خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد إعلامي (3) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق


كاريكاتير عن إنجازات الرئيس المتمثلة في ديون مصر المتراكمة التي أصبحت هرماً رابعاً أكبر من الأهرامات الثلاثة

صورة واحد إعلامي (3)

 

 

السبت:

ذهبت للاستوديو حاملاً معي زُجاجة بارفان من النوع الغالي هديّةً للمُخرج كعربون محبّة وصداقة مُدّعياً أنني من أشد المُعجبين بإخراجه لبرامج القناة التي أحرص على مُشاهدتها بانتظام، ولشَد ما كانت سعادته بالهديّة لدرجة أنه دعاني لأسهر معه ومع أصدقائه المُقرّبين على كافيه "شهود الزور" الذي اعتاد أن يسهر فيه كل ليْلةٍ بعد العمل، قضيْنا الليل بطوله نحكي ونتناقش ونتسامر حتى قُبيْل الفجر بساعة، وقبل أن ننصرف أصررتُ على دفع حساب جميع المشاريب والشيَش .. رُبع المُرتّب راح ف داهية .. مش مُهِم .. المُهِم إني اوْصل لغرضي.

الجمعة:

ذهبتُ لمقهى "شهود الزور" كعادتي الجديدة كل يوْم وسهرتُ مع صديقي "الهوا"، وتعرَّفت على بعض أصدقائه الذين ينتمون لحزب "وَكسة وَطن" الموالي للنظام الحاكم وأظهرتُ تأييدي الشديد للرئيس ولحكومته الرشيدة التي وصلت بالبلد إلى قِمّة المجد والسمو والنهضة (سامحني يا رب)، ولكني هاجمتهم بشِدّة لأن الذراع الإعلامي بالحزب عاجزٌ عن عرض إنجازات الرئيس على الشعب ومُتخاذلٌ عن الإشادة بقرارات الزعيم أمام الأُمّة ومُتقاعِسٌ عن تأييد سياسات القائد تجاه محكوميه، وانتقدتهم بقوْلي أنهم سيُسائَلون أمام الله والتاريخ لأنهم لا يُسانِدون حاكمنا الحبيب كما ينبغي ولا يُسبِّحون بفضله على المواطنين آناء الليْل وأطراف النهار، وتأجّج الحوار بين هجومي ودفاعهم حتى وصلنا لمُناقشة الحلول المُتاحة لاستدراك تلك المُعضلة فاقترحت عليهم أن يتم إنتاج برنامجٍ سياسيٍّ يوْميِّ لاستعراض جهود الرئيس ومُعاناته لوضع الوطن في مكانته الطبيعيّة بين الدوَل الكُبرى، وعندما ردَّ عليَّ أحد الحاضرين وقال لي أن القنوات التليفزيونيّة كلها تزخر بمثل هذه البرامج اليوْميّة التي تُعظِّم للرئيس وتمتدحه على طول الخط أفحمته قائلاً:

-       مش كفاية يا أخي .. يعني انت شايف إن العشرين تلاتين برنامج دول يقدروا يوْفوا بحق الريّس؟! .. حرام عليك واللهِ .. شوف برامج الإخوان والمُعارضة قد إيه .. يا جماعة إحنا لو قعدنا نتكلّم 24 ساعة ف اليوم لمُدّة عشر سنين مش ح نقدر نحصي جمايل الريّس ع البلد (اغفر لي يا كريم) .. أنا مُستعد أسيب شُغلي ومالي وحالي ومحتالي واتفرّغ تماماً لتقديم برنامج يوْمي في أي قناة يوضّح للناس إزّاي الريّس بيضحّي علشان يحكُمنا وما بينامش علشان يوفّر لنا اللُقمة اللي بيطلّعها من بُقّه ويدّيها لنا (اللهمَّ اعفُ عن أكاذيبي) .. ولمّا اقدِّم البرنامج ده مش ح احتاج فريق إعداد يحضَّر لي مواضيع ولا دياولو .. أنا مُمكِن اقعُد اتكلِّم ف حلاوة الريّس وجماله وأفضاله من هنا للصُبح .. دي أنجازاته بتتكلِّم لوحدها يا اخوانّا.

