينقلوا تصريحاته الإعلاميّة؟
- هل لكل ما سبق أي علاقةٍ بالمنطق
والحُجّة في هذا العالَم الذي نعيش فيه جنباً إلى جنب مع باقي الدول العاقلة؟ .. أم
أننا جميعاً – كمصريّين – عائمون في ميّة البطيخ وهائمون في شوربة البزرميط حتى ننجرف مع تيّار العشوائيّة المجنونة نحو قرارٍ سحيق في قاع مؤخّرة الثقب الأسود لهذا الكوْن؟