الليل مَلّاح
الليل مَلّاح
تايه سَوّاح
لا بيوْصَل شَط
ولا بيرتاح
الليل مَشحون أَسْرار وشجون
وأَلَم ونَغَم
وكاسات ونايات
ودموع وآهات
وعِبَر وحِكَم
ومشيت ف الليل
خَجْلان مَكْسوف
إكْمِن الليل عِريان مَكْشوف
أَفراح الناس
وجراح الناس
عَلى صِدر الليل عَناقيد وصُفوف
وعيون الليل والضَلْمة جبال
فاردين عَلى وِش السَما غُرْبال
أَلْماظ مَبدور
ف كاسات بَنّور
يفرِش للنور ع الأرض خَيال
ويشُق سكون الكون أَرْغول
ونَغَم فَنّان ثاير مَخبول
وعَليل عَلى فَرْشُه بيتقَلّب
ويحايل جَرْحُه المِتداري ويقول:
يا طَبيب قَلْبَك طَيّب
إسْمَعني .. ح اقول لَك أسراري
لَوْ شِلْت الشَكوى عَلى لساني
ورَميتها قريب
ما تكونْش جراحي مآلماني
أبَداً يا طَبيب
أنا دُقت الجَرْح وخَدْت عَليه
يسقيني المُر .. وَبْرُضه اسْقيه
من بَحر الصَبْر اللي ف قَلبي
ح تقول لي بتشكي أومّال مِن إيه؟
ولا مِن أَوْجاع
ولا شوق لمَتاع
دَه انا عُمري إن ضاع
مِش ح ابكي عَليه
أبَداً يا طَبيب
يا طَبيب ده انا جَرْحي ملَوّعني
وساقيني الحَنْضَل مِن كاسي
والنار ف ضلوعي بتِلْسَعني
وانا لِسّه صغار .. والعَيا قاسي
ولا عُمْر الليل مَرّة سمِعني
عَلّيت الآه عَلى أنفاسي
أبَداً يا طَبيب
لَكِن يا طَبيب أنا بابكي صَحيح
وباقول الآه زَيْ المَجاريح
ودموعي ف عيني بتتألّم
وبتتكلّم
عَلى قَلْب جَريح
مسكين
كان أَمَله يحِب سنين
ويلِم الحُب ف عِشُّه اتنين
واتهَنّى معاه
وإن قال الآه
أنا اقول لُه يا روح القَلْب آهين
بَسْ انا لا بيَدّي
ولا بوِدّي
دَه قَدَر مَقْسوم
قَدَّر لحبيبي يعيش بَعدي
ف الهَوى مَحروم
أهو دَه اللي وَجَعني وخَلّاني
حَطّيت الشَكوى عَلى لساني
إنّما وحياة اللي قاسيتُه
وحياة الأَمَل اللي بَنيتُه
وحياة القَلْب اللي جَرَحْتُه
ولا فرِحْت مَعاه
ولا هنّيتُه
لَوْ شِلْت الشَكوى عَلى لساني
ورَميتها قريب
ما تكونْش جراحي مآلماني
أبَداً يا طَبيب؟
وينام الصوت
والكون حَوَاليه
ساكِن نَعسان
وكأن الموت
رَمَى تُقْلُه عَليه
سَكَت العَيّان
الكاس لُه ناس
والليل مَجالات
والحان (دكان الخمور) مَليان
والناس مَزاجات
ومَجال الكاس
أَشْكال أَجْناس
مَليان حَواديت
مَليان رويات
ونزور ف الليل دُنيا الخَمّار
ونلاقي الكاس
عَ الناس دَوّار
ويموت الليل عَلى باب الحان
ح يخُش ازاي والدُنيا نهار
ونفوس وقلوب كِده عَ المَكْشوف
عِريانة تَمام .. وتعالى نشوف
شوف دَه اللي هناك قُدّامُه كاسين
مع إنّه لوَحْدُه .. ما هوش اتنين
والناس بيبُصّوا ومِش فاهمين
الكاس دَه لمين
والكاس دَه لمين
أهو دَه اللي بنَظرة عين شَبَكوه
وفاتوا لُه الكاس مليان وفاتوه
وحكايتُه طَويلة وهَمُّه تقيل
وح اقول لَك إيه وأعيد لَك إيه
رايح يملا عيونه بحِلْم جَميل
بيّاع السُهْد (السَهَر) مَلا لُه عينيه
وترِن ف جَوْ الحان
ألحان
نَشوانة تخَلّي المولِد هُسْ
وغَزالة بتتغَزِّل ف حصان
بتقول لُه: إحِبَّك إنتَ وبَسْ
ويفِز هِناك سيدنا المَنظور
ويطُب الكاس ف إيديه مَكسور
ويقول: غَشّاشة .. ح تِلْعَب بيك
ويرُد التاني عَليه بفتور:
طَبْ وانتَ مزعّل نَفسك ليه
حِشَري وسَخيف .. وح اقول لَك إيه
و"مانولي" يقول: "موش أنداك خق"
والسامِر يضحَك لَمّا يطَق
ويحُط الحِشَري عينيه ف الأَرْض
وكأنّه لَحَن (أخطأ) ف الدين والفَرْض
ويقوم يتطَوّح مَرّة يمين
ويميّل زَي البَخْت شمال
وف جوف الليل
يغرَق مِسكين
لا يغَيّر حال
ولا يشْغَل بال
الحَظ
حمار
مِن غير حمّار
فَقَد التَمييز
زَي المَجانين
هَجَر البَساتين
سَكَن الدَهاليز
والحَظ بطَبْع غَباوتُه عَنيد
ودماغُه حَديد
لَوْ يعنِد حَتّى عَلى الغُزْلان
ينسَخَطوا معيز
ونسيب دَهْليز
نخُش ف باب
ونعَدّي الباب
ندخُل سِرداب
ونلاقي ضَحايا الليل واقفين
والحَظ بيلعَب بالأعصاب
تَرابيزة عَليها ِنَمر بنظام
من واحِد يمكِن لَمّا لألف
والدُنيا بزَيْ ما هيَّ تَمام
عَلى هَيْئِة كورَة تدور وتلِف
وشَنَب مَفتول
يصرُخ ويقول
اللُقمة بتِنْدَه أَكّالها
والرِزق نَصيب
والدُنيا دايرة ف أحوالها
زَيْ المَجاذيب
الصُبْح معاك والضُهْر عَليك
والحَظ لَوْ ادّى ما بينقّيش
جَرَّبها ويمكِن لَوْ تِدّيك
مِن جودَك بَرْضُه ما تِحْرِمنيش
قَرًّب َقَّرب
جَرَّب جَرَّب
ودي لِعْبِة حَظ .. ما فيش تَبكيش
والكورة تدور
زَيْ المَقدور
تِحْرِن عَلى ناس
وتجامِل ناس
والشيخ "سَلَمون شَعبان مَندور"
واقِف على أعصابه ومحتاس
يلعَب ع السِتّة .. الخَمسة تصيب
ينقِل عَ الخَمسة .. الخَمسة تخيب
وخَلاص الحَظ إدّى لُه قَفاه
والحَظ إن وَلّى بيبقى عَجيب
كُلّها ساعتين .. وصريخ
"سَلَمون" لَعْلَعْ مَقامات
نَهاونْد وسيكا ورَسْت وصَبا
وحجاز وبَيات:
يا خَراب البيت ..
يا نهار الشوم
طَبْ المِسكين مِن طوله ورَفّص
يظهَر مات
والناس مَلْهيّة ف أحوالها
بيدوسوا عَليه
وبتاع الكورة مشَغّلها
ح يبطّل ليه
واللُقمة بتِنْدَه أَكّالها
طَبْ ودَه كَلْ إيه؟
الشارِع نايم تَحت جناح الليل هَمْدان
وعيون النور تَعبانَة بتِنْعَس ع العِمدان
والكون مَلفوف
بعباية .. نَسَجها الليل بالخوف
وف بَحْر الضَلْمَة رَأيت على بُعْد
شَبَح إنسان
حَقّقت بعيني لَقِيتها يَمامة وكاسرة الطوق
كَرابيج الليل ناقشينها جراح مِن تَحْت لفوق
والأَسى ف عينيها مصَحّي الشَكوى تقول حَواديت
حَواديت ما لهاش عِلاقات بالشوق
وليالي الشوق
مَسّيت
ورَميت عَ الحِلْو سَلام
قالِت: سَلامين
أنا قُلْت: لوَحْدَك ليه يا حَمام؟
ووَليفَك فين؟
ما لَك بالليل والويل والرُعْب
خَلّيك يا حَمام
عايش للحُب
شالِت بجناح
حَطِّت بجناح
وَرِّتني جراح
تَحْت الجِناحين
وقالِت لي: زَمان الحُب ما راح
وبَقى لنا سنين
ف الليل تايْهين
خَد مِنّي الليل
وادّاني الليل
ورَميت لُه الغالي بسِعر زَهيد
وسَقاني الشَهد ودُقْت الويل
وكَساني حَرير ولَبَسْت حَديد
وعَرَفت الناس مِ الراس للديل
وآمِنت بإن الكُل عَبيد
وقالِتها وطارِت ف ثَواني
وانا شارِد وخَيالي يصَوّر
وغَمَزني الفَجْر وصَحّاني
ولقيت الكون بادي ينَوّر
وصحيت مِن غَفوة سَرَحاني
عَلى صوت بيقول:
اللهُ أَكْبَر