دي مش أولويّات أمّة .. دي أولويّات أمّك
ح ييجي واحد فلّوطة يقول لي: "إنت ما لك؟ .. إنت ح تفتي؟ .. هوَّ انت خبير عسكري؟" .. ح اقول له: يا سيدي أنا لا خبير ولا خابور .. مش لازم أبقى خبير عسكري أو بافهم في كل حاجة علشان أعرف إن بلدنا مش في حالة حرب معلنة مع أي دولة أجنبية تهددنا فما فيش لازمة لكل الأسلحة دي خصوصاً إننا من عقود طويلة بنشتري ونخزّن في سلاح بدون ما نستخدمه فاللي عندنا كفاية .. وخصوصاً برضه إننا بلد معدمة وشعبها (اللي هوَّ حضرتك وانا وغيرنا) نُعتبَر من الفقراء .. ولا هوَّ ما حدش قال لك إنك انت فقير قوي .. لأ يا ريت حد يقول لك إن احنا فقرا قوي .. فقرا قوي .. اسمع الكلام .. اسمع الكلام .. يعني لمّا سيادتك تسمع إن الصومال أو مالاوي بتشتري صواريخ عابرة للقارات أكيد ح تضحك وتستغرب إن بلاد زي دي مش لاقيه تأكّل شعوبها بتصرف فلوسها القليلة على حاجات ما لهاش لازمة بدل ما تتكفّل بالناس اللي ما بتعرفش تقرا وتكتب أو بتاكل من الزبالة أو بتموت من المياه الملوّثة أو الأكل المسرطن أو بتعيش في المقابر .. بالظبط زي ما كلنا ح نعايب على الراجل اللي بيضيّع القرشين اللي حيلته على شِرا مسدسات وسكاكين يدافع بيهم عن أولاده اللي ما حدّش بيهدّدهم أصلاً وسايبهم جاهلين ومرضانين وعريانين وجعانين ومش لاقيين اللضا (على فكرة اللضا دي كلمة فرعونية معناها الرزق) .. خلّي رفاهية الصرف على الأسلحة "الزيادة" للبلاد الغنيّة المهدَّدة بأعداء متربصين لها باستمرار واللي كفّت وأوفت واجباتها تجاه شعوبها اللي عايشة على الأقل فوق خط الفقر مش تحته زي غالبية شعبنا .. وأوعى تقول إن احنا مهدَّدين بالإرهاب .. لإن الجماعات المتطرفة المتشرذمة في سينا اللي بتحاربنا على عربيات سوزوكي نص نقل مش مستاهلة نحاربها بغوّاصات وحاملات طائرات وكل الهلمّة دي .. وتذكّر يا أخي أن معركة المصريين القادمة لن يكون فيها طائرات أو جيش بل ستكون معركة داخلية للحصول على القوت والتغلّب على الجوع ولك في جيش العراق (أقوى الجيوش العربية في الثمانينات) خير مثال حيث لم يحصل على أية فرصة لكي يدافع عن شعبه بل تفكّكت دولته بسبب الصراعات الطبقية ومشاكله الداخلية الناجمة عن إهمال الحكومة لتحسين أحوال شعبها.
أخيراً:
تعوّدنا منذ منتصف القرن الماضي على أن المهمّة الأولى للجيش هي الحفاظ على النظام الحاكم ضد أي محاولات للثوْرة عليه أو خلعه .. وقرأنا في كتب التاريخ الحديث كيف أن قوّة الجيوش العربيّة كانت موجّهة في الأساس نحو صدور شعوبها وليس نحو الكيان الصهيوني .. وسمعنا من آبائنا عمّا حدث في عصرهم وكم من نظامٍ حاكمٍ استعان بالجيش في قمع وقتل مواطنيه وأعدائه من الداخل دون أن يحارب أعداء الوطن في الخارج ودون أن يطلق رصاصةً واحدةً في اتجاه غاصبي "القدس" أو محتلّي أراضي هذا الوطن .. ورأينا بأعيننا ملوكاً ورؤساءً يتوعّدون ويهدّدون شعوبهم بإنزال جيش بلادهم لإبادة الثائرين واعتقال المناهضين وإذلال المعارضين لسياساتهم .. وأخشى ما أخشاه أن ينطبق علينا الآن ما تعوّدناه وقرأناه وسمعناه ورأيناه من قبل .. أدعو الله أن يلهم قوّادنا الصواب دائماً لِما فيه صالح البلاد.