صورة واحد حرامي (1)
الأربعاء:
تجهَّز الحاج "حرامي السلّاب" (اسمه
الحقيقي "حراجي السلّاب" ولكنه اشتهر بين الناس بلقب الحاج "حرامي"
بعد أن احترف مهنة السرقة وصار هجّاماً مُخضرماً وتم القبض عليه وسجنه أكثر من
مرّةٍ باعتباره مُسجَّلاً خطراً، وقد ادّعى التوْبة عند خروجه من السجن آخر مرّة وأطلق
لحيته وبنى زاويةً صغيرةً لصلاة أهل المنطقة وعمل بها إماماً واكتسب بقُدرة قادر
لقب "حاج" رغم أنه استمر في ممارسة عمله غير المشروع في الخفاء) لعمليّة
السطو التي سيقوم بها اليوم على فيللا الرجُل الملياردير "حُصرُم" الذي
يمتلك العشرات من جنائن الفاكهة، وقبل أن ينصرف من منزله انفرد بزوجته في حُجرة
نوْمهما وقال لها:
-
با قول لِك إيه يا
"تفيدة" .. خلّي بالِك من نفسِك وم العيال .. لو اتقبّض عليَّ خلّيكي
جامدة كده وما تِعمليش زي المرّة اللي فاتِت.
-
حاضِر يا خويا ..
ربّنا يسلِّم طريقك يا رب.
-
أنا سايب لِك ف دُرج
الكومودينو بتاعي كام ألف جنيه .. لو اتمسكت تِبقي تِصرفي منهم لغاية ما اطلع ..
ولو احتجتي فلوس تانية خُدي من صندوق الزكاة ف الزاوية قبل ما تسحبي من رصيدنا ف
دفتر التوْفير .. وما فيش داعي توكِّلي لي مُحامي .. ما لهاش لازمة المصاريف ع
الفاضي .. هُمَّ كام شهر وح تلاقيني ف البيت إن شاء الله.
-
ما تقلقش علينا انت
بَس .. فضّي دماغك من ناحيتنا وركِّز ف عمليّة النهار ده .. مراتك راجل وتعرف
تتصرَّف .. هيَّ أوِّل مرّة!
-
على الله التساهيل
.. أنا ح اخُد العربيّة القديمة معايا علشان اروح بيها الشُغل .. حاكم العربيّة دي
أوْسع وشنطتها كبيرة والمسروقات ح تِبقى كتيرة إن شاء الله.
-
إنت ح تنُط على مين
الليلة دي؟
-
على فيللا فاضية ف
"البيطاش" صاحبها مسافر مع عيلته وقاعدين ف الفلّاحين.
-
ده اهبل ده ولّا إيه
.. حد يسيب فيللا ف "العجمي بيطاش" ويروح الفلّاحين؟!
-
أصل عنده مزارع
فاكهة وعنب يرمح فيها الخيّال وكل سنة ف الوقت ده بياخُد عياله ويروح يراعي شُغله
قبل أوِّل الصيف ف بيع فاكهة الموسِم: تُفّاح ومانجه وعِنَب ومِشمِش وبَطيخ
وكنتالوب وتين وغيرُه .. بيقعُد هناك حوالي إسبوعين تلاتة لغاية ما يبيع أغلب
المحصول وتِنُّه راجع .. أنا متابعه بقى لي فترة وعارف كل حاجة عنه .. حَقَّة لو
لفقِت عمليّة النهار ده يا "تفيدة" ح تبقى خبطة كبيرة نُقعُد عليها سنة
بحالها.
-
ربّنا يوفَّقك بحق
جاه النبي .. خلّي بالك بَس وانت بتنُط من ع السور أو طالع المواسير .. إكمِنّك
كبرت وبقيت تقيل وما بقيتش زي الأوِّل.
-
عُمر الشقي بَقي ..
أنا واخِد معايا الواد "مساعِد" .. أهو منه يساعدني ف الأمور اللي عايزة
صِحّة ومنه يسترزق بدل قعدته يوماتي ع القهوة من غير شُغلة ولا مشغلة .. وبعدين إن
شاء الله ربّنا ح يكرمني عشان خاطر العيال اللي نايمين جوّه دول وباجري عليهم ..
مش ح اوصّيكي تاني يا "تفيدة" .. شوفي كُل طلباتهم وما تحرميهُمش من
كافّة شيء .. وما تِنسيش تجيبي للواد "كمبورة" تليفون التفّاحة اللي كان
نِفسه فيه .. الفلوس عندِك بزيادة.
-
اتِّكِل على الله
انت وما تِنعاش همّنا .. لا إله إلّا الله.
-
مُحمّد رسول الله ..
فوتِّك بعافية.
الخميس:
وقبل أن يعود الحاج "حُصرُم" إلى
منزله بـ"البيطاش" ويكتشف سرقته بالكامل كان واقفاً في أرضه وقد انتَهى
من عَد مَبلَغ العَرْبون الذي دَفَعَه له تاجر الوِكالة نَظيرَ بيْع مَحصوله من
العِنَب هذا العام، وقام ليُشرِف بنفسه – كصاحب الأرض والمال – على الأشخاص الذين
يُعَبِّأُون عَناقيد العِنَب في الأقفاص وكانت تعليماته الموَحَّدة لكُلٍّ منهم:
- حُطُّوا العَناقيد الخضرا أُم عِنَب
صُغيَّر ف الاقفاص من تحت .. والعَناقيد اللي حَبّات العِنَب فيها كِبيرة وصَفرا
خَلّوها على وِش القفص .. لاجل ما يبان العِنَب كُلّاتُه طايِب ومسَكَّر ..
خَلّيكوا ناصحين .. واللي ح اشوفُه بيطَلْسَأ ف الشُغل ح اسَوِّد عيشتُه.
وبعد أن انتهى العمل تم شَحْن الأقفاص في
عربة نقلٍ كبيرةٍ ركب فيها "حُصرُم" حتى وصل – مع عُمّاله – إلى وِكالة
"الحَضَرة" حيث سلَّم الشُحنة وتسلّم باقي ثمنها من تاجر الوِكالة وهو
يمِن عليه بأن العِنَب "نِمرة واحِد" و أنه لوْلا المعرفة القديمة
بينهما لكان الثَمَن أعلى من المُتَّفَق عليه، وعاد لقريته سعيداً بأنه باع
المحصول بأعلى ممّا يستحق، وأرجع ذلك لذكائه وفِطنته وحُسْن إدارته للأُمور.