مصر على كف عفريت(1)
إهداء
إلى رفيقة العمر.
عن الكتاب
بدأت مصر بحفظ الموتى وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسؤول يتولّى منصبه يُقسِم على السهر على راحة الشعب دون أن يحدّد أيْن سيسهر وللساعة كام، ففي مصر لا يمشي الحاكم بأمر الدستور لكنه يمشي بأمر الدكتور، ولم يعد أحد في مصر نستحق أن نحمله على أكتافنا سوى أنبوبة البوتاجاز.
فهل مصر في يدٍ
أمينة أم في إصبع أمريكا أم على كف عفريت؟ .. هذا الكتاب يحاول الإجابة.
مقدمة
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كتبتها في الصحافة المصريّة في محاولة لبحث حالة وطن كان يملك غطاءً ذهبيّاً فأصبح بدون غطاء بلّاعة، لماذا؟ وكيف؟ ومع ذلك ما زلنا نحبّه.
كُلّنا لها
على فكرة أنا حضرت "مصر" الله
يرحمها و أوعى لها كويس و عاشرتها فترة قبل ما تموت، ولما طلعوا بيها فاكر إن الريس
كان في مقدمة المشيعين، و في الجنازة بعض المغرضين قالوا: يقتل القتيل ويمشي في
جنازته؛ يومها أبويا "عويس" زغدني في كتفي و قال لي اسكت يا غبي.. قلت له
مش أنا يا أبا اللي قولت كدا، قال لي: ما أنا عارف یا غبي، أنا بضربك علشان الأمن
اللي حوالينا يعرف إن أنا مش موافق على الكلام ده .
و فاكر "النعش" كان بيجري تقريبا
كان عايز يخلص من اللي كان فيه، و ناس قالت و النبي ماتت و ارتاحت، دي مشافتش يوم
تحكي عنه، فأبويا عويس قال لهم صلوا على حضرة النبي و اسكتوا، أحسن النعش طالع
مطلع، فرد واحد و قال لأ يا حاج دة مش مطلع اسم الله عليك دي المرحلة التاريخية
اللي قبل المدافن، و واحد سأل الدكتور (همه شرحوا الجثة؟) فالدكتور قال له (أيوة
شرحوها و هي حية) و فاكر أم حنفي (كان عندها سبع عيال محدش فيهم اسمه حنفي) كانت
بتعيط و تصوت و تقول: ماتت بحسرتها لما باعوا حاجتها، و تصوت، فأبويا عويس مسك
إيديها وبص في صوابعها على الحبر الفسفوري و قال لها: "انتي مش صوّتي قبل کدا،
خلاص متصوتيش تاني" و الجماعة في أول الصف كانوا بيقولوا لبعضهم: (و بعدين
بقى دي سابع بلد تموت في إيدينا) فواحد سمعهم و قال لهم: ربنا يعوض عليكم تقريباً اتسربت لها ميّة من الملاحة، ما هو من ساعة ما مات "الدقشوم" و
"الدفاس" ماحدش بيعرف يفيش الهوامش و منها هامش الحرية.. و صرخ واحد
بصوت عال (دنیا.. دنیا) فأبويا عويس قال له: (ما تتعبش نفسك مش هتسمعك) و لما
الناس شافت أبويا عويس بيفهم كل حاجة سألوه (صحيح الكفن مالوش جیوب؟!) فأبويا عويس قال
لهم: دي كانت موضة قديمة و بطلت خلاص الكفن دلوقتي بيعملوا له أربعة جيوب كبار من
قدام أو ستة، و فيه ناس مقتدرة تعمله إتناشر حسب إمكانيات الميت. و بعد ما مشينا
مسافة طويلة في الشمس وصلنا عند المدافن و الجماعة اللي في أول الصف قالوا
للمشيعين: (خلاص ارجعوا و متشکرین قوي يا جماعة و سعيكم مشكور) قلنا لهم أبدا لازم
نكمل السعي و نحضر الدفنة أحسن ترجع تاني.. فالجماعة بتوع أول صف قالوا لنا:
(مفيش دفنة و لا حاجة، إحنا هنبيع الجثة لطلبة كلية الطب).
البقاء لله
توفيت إلى رحمة الله تعالى الدولة المدنية
الشهيرة بالجمهورية، المولودة في عام 1953.