وهُنا صاح الأستاذ "مُباشِر الهوا":

-       واللهِ فِكرة يا "نفيق" بيه .. ما تيجي تِعمِل عندنا برنامج .. القناة عايزة تملا هوا علشان ح تفتح 24 ساعة يوْميّاً بدل ما بتفتح من الساعة 10 الصُبح وبتِقفِل الساعة 12 بالليل.

فأجبته وأنا أتصنّع التُقل (رغم أنني مسكت نفسي بالعافية من القيام من مقعدي والرقص فوق الترابيزة):

-       واللهِ علشان خاطرك يا "هوا" بيه وعلشان خاطِر الريّس أنا ح اقدِّم على أجازة من شُغلي وح اعسكر لكم ف القناة كُل يوم .. شوف عايزني من إمتى وانا جاهز.

ووسط تهنئة الموْجودين لي بالبرنامج الجديد وعدني "الهوا" بيه بالتوسُّط لي لدى مالِك القناة بعد عوْدته من الخارج لإبرام الاتفاق النهائي، ولكنه استدرك كلامه لي مُحذِّراً أيّاي من أن ميزانيّة القناة ما زالت صغيرة وأنهم لن يستطيعوا أن يدفعوا لي أكثر من مليون جنيه شهريّاً مع وعدٍ منه شخصيّاً بالزيادة عندما أُثبِت جدارتي ويحصُل برنامجي على مُشاهداتٍ عاليةٍ وإعلاناتٍ معقولة .. قلبي ح يقُف م الفرحة يا ناس.

الإثنيْن:

وقّعنا اليوم عقد برنامجي في القناة وصرفت مُقدَّم العربون (بصراحة جا ف وقته علشان اشتري بيه كام بدلة جديدة بدل البدلة المقرّحة المزيّتة القديمة اللي حيلتي)، واتفقنا كذلك على تسمية البرنامج: "الخط الأحمر" مع "نفيق الطبلاوي" (كان نِفسي اسمّيه "مطبّلاتي منقرّاتي" لكن "الهوا" اعترض حتى لا يكون الاسم واضح ومُباشِر ومفضوح)، كما اشترط عليَّ مالك القناة أن يُعِد البرنامج ابن خالة مرات أبو سعادته الذي يحمل الشهادة الإعداديّة ويدرس في "مدرسة مياه الشُرب والصرف الصِحّي" ويمتلك خبرة كبيرة في مجال الإعلام حيث أنه يُقدِّم فقرة "هل تعلم" اليوْميّة بالإذاعة المدرسيّة بانتظام.

السبت (بعد 38 عاماً):

أقامت لي الهيْئة العامّة للإعلام حفلاً تكريميّاً بمُناسبة إعلاني اعتزال العمل الإعلامي بسبب عدم استطاعتي التكلُّم أو إصدار أي صوْت إثر إصابتي بوَرَمٍ خبيثٍ في لسان المُزمار وهو مرضٌ نادر الحدوث لا يُصاب به سوى طيور الببغاء فقط.

الحمد لله .. كانت رحلةً طويلةً مُمتعةً حوّلتُ دَفّتي خلالها أكثر من مرّة وتلوّنتُ أثناءها بألوانٍ عديدة (فكنت أحياناً مع النظام العسكري وأحياناً مع النظام الديمقراطي وتارةً مع الإسلاميّين وتارةً مع الشيوعيّين ومرّةً مع الرأسماليّة ومرّةً مع الاشتراكيّة) ولكني قضيْتُها كُلّها في خِدمة كل رئيسٍ يحكُم البلد بغض النظر عن ميوله واتجاهاته وأدائه وهو على كُرسي الحُكم ممّا جعلني على رأس الإعلام طوال هذه المُدّة التي شهدت تولّي سِتّة رؤساء (مات خمسةٌ منهم) حُكم البلاد، وقد قدَّمتُ في تلك الفترة المُمتدّة برامجَ عديدةً بدأتُها ببرامج "الخط الأحمر" في عهد الرئيس الأوَل فيهم مروراً ببرامج: "الخط الفوشيا" – "الخط البمبه" – الخط الجانجاه" – "الخط الليلاه" وأنهيْتُها – قبل مرضي – في عهد الرئيس الحالي بـ"الخط الأسود".

google-playkhamsatmostaqltradent