صورة واحد إعلامي (1)
الجُمعة:
زارني في بيْتي صديقي "يعقوب
هيرتز" الذي يعمل فنّي صوت بقناة "باتيستا" الفضائيّة (وقد سُميَت
بهذا الاسم تيمُّناً بنوْعٍ من الأقمشة اسمه "باطِسطة" والذي يعكس
ألواناً مُتعدِّدة عندما تسقُط عليه أشعة الشمس، ومن هُنا جاءت المقولة الخالدة:
"على كل لون يا باطِسطة")، وكان يحمل في يده كيساً من البُرتقال وكيساً
آخر من اليوسُفي حيث كُنتُ أرقُد مريضاً في فراشي بعد إصابتي بتشنُّجٍ وتقلُّصٍ
شديديْن في جميع العضلات الدوديّة الأربعة الكائنة بكف يدي الأيمن مع شرخٍ إجهاديٍّ
بالعظم الكلّابي والزوْرقي الكائنيْن براحة يدي اليُسرى كما جاء في تقرير الشهادة
المَرَضيّة لطبيب الشركة التي أعمل بها، وما أن جلس "هيرتز" بجواري على
حافّة السرير حتى بادرني بقوْله:
-
ألف سلامة عليك يا
"ابو النفاق" يا خويا .. إيه يا بني؟! .. كفوف إيديك الاتنين مربَّطين
كده ليه؟!
ملحوظة: اعتاد "هيرتز" على مناداتي
بـ"أبو النفاق" حيث كان اسمي "نفيق الطبلاوي حرباية"، وقد كان
اسمي الأصلي الذي كتبه والدي في سجلّات المُستشفى الذي وُلِدتُ بها هو:
"شفيق" ولكن موظَّف مكتب الصحّة الذي حرّر شهادة ميلادي نقله من ورقة
إبلاغ المواليد بالخطأ فكتبه "نفيق" (الظاهِر كان نظره ضعيف وشاف نُقطة
واحدة بس مش تلاتة)، ولم يكتشف أبي ذلك الخطأ إلّا بعد صدور شهادة الميلاد بأسبوع
عندما كان يُطّعمني ضد الدرن، ولمّا أراد أبي تصحيح الاسم طالبه الموظَّف المُختص
بأوْراقٍ عديدة وإجراءاتٍ طويلةٍ عريضة، وجرى والدي وراء استخراج الأوْراق
المطلوبة لمُدّةٍ قاربت على الثلاثة أعوام ولكن القَدَر لم يُمهِله لكي يُنهي
الإجراءات كاملةً فقد مات المغفور له وهو واقف في طابور السجل المدني فصار اسمي
المعروف في النهاية: "نفيق".
وأجبت صديقي قائلاً:
-
الحمد لله على كُل
شيء .. قضا أخف من قضا.
-
أيوه يعني اتصبت
ازّاي؟ .. وقعت على أيديك الاتنين مثلاً ولّا دي كانت حادثة مرور؟
-
لأ .. أنا اتصبت ف
انتخابات اللجنة النقابيّة للعاملين بالشركة من تلات تيّام.
-
إزاي بَس؟! ..
وبعدين من إمتى انت بتنزِل انتخابات؟!!
-
مش انا يا أخي .. ده
الريّس بتاعي ف قسم "صناعة لسان الطبلة والمفاتيح الزومبة" .. كان مرشّح
نفسه رئيس للجنة وكنت قاعِد باصقّف في المؤتمر الانتخابي بتاعه بس الظاهر الحماس
أخدني شويّة وكنت باصقَّف جامد قوي فحصل لي كده من كُتر التصقيف .. ريّسي بقى
ولازم أجامله.
-
طب الحمد لله على قد
كده وما حصل لكش حاجة تاني.
-
لأ ما انا خفّيت من
التهاب الأحبال الصوْتيّة بسبب الهتاف الكتير ف المؤتمر ده برضه .. قول لي انت بس:
عرفت منين إني تعبان؟
-
لقيتك ما بتجيش
القهوة بالليل فسألت عليك قالوا لي عيّان .. قُلت آجي أطُل عليك.
-
خطوة عزيزة يا حبيبي
.. طول عُمرك صاحب واجب .. وأخبارك إيه؟ .. عامل إيه ف شُغلك؟
-
الحمد لله .. الناس
ف القناة مبسوطين من شُغلي .. بس جاي لي عرض اشتغل ف قناة "ندى البلد"
براتب أعلى ومحتار أعمل إيه.
-
"ندى
البلد" اللي فيها الإعلامي الكبير "أحمق موسى"؟!!!
-
آه.
-
ومحتار يا اهبل!!!
.. دي قناة كبيرة ومشهورة .. حَد يطول يشتغل فيها؟
-
مش القضيّة يا
"ابو النفاق" .. أصلي مرتاح ف "باتيستا" وليَّ وضعي فيها
إكمنّي من ضِمن الناس اللي بدأوا فيها من أوِّل ما فتحِت.
-
وبُكره يبقى لك وضعك
برضُه ف "ندى البلد" .. إقبل يا بني وما تتبطَّرش ع النِعمة .. وبعدين
ده انت ح تاخُد فيها مُرتَّب أكبر كمان.
-
مش أكبر قوي يعني ..
ثُمَّ إنهم ف "باتيستا" لمّا عرفوا عرض "ندى البلد" ليَّ
اتحايْلوا عليَّ علشان أكمّل وقالوا لي ح يزوّدوني.
-
ربّنا يقدِّم لك
اللي فيه الخير .. إنت تستاهِل كل خير واللهِ.
-
الله يكرمك.
-
طب ما دام انت واصِل
كده ف قناة "باتيستا" ما تشوف لي شُغلانة عندكم.
-
ابن حلال واللهِ ..
دول كانوا عايزين عُمّال بوفيه ف الاستوديو.
-
بوفيه إيه يا بني ..
أنا عايز شُغلانة ف تخصُّصي.
-
أيوه .. بَس انت
خرّيج معهد "قطن وبوليستر" .. ح تشتغل إيه ف القناة؟!
-
إنت ناسي إني موظَّف
ف إدارة الدعاية والإعلان ف الشركة .. شغَّلني ف الإعلام.
-
يا حبيبي الإعلان
حاجة والإعلام حاجة تانية خالص.
-
يا سلام!!! .. ده
الفرق بينهم حرف واحد بَس.
-
يعني عايز تشتغل ايه
يعني؟!
-
إعلامي .. مُذيع
يعني .. أقدِّم برنامج سياسي مثلاً.
-
هههههههه!!! .. لأ
حلوة دي .. الله يحظَّك يا "ابو النفاق".
-
إنت بتتريق عليَّ؟!
.. الله يسامحك.
-
لا واللهِ .. بَس
انت شطحت قوي يا معلِّم.
-
ليه؟! .. هُمَّ
الإعلاميّين اللي ع الساحة أحسن مني .. ما فيهم اللي جاي من ورا الجاموسة وبيعكُش
فلوس قد كِده .. كتير عليَّ ابقى زيُّهم؟