و المذكورة عمدة بلدان الشرق الأوسط و قريبة
و نسيبة العالم العربي، و خالة و عمة العالم الإسلامي، و شقيقة المرحومة الجامعة
العربية، و المرحومة منظمة عدم الانحياز .. و سوف تشيع الجنازة من مقر الحزب
الوطني بكورنيش النيل، و قد توفيت الفقيدة إثر حادث أليم عقب إنشاء اللجنة العليا
للترشيح. و إنا لله و إنا إليه راجعون. فجأة تم إلغاء فكرة الاستخلاف المباشر كما
حدث من أبي بكر لعمر، و إعمال نظام الهيئة العليا للترشيح كما فعل عمر الذي كان
أكثر تقدمية و استنارة، لأنه اشترط ألا يتم اختيار واحد من أعضاء هذه الهيئة و حدد
لهم ستة أسماء لتختار منهم و رفض أن يكون ابنه منهم. و لمن لا يقرأ التاريخ، فإن
لجنة ابن مسعود اختارت "عثمان" لتبدأ أحداث الفتنة الكبرى، بعد أن قتله
المصريون عندما جاعوا. و الحل؛ أن نفعل كما فعل الأوائل فلا نشارك في أحداث الفتنة
الكبرى بأن نهاجر إلى "الكوفة"، لكن الكوفة الآن محتلة، أو نغلق علينا
دارنا، لكن الشقة حر و كتمة. إذن ليس أمامنا سوى أن نهنئ الورثة
الشرعيين، و أن نتعلم السباحة حتى نعوم من هنا لإيطاليا.
مغامرات عبد السميع في الشورى
عبد السميع أفندي رجل محترم على المعاش، أراد
المشاركة في انتخابات مجلس الشورى فتوجه إلى لجنته الإنتخابية في الساعة الثامنة
من صباح الاثنين؛ فأخبروه أن لجنته انتقلت إلى مدرسة البنات، و هناك قابل رئيس
اللجنة و قدم له نفسه على أنه عبد السميع أفندي؛ فأخبره رئيس اللجنة أنه يكذب لأنه
يعرف عبد السميع أفندي من أيام المدرسة، و قال له أن عبد السميع أفندي قصيّر و أقرع
و له كرش و يلبس نظارة. عاد عبد السميع أفندي إلى منزله حيث حلق شعر رأسه و ارتدي
نظارة و أكمل الهيئة المطلوبة، و عاد إلى مدرسة البنات فأخبروه أن اللجنة أخدها
الونش؛ فتوجه عبد السميع أفندي إلى المرور و وجد في الساحة أمام إدارة المرور
العديد من اللجان منزوعة النمر و يبحث عنها أصحابها، فتوجه عبد السميع أفندي إلى
رئيس اللجنة الإنتخابية العليا المستقلة ذات السيادة التي تشرف على الانتخابات؛
فرحبت به اللجنة و التقطت له عدة صور للذكرى الخالدة، ثم حددوا له لجنة جديدة في
محافظة مجاورة. أراد عبد السميع أفندي أن يسافر بالقطار، لكن رئيس اللجنة المستقلة
نصحه أن يسافر ماشياً على رجليْه حتى يزيد ثوابه، و طلب منه أن يعفّر قدميْه بالحبر
الفسفوري في سبيل الوطن.
قبيل الغروب كان عبد السميع أفندي أمام
اللجنة؛ حيث فتّشه الحرّاس على الباب و رفضوا دخوله، حاول أن يدخل من نافذة الدور
الأرضي فضربه العسكري بالسونکی، فاتجه إلى مواسير البنية الأساسية التي تكلفت
مليارات، و عرف فائدة البنية الأساسية، و بدأ في الصعود و دخل من نافذة الدور
الثالث فوجد رجليْن يسوِّدان البطاقات و يضعونها في ثقب الصندوق فأراد أن يساعدهما
فرفضا بحجة أنه ليس من اللجنة. في هذه اللحظة دخل رئيس اللجنة الفرعية، و هو تبّاع
في شركة النقل، فحمل الصندوق على كتفه إلى لجنة الفرز، أما عبد السميع فقد عاد
خائباً، لكنه اشترى زجاجة حبر فسفوري غمس فيها أصابعه حفاظاً على منظره أمام أولاده.
الخبير عبد الخبير
امتلأت بلدنا بالخبراء من كل نوع و لون، و كلما زاد عددهم تدهورت أحوالنا، و لأن الخبير بالخبير يذكر، فأنا دائما أتذكر بالخير ذلك الخبير العظيم الذي ظهر على شاشة التليفزيون في حرب العراق و نصح قوات التحالف بدخول بغداد من ناحية بتاع العصير. و أنا لا يوجد بيني و بين الخبراء عمار، و ربما السبب هو خالي "عبد الخبير" الذي كان يفتي دون أن يعلم، و يجيب دون أن يُسأل، و يفسّر لنا التطوّر البيولوجي و الجيولوجي و المورفولوجي، ثم مَنَّ الله عليه بدبلوم التجارة بعد ذلك بسبع سنوات، و رغم وفاة خالي "عبد الخبير" متأثرة بأغنية بحبك يا حمار، معتقد أنه المعني بها، فإن الكثير من أبنائه و أحفاده الآن يغطون شاشة التليفزيون لمنع الأتربة، صحيح أنهم ليسوا بقوة خالي "عبد الخبير" لكن الموجود يسد، فمن الممكن للتليفزيون أن يستدعي محامي لشرح مرض البهاق على أساس أنه الوحيد الذي وجدته المذيعة صاحي، أو طبيب لشرح القواعد الجنائية على أساس أنه أقرب للتليفزيون، و هو ما جعل مهندس زراعية يتسيّد الوعّاظ.
الأسبوع الماضي أطلقت إسرائيل القمر الصناعي (أفق ۷) فعلق الخبير التليفزيوني قائلا و إيه يعني؟ في الفضاء أربعة آلاف قمر صناعي و قلل من شأنه و كأنه حتة حديدة سقطت من فوق السطوح. و الحقيقة التي ذكرها لنا خالي "عبد الخبير" تختلف عما ذكره حفيده التليفزيوني، فالأربعة آلاف قمر يُستخدمون للإرسال و البث و رصد المناخ و قیاسات أخرى، لكن هذا القمر يفوقهم تكنولوجيّاً و يُستخدم للأغرض العسكرية و يستطيع رصد و تصویر مسطرة يحملها تلميذ، ولا توجد دولة أخرى بها هذا النوع من التكنولوجيا المتطورة إلا أمريكا. و خبير آخر يعمل خبيراً في محمد نجيب، وهي أول مرة أعرف فيها أن شخصا يعمل خبيراً في شخصٍ آخر، راح يؤكد أن مكتب محمد نجيب لم يكن له باب جانبي. ساعة كاملة و الرجل يتحدث عن عدم وجود باب، و المذيع وعد بجزء ثان لاستكمال حديث الباب و أنا بدون هزار- عندي باب زيادة فوق السطوح مستعد أن أركبه بنفسي في مكتب محمد نجيب و بمفصلات جديدة، حتى ننسى هذا الموضوع و نتفرغ لموضوع آخر أهم .. و هو شباك محمد نجيب.
الطيب و الشرس و القبيح
أعتقد أن "موریس لبلان" هو مؤلف و
مهندس الحياة الإقتصادية في مصر، و "موریس لبلان" لمن لا يعرفه - هو
مبتكر شخصية "آرسين لوبين" و الذي أطلق عليه وصف "اللص
الظريف"؛ و هي تركيبة بلاغية تشبه "الحزب الإسلامي الديمقراطي"؛ إذ
كيف يكون اللص ظريفاً و الحزب إسلامياً ديمقراطيّاً، و الحقيقة أن عندنا لصوصاً لكن
ظرفاء، لكن أشرف السعد أكد هذا الأسبوع أن اللصوص تبعنا ليسوا هم فقط الظرفاء بل
المسئولون أيضا.
يقول أن أحد المسئولين استدعاه قبل هروبه و
طلب منه بيع شركة الثلاجات زانوسي التي يملكها بثلث الثمن، و لما رفض أرسله إلى
سجن خاص مكث فيه ثلاثة أيام عاد بعدها ليرجو المسئول و يلح عليه أن يبيع الشركة
بربع أو خمس الثمن، و هي حيلة لم تخطر على بال "موريس لبلان" ولا
"آرسين لوبين"، أن يعد سجنا خاصا يرسل إيه أصحاب الصفقات الرافضين،
يعودون منه بعد ثلاثة أيام فقط موافقين من هول ما شاهدوه هناك. يقول أشرف السعد:
إن مسئولا آخر مهاودا و طيّباً قدّر تكلفة السرير الواحد في المستشفى الذي بناه بما
يقارب ربع مليون جنيه، و هو كما ترى ليس سرير الملك توت عنخ آمون، المهم أننا
شهدنا مسئولا شرسا و مسئولا طيبا، و بقي أن نشاهد مع السعد المسئول القبيح ليكتمل
فيلم "الطيب و الشرس و القبيح" و قد حدث، فأحد المسئولين انهال على
السعد بالشتائم التي طالته هو و السيدة والدته، و انفجر فيه غضبا و إهانة و هو
واقف أمام مكتبه ذليل، و عندما همس السعد له بموافقته على صفقة لصالح المسئول،
أجلسه و طلب له قهوة و تغيّرت لغة الكلام، و خاطبت عيناي في لغة الهوى عينيْك.
على السادة المعجبين ب "موریس
لبلان" أن يعلموا أن الحياة الأدبية و الإقتصادية تتطور، و أن قصص
"آرسين لوبين" لم تعد تصلح إلا للأطفال بعد أفلام الرعب التي نشاهدها
الآن. فيا "موريس لبلان"، الكاتب الفرنسي العظيم، و یا "آرسين
لوبين"، اللص الباريسي الخطير، بجواركم في باريس مَن هو أعظم و تستطيعون
التعلم منه؛ رامي لكح.
المسيح يصلب من جديد
للروائي اليوناني العالمي
"كازنتزاكيس"، الحاصل على نوبل، رواية شهيرة بعنوان "المسيح صلب من
جديد"، و أحداث الرواية متجددة مع كل بريء يقتل بينما يكافأ القاتل. و ما حدث
في مناقشة تقرير العبّارة في مجلس الشعب يؤكد أن " المصري يغرق من جديد"
و أن الدكتور فتحