الفصل السادس
الثلاثاء 6 / 10 /
2020
باقي خمسة أيّامٍ
على النهاية (1)
لم يكن هذا اليوْم
كغيْرهِ من الأيّام فقد شرع العالم في التغيّر للأفضل نحو نموذجٍ رائعٍ كبير يفوق
ما وصفه الأديب "توماس مور" عن المدينة الفاضلة "يوتوبيا"
الممثِّلة لفضائل جمهوريّة "أفلاطون" حيث تتحقّق مبادئ الخير والجمال والمثل
العليا؛ فبدأ الناس يعيشون في راحةٍ وسعادةٍ وهناء ضمن مجتمعاتٍ مثاليّةٍ حالمةٍ
بمستقبلٍ لن يتجاوز زمنه خمسة أيّامٍ فقط.
وبعد أن كان الناس
يتكالبون على المكاسب والمغانم والانتصارات على حساب غيرهم صاروا يزهدون فيها بل ويتخلّون
عنها عن طيب خاطر حيث العمر لا يتّسع للاستمتاع بها والتلذّذ بنعيمها، يا له من
عالم نموذجي يتمنّى المرء أن يحيا فيه للأبد ورغم أنّ كلمة "الأبد" هذه
أصبحت تشير بالكاد إلى خمسة أيّام فحسب إلّا أنّها لا بأس بها أبداً فمن منّا لا
يوافق على العيْش في الجنّة ولوْ لأيّامٍ مؤقّتة عسى الله أن يتقبّل منه توبته وصالح
أعماله في هذه الأيّام الخمسة فيعيش خالداً في الفردوْس الأعلى؟
فعلى الجانب السياسي
فقد زالت المثالب والعيوب السيّئة كالكذب والنفاق والغدر والأنانيّة والانتهازيّة
والطائفيّة والميكيافيلليّة وزادت المناقب والمزايا كالصدق والصراحة والأمانة والتضحية
والإيثار والسماحة والنُبْل، فأعلنت "الولايات المتّحدة الأمريكيّة" عن
بالغ أسفها وندمها حيال دعمها للأنظمة الأوتوقراطيّة الدكتاتوريّة الموالية لها في
العالم وأعلنت عن وقف دعمها لهذه الأنظمة ممّا ساعد على انهيارها واستبدالها
بأنظمةٍ أخرى ملؤها الديمقراطيّة والحريّة، وتوقّفت الحرب الباردة بين القوّتيْن
العظمتيْن "الولايات المتّحدة" و"جمهوريّة روسيا" وشرعتا في
التعاون بيْنهما وتحسين علاقتهما وتدمير ما عملا العقود الماضية على تخزينه من
أسلحة الدمار الشامل، ووقّعت أغلب الدول المتجاورة المتخاصمة إتفاقيات سلامٍ ومؤاخاة
كما حدث بيْن الكوريّتيْن وبيْن "الهند" و"باكستان" وبيْن
"الجزائر" و"المغرب" وبيْن "السودان" و"إثيوبيا"
وبيْن "مالي" و"نيجيريا"، وبذلك انقرضت الصراعات الثنائيّة والاضطرابات
الدوليّة واستردت الدول المغتصَبة الضعيفة أرضها وحقوقها من الدول المغتصِبة
الباطشة بمنتهى السهولة دون إراقة دماء، كما انتهت تماماً الصراعات الداخليّة بين
الأطراف المتنازِعة على الحكم داخل كل دولة فهدأت الأجواء وسادت المصالحات والموائمات
بينها بعد أن أحجم كل طرفٍ عن تدبير المؤامرات للطرف الآخر وامتنع عن نسج المكائد
لتحقيق مصالحه بل وآثر غيره عن نفسه في الإمساك بمقاليد أمور الحكم والسلطة.
وعلى الصعيد الحربي
فقد كفّت عجلة الحروب الدوليّة في أنحاء العالم والمذابح العِرقيّة في
"بورما" و"أنجولا" عن الدوران بعد أن هجر الجنود ميادين
المعارك وأجبروا الحكّام على التعفّف عن تحقيق أمجادٍ شخصيّة أو حتّى مكاسب وطنيّة
ستزول حتماً خلال أيّامٍ لن تتعدى أصابع اليد الواحدة، أمّا المنظمات الإرهابيّة كتنظيميْ
"القاعدة" و"داعش" الإسلاميّيْن وحركتيْ "كاهانا
خاي" و"كاخ" اليهوديّتيْن المتطرّفتيّن و"الجيش الأحمر
الياباني" وجبهة "نمور تحرير التاميل" وحزب "العمل
الكردستاني" ومنظّمة "إيتا" الإنفصاليّة لتحرير إقليم "الباسك
بإسبانيا" وغيرها وأطراف الحروب الأهليّة في "سوريا" و"الصومال"
و"أوغندا" و"ليبيريا" و"مالي" و"الكونغو"
وخلافها وعصابات العنف المسلّح مثل "المافيا" العالميّة و"مارا
سالفاتروشا" الأمريكيّة و"مونجيكي" الكينيّة و"السجناء
السابقين" البرازيليّة و"الخيزران" التايوانيّة والقراصنة
الصوماليّين ومثيلاتها فقد أمسكت عن تأدية عمليّاتها ضد المدنيّين العُزُل وأقلعت
عن المضي قُدُماً في تنفيذ مخطّطاتها الإرهابيّة، فساد السلام وعمّت الطمأنينة والأمان
أرجاء المعمورة بعد وقف إطلاق النار وحل النزاعات والخلافات بالطرق السلميّة.
ومن الناحية
الاقتصاديّة فقد تنازلت الدول الكبرى عن ديونها للدول الفقيرة بل وأجزلت لها في
المنح والمساعدات القيّمة التي لا ترد، وألغت البنوك كذلك مديونيّاتها على عملائها
المقترضين، في حين انقطعت عمليات حرق المحاصيل وإلقاء القمح في البحر والإتلاف
المتعَمَّد للسلع الضروريّة حفاظاً على الأسعار العالية لهذه البضائع ففاضت كميّاتها
بعد إطلاق سراح المخزون منها لاستهلاكه قبل نهاية العالم القريبة وقلّت أسعارها
بعد أن تخلّى التجّار عن طمعهم وحبّهم للمال الذي أصبح لا جدوى من كَنزه، فأسبغ
الرخاء بأنعمه على الشعوب ونشرت الرفاهية جناحيْها على الجميع.
أمّا على النحو
الديني فقد عمرت المعابد والكنائس والمساجد بالحشود المكتظّة بالعابدين التائبين
المستغفرين الطامعين في عفو الله وكرمه، وقاربت على الذوبان الفروق الطائفيّة بيْن
اليهود والمسيحيّين والمسلمين والاختلافات المذهبيّة والمليّة بيّن اليهود
المحافظين والإصلاحيّين وبيْن المسيحيّين البروتستانت والكاثوليك وبيْن المسلمين
السنّة والشيعة، فانصهر الجميع في بوْتقةٍ واحدة فلا هجومٌ ولا تلاسنٌ ولا تنابذٌ
ولا خصامٌ ولا عداوةٌ ولا كُرْه بل تصالحٌ وتواءمٌ وتهادنٌ وتسالمٌ ومحبّة.