أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

الفصل الأول: الصرصار ملكاً (6)

 

 

الملكة: أنا لن أذهب معكم .. سأبقى هنا .. وسيبقى مع الوزير .. إنه بالطبع ليس في حالةٍ نفسيّةٍ تسمح له بالمشاهدة والفُرْجة ..

الملك: كما تريدان .. وأنت أيها الكاهن المبجَّل .. هل تأتي معنا؟ ..

الكاهن: أنا لا شأن لي بمثل هذه الاكتشافات ..

الملك: هيّا بنا نحن إذن أيها العالِم! ..

(يذهب الملك والعالِم .. وتبقى الملكة والوزير والكاهن .....)

الملكة: إني حزينةٌ لمصابك أيها الوزير .. ولكني أيضاً حزينةٌ وآسفةٌ لموقف زوْجي المخجِل! ..

الوزير: لا تلومي زوجِك يا موْلاتي .. إن زوجِك الملك ليس في مقدوره شيء ..

الملكة: كان في مقدوره على الأقل أن يكون جاداً حاسماً .. أن يكون في مستوى الموْقف ..

الوزير: الموْقف صعب ..

الملكة: فعلاً .. ويحتاج في مواجهته إلى شخصيّةٍ قويّة .. ولكن زوْجي مع الأسف ضعيف الشخصيّة .. ألا تلاحظ ذلك؟ ..

الوزير: البركة فيكِ أنتِ يا موْلاتي ..

الملكة: لوْلاى إلى جانبه .. ماذا كان يفعل؟! .. إنه في أعماقه يشعر بذلك .. أني أقوى منه شخصيةً .. ولكنه يحاول دائما خداع نفسه .. والتظاهر بالتفوّق ..

الوزير: كلٌ له طباعه وأخلاقه .. إنه على كل حالٍ طيّب القلب ..

الملكة: لست أنكر ذلك .. هو طيّب حقاً لكن .....

الكاهن: لكن سيْره خلف هذا العالِم الزنديق .. واستماعه إلى تُرّهاته .. ليْس ممّا يبشّر بخيْر ..

الوزير: إنه أيضاً يستمع إليك كثيرا أيها الكاهن المبجَّل! ..

الكاهن: كما يستمع إليك أنت كذلك أيها الوزير الهُمام ..

الوزير: إنه يستمع إلى الجميع .. وإلى كل شيء .. من الإنصاف أن نقول إنه متفتّح الذِهن ..

الملكة: إنك تدافع عنه برغم كل شيء لأنك بدونه تصبح عاطلاً! ..

الوزير: أنا يا مولاتي؟! ..

الملكة: نعم أنت .. وأنت بالذات .. لأن الكاهن له ما يشغله .. والعالِم له ما يشغله .. أمّا أنت فلا شُغل لك بغير الملك ..

الوزير: وأنتِ يا موْلاتي؟ .. أنتِ الملكة .. والملكة .....

الملكة: مفهوم .. لا شُغل لها كذلك بغير الملك! .. أعرف ..

الوزير: عفواً إني .....

الملكة: لا تعتذر! .. وضعي مثل وضعك .. أعرف ذلك .. لكن الفرق هو أني أنثى .. وأنه يريد دائماً أن يذكِّرني بأنه ذكر .. وأنه أطول مني شوارب ..  

(يظهر صرصارٌ وهو يغني .....)

الصرصار (مُنشِداً):

يا ليــل يـا عين

فيك تغمض العين

على العزيز واللعين

یـا ليـل يـا عين

فيك نرقـد بـعين

ونرقب بعين

مطلع الفجـر المبين

ياليــــــل يـا عين ..

الملكة: مَن هذا الذي يغني؟ ..

الوزير (ينظر): هذا صرصارٌ من الرعيّة ..

الملكة: من الرعيّة؟! .. يغني ونحن نفكّر .. نفكّر له من الصُبح في مشكلته! .. أحضره هنا ..

الوزير (صائحاً به): تعالَ هنا يا هذا ..

الصرصار (مقترباً): نعم ..

الوزير: مَن أنت؟ ..

الصرصار: واحد .. يغني ويسعى إلى رزقه ..

الوزير: تغني ونحن نفكّر لك ..

الصرصار: ومِن طلب منك أن تفكّر لي .. أنا أفكّر لنفسي ..

الوزير: أنا الوزير ..

الصرصار (ساخراً): تشرّفنا! ..

الوزير: نحن نفكّر في مشكلةٍ خطيرةٍ تهدّد حياتك هى مشكلة النمل .. وقد جئت الآن في الوقت المناسب .. ونريد منك ومن غيرك التعاون معنا .. ما رأيك؟ ..

الصرصار: رأيي أن تتركني في حالي ..

(يدير له ظهره وينصرف وهو يغني)

يـا ليـل يـا عين

فيك تغمض العين ..

الوزير (للملكة): لا فائدة! ..

الملكة: حقّاً .. لا فائدة! ..

(العالِم يطـل بـرأسه مـن أعلى الجدار الخارجي لحوْض البانيو صائحاً .....)

العالم: النجدة! .. النجدة! ..

الملكة: ماذا حدث؟ ..  

العالم: الملك .....

الملكة (في لهفة): ماذا حدث للملك؟ ..

العالم: زلّت قدمه .. سقط في البحيْرة! ..

الملكة: سقط في البحيْرة؟! .. وامصيبتاه! ..

الوزير: الملك مات؟ ..

العالم: لم يمُت بعد .. البحيْرة جافّة .. لا ماء فيها .. ولكن جدرانها ملساء .. وهو في قاعها يحاول الخروج ..

الملكة: فلنساعده على الخروج .. ساعدوه .. أنقِذوه! .. أنقِذوا زوْجي بحق السماء! ..

العالم (صائحاً): ابقوا حيث أنتم! .. لا سبيل إلى إنقاذه .. لا يمكن الهبوط إليه ..

الملكة: لا بُد أن نصنع من أجلـه شيئاً .. هلمّوا بنا جميعاً! ..

العالم: لا تتحرّكوا! .. الجدران على حافّة البحيْرة ملساء .. وقد تزل أقدامكم أنتم أيضاً وتسقطون ..

الملكة: لا بد من إنقاذ زوْجي! .. أنقِذوا زوْجي! .. أرجوكم .. أنقِذوه! ..

الوزير: نعم .. لا بُد من إنقاذ الملك! ..

العالم: لا أحد يستطيع .. إنه في أعماق الهوّة .. والجدران ملساء .. تنزلق عليها الأقدام .. لن ينقذه أحد إلّا نفسه، إلّا مجهوده هو .. أو معجزةٌ من السماء! ..

الكاهن: معجزةٌ من السماء؟! .. الآن تتكلّم عن معجزةٍ من السماء؟! ..

الوزير: أهذا وقتك أيها الكاهن! ..

الملكة: نعم .. أتوسّل إليك أيها الكاهن أن تفعل شيئاً من أجل زوْجي .. أتوسّل إليك! ..

الكاهن: ألم يقـُل هـذا العالِم إن السماء ليس فيها أحـدٌ يسمعنا؟! ..

العالم: لا تنتهز الفرصة وتسوق الدلال! .. كل مَن في مقدوره الآن شيءٌ فليفعله! ..

الملكة: نعم .. افعل شيئاً أيها الكاهن .. أرجوك ..

الوزير: هذا واجبك أيها الكاهن .. أنقِذ الملك! ..

الكاهن: ليس في يدي غير الصلاة ..

الوزير: إذن نرجوك أن تصلّي ..

الكاهن: جميعنا يجب أن نصلّي .. حتى هذا العالِم يجب أن يصلّي معنا .. ولكنه لن يقبل ..

الملكة: سيقبل .. سيقبل من أجل خاطرنا .. من أجـل زوْجي ..

العالم: سأقبل .. حتى أُبطِل حجّته .. فإذا كان هناك حقاً مَن يسمع أصواتنا .. ويفهم لُغتنا، ويلتفت إلى توسّلاتنا كان بها .. وإلّا فنحن لن نخسر شيئاً! ..

الوزير: ها هو ذا قد قَبِل ..

الكاهن: هذا قبولٌ تشوبه الشوائب ..

العالم: قلت لكم إنه سيتدلّل ويتعلّل! ..

الوزير: نرجوك أيها الكاهن .. تساهل! ..

الملكة : ثِق أننا جميعاً معك بقلوبنا الساعة! ..

الكاهن: ليس جميعكم ..

الوزير: دعك منه إذن! .. افترض أنه غير موجود .. ألا تكفي أصواتنا نحن الثلاثة؟ ..

العالم: قلت لكم إني أضم صوتي إلى أصواتكم .. ماذا يريد مني أكثر من ذلك؟! ..

الكاهن: لا أريد صوتك بيننا .. يكفى صوْتٌ واحدٌ متشكِّك ليفسد بقية الأصوات! ..

العالم: وما شأنك أنت بصوتي؟! .. أهو لك أم للسماء؟! .. إترك الأمر للسماء، هي التي تسمع أو لا تسمع .. وتقبل مني أو لا تقبل! ..

الوزير: هذا كلامٌ معقول ..

الملكة: حقّاً .. دع أمره للسماء أيها الكاهن الجليـل، ولا تشغل نفسك به .. مَن يدري؟ .. ربما كان مقبولاً ونحن لا ندري ..

الكاهن: فليكن! ..

الملكة: نصلّي إذن جميعاً ..

الكاهن: صلّوا! .. ارفعوا أيديكم معي .. أيتها الآلهة! ..

الجميع (يرفعون أيديهم إلى أعلى صائحين): أيتها الآلهة! .. أيتها الآلهة! ..

(يسدل الستار على الفصل الأوّل)

(يتبع في الفصل الثاني)