العِرْيانُ والمَتْبُول
وَصَلَ السَيِّدُ مُحافِظُ
"كَفْرِ الشَيْخِ" إلى كَفْرِ "الـمَتْبُولِ" قادِماً مِنْ عِزْبَةِ
"العِرْيانِ" في إطارِ جَوَلاتِهِ التَفَقٌّديَّةِ لأَنْحاءِ مَراكِزِ وقُرَى
المُحافَظَةِ مِنْ أَجْلِ الوُقُوفِ مَيْدانيَّاً عَلَى أَحْوالِ المُواطِنينَ في
المُحافَظَة، وبَعْدَ تَرْحيبِ السادَةِ المَسْئُولينَ بِهِ بَدَأَ سيادَتُهُ
الزيارَةَ المُفاجِئَةَ - التي تَحَدَّدَ مَوْعِدُها قَبْلَ شَهْرٍ - بافْتِتاحِ مِحَطَّةِ
الصَرْفِ الصِحِّي الجَديدَةِ بالكَفْرِ وسَأَلَ مُديرَها وهوَ يَقُصُّ شَريطَ الافْتِتاحِ
وَسْطَ تَصْفيقِ السادَةِ الحُضور :
- ها.. كُلّه تَمام؟
- تمام بنَفَسَك مَعانا
يا فَنْدِم.. بَسْ فيه مُشْكِلَة رُفَيَّعَة قَدْ كِدَهو.. إحْنا هِنا فِ المَحَطَّة
حَ نجَمَّع المَجاري الصَلْبَة والسائِلَة مِ الكَفْر وكُل المَناطِق اللي حَواليه..
وحَ نِعْمِل مُعالجَة بَسيطَة للمَجاري دي.. بَسْ المُشْكِلَة هيَّ حَ نوَدِّي فين
المَجاري اللي حَ نجَمَّعْها؟
- وهيَّ دي بَرْضُه مُشْكِلَة
يا باشْمُهَنْدِس.. إيش حال بَقَى إنْ مُحافْظِتْنا مَوْقِعْها فَريد وبتطُل عَلَى
أكْتَر مِنْ جِهَة مُمْكِن نِصْرِف فيها المَجاري.. يا أَخي مُمْكِن تِمِد مَواسير
الصَرْف للتِرَع القُرِيِّبَة مِنَّنا ما هِي كُل الناس بتِرْمي فيها فَضَلاتْها وبتِرْمي
فيها الحِمير والحَيَوانات المَيِّتَة.. ومُمْكِن تمِد المَواسير أَبْعَد وتِصْرِف
فِ النيل نَفْسُه عَنْد "دِسوق" ما هِي كُل المَصانِع القُرَيِّبَة بتِرْمي
مُخَلّفاتْها هناك.. ومُمْكِن تِمِدَّها أَبْعَد وابْعَد وتِرْميها فِ بُحيرِة
"البُرُلّس".. أَوْ أَبْعَد وابْعَد وابْعَد لِغايِة البَحْر عَنْد
"بَلْطيم".. ولَوْ عايِز بَقَى توَفَّر تَكَاليف الحَفْر والمَواسير اصْرِف
فِ الأرْض الزِراعيَّة ويبْقَى تَسْميد طَبيعي.. شَغَّل مُخَّك يا باشْمُهَنْدِس.
- واللهِ يا باشا فِكْرَة
فَظيعَة.. رَبِّنَا يخَلِّيك للبَلَد.
وعِنْدَما غادَرَ
السَيِّدُ المحافِظُ مَوْقِعَ المحَطَّةِ اسْتَرْعَى انْتِباهُهُ انْتِشارَ أكْوامِ
القُمامَةِ في كُلِّ مَكانٍ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ بِقُوَّةٍ لِكي لايَشْتَمَّ الرائِحَةَ
النَتِنَةَ التي تَزْكُمُ الأنوفَ واسْتَدْعَى رَئيسَ مَجْلِسِ القَرْيَةِ وعَنَّفَه
:
- إنْتَ بتِسْتَعْبَط؟..
بِشْ عارِف بِن شَهْر إنّي جاي فِ زِيارَة بُفاجْئَة؟.. بِشْ شابِب الريحَة البِعَفِّنَة
دي؟.. دَه انا سادِد بِناخيري وبَرْضُه شابِبْها.. هيَّ كِلْبَة واحْدَة.. الزِبالَة
دي تِتْلَّب النَهارْ دَه وتِرْبُوها فِ أَيْ بَكان بِعيد عَنْ البَحَطَّة.. عَنْدُكوا
الخَرابات والبَقالِب كِتير.. وبَعْدين تِبْقوا تِحْرَقوها زَيْ با بتِحْرَقوا قَشْ
الرُز.. جَتْكوا القَرَف.. بَهايِب.
واسْتَقَلَّ سِيادَتُهُ
السَيَّارَةَ المَرْسيدِسَ السَوْداءَ وفَتَحَ نافِذَتَها ليَتَمَعَّنَ في أَنْحاءِ
الكَفْرِ وهوَ يَتَّجِهُ لمَبْنَى مَجْلِسِ القَرْيَةِ حَيْثُ يَعْقِدُ اجْتِماعاً
مَعَ قياداتِ وكِبارِ عائِلاتِ الكَفْر، وانْتابَ سِيادَتَهُ سُعالٌ شَديدٌ جَرَّاءَ
عادِمِ سَيَّارَةِ الحِراسَةِ التي تَسيرُ أَمامَ سَيَّارَتِهِ لتَأْمينِها فَصاحَ
في السائِقِ قائِلاً :
- كُحْ كُحْ.. هُوَّ
موتور عَرَبيِّة الحِراسَة مفَوِّت ولّا إيه؟.. كُحْ كُحْ.. هُوَّ سَوَّاقْها الحُمار
دَه مِشْ حاسِس؟.. كُحْ كُحْ كُحْ.. كَلْكِسْ لُه عَلَشَان ياخُد بالُه ويرْجَع وَرا
أَحْسَن حَ يعْمينا.. هُوَّ الكَلاكْس بِتاعَك مالُه واطي كِدَه؟.. إبْقَى افْتَكَر
تِرَكِّب كَلاكس عالي مِنْ بِتوع عَرَبيّات النَقْل.. كُحْ كُحْ.. زَمَّر لُه.. ولا
هُوَّ هِنا المَسْطول.. طَبْ اجْري بسُرْعَة اسْبَقُه ابْن الكَلْب دَه.. كُحْحْ.
وفي هَذِهِ الأَثْناءِ
كانَ المُحافِظُ يُحاوِرُ مُرافِقيهِ في السَيَّارَةِ وهوَ يُقَلِّبُ ناظِرَيْه
فيما حَوْلِه :
- المَنْطِقَة هِنا
اتْغَيَّرِت تَماماً.. أَنا كُنْت هِنا يا دوب مِنْ سَبَع سِنين بَعْد ما مَسَكْت
مُحافِظ بتَلات سِنين.. ما كانْش فيه العَمار دَه كُلّه.. ما شاءَ الله بَقَى فيه
عِمارات ومَباني كِتيرة ملَزَّقَة جَنْب بَعْض.. إشي أَرْبَع أَدوار وإشي سَبَعَة..
إشي بالطوب الاحْمَر وإشي بالطوب الأَسْمَنْتِي.. اللي ببَلَكُونات واللي مِنْ غير
حَتَّى شَبابيك.. وأَلْوانْها زاهْيَة جِدَّاً.. شوفوا العِمارَة اللي مَدْهونَة
فوشيا دي والعِمارَة الكُحْلي اللي جَنْبَها ولّا العِمارَة دي اللي لونْها مِشْ بايِن
لُه إسْوِد ولّا بُنّي ولّا خَراوي.. رَوْعَة.
- واللهِ يا فَنْدِم
المَباني الجَميلَة دي بَقِت مُنْتَشِرَة فِ كُل "كَفْر الشيخ".. دي العَمارات
اللي عَ النيل اللي فِ "مطوبَس" و"فُوَّه" و"دِسوق"
بَقوا فَشَر العِمارات اللي عَ النيل فِ "القاهِرَة".. دَه اللي ماشي عَ
الكورْنيش ما بَقَاش يشــوف النيل مِنْ كُتْر العِمارات البَديعَة دي.
- البَرَكَة فِ مَعاليك
يا باشا.. النَهْضَة دي كُلَّها تَمِّت عَلَى إيد جَنابَك.. شوف سيادْتَك كِميِّة
المَصانِع ومَداخِنْها قَدْ إيه.. نِمْسِك الخَشَب.. دي السَما مِشْ باينَة مِنْ كُتْر
دُخَّان المَصانِع.. فِعْلاً نَهْضَة صِناعيَّة وانْتاجيَّة مُريعَة.
- ولِسَّه يا ولاد لَمَّا
الخِطَّة الخَمْسيَّة التالْتَة تِتِم حَ يبْقَى المَنْظَر مُخْتَلِف تَماماً.. دَه
انا لَوْ فَضَلْت مُحافِظ ساعِتْها ناوي اشيل أَيْ نافورَة أَوْ تِمْثال فِ أَيْ
ميدان واحَوِّلْهُم لأكْشاك ومَنافِذ بيع للدَواجِن المَدْبوحَة واللَحْمَة البَلَدي
والعيش عَلَشَان الناس تاكُل وتهَيَّص وتِدْعِي لي.. وكَمان الحَدايِق العامَّة حَ
اقْلِبْها اسْواق لبيَّاعين الخُضار والفاكْهَة والمَواشِي.. حَ يبْقَى فيه رَواج
تُجاري شَنيع والإعْلانات التُجارِيَّة حَ تِمْلا واجْهات المَباني والشَوارِع.
- ويا ريت يا باشا نِسْتَغِل
باقي الشَوارِع والرُصْفان ونخَلِّي بقية القَهاوِي تِفْرِش فيها.. دول الناس حَ يقعُدوا
يشَيِّشوا ويسْمَعوا أَغاني بصوت عالي وينْبِسْطوا لحَد نُصْ الليل.
ووَصَلَ المَوْكِبُ
مَبْنَى مَجْلِسِ القَرْيَةِ ونَزَلَ السادَةُ المَسْئُولونَ عَنْ سَيَّاراتِهِم وتَوَجَّهوا
للقاعَةِ الكُبْرَى التي يَجْلِسُ فيها المَدْعوونَ الكِبارُ الذينَ كانوا يَنْتَظِرونَ
مُنْذُ ساعاتٍ مَقْدَمِ المُحافِظِ الجَليل، وكانوا أَثْناءَ ذَلِكَ يَتَعازَمونَ
بالسَجائِرِ طوال الوَقْتِ وما إنْ تَصِلَ سيجارَةُ أَيٍ مِنْهُم إلى نِهايَتِها
حَتَّى يُشْعِلَ لَهُ جارُهُ واحِدَةً أُخْرَى لدَرَجَةٍ جَعَلَتْ القاعَةَ تَبْدو
غارِقَةً في ضَبابٍ كَثيفٍ يَلِفُّها.
وقَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ
المُحافِظُ إلى القاعَةِ أَخْبَرَهُ سِكِرْتيرُهُ بأَنَّ شَخْصيَّةً كَبيرةً في
الدَوْلَةِ تَطْلُبُهُ عَلَى الهاتِفِ المَحْمول؛ فَتَناوَلَ مِنْهُ الهاتِفَ وتَنَحَّى
جانِباً نَحْوَ النافِذَةِ وقال :
- آلو.. مين؟.. عَلِّي صوتَك شويَّة.. مِشْ سامْعَك.. بِتْقول مين؟.. أَهْلاً يا فَخامْتَك.. لا مُؤاخْذَة ما كُنْتِش سامِع سيادْتَك كوَيِّس.. أَصْل فيه هِنا كام وَرْشِة نِجارَة عَلَى كام وَرْشِة حِدادَة جَنْب المَكان اللي باتْكَلِّم مِنُّه.. لأَ انا كِدَه بَقيت سامْعَك كوَيِّس.. لأْ ما فيش حَدْ جَنْبي انا بِعِدْت خالِص أَهُه.. إتْفَضَّل أُأْمُرْني فَخامْتَك.. أَرْض فاضْيَة هِنا فِ المُحافْظَة؟.. آه فيه كِتير بَسْ عَلَشَان إيه؟.. والنِفايات النَوَوِيَّة دي جايَّة منين المَرَّة دي؟.. طَبَعَاً ونِدْفِن ابوها كَمان.. المَدْفَنَة جاهْزَة والحانوتى مَوْجود بَسْ يشَخْشَخوا جيبهُم جامِد بَقَى المَرَّة دي.. لا لا لا.. المَبْلَغ دَه ما ينْفَعْش.. دي المَرَّة اللي فاتِت عَدِّيتْها جَمايِل عَلَشَان خاطِر فَخَامْتَك.. بَسْ مِشْ كُل مَرَّة بَقَى.. يبْقَى نِقْسِم البَلَد نُصِّين.. ماشي.. هُوَّ انا اقْدَر بَرْضُه.. دَه كَلامَك يمْشِي عَلَى رَقَبْتي.. حاضِر.. طَيِّب.. بَسْ بَلاش تِبْعَت المَبْلَغ مَعَ الراجِل الواطي دَه بالذات.. دَه حَ يفْضَحْنا.. أَصْلُه بيئَة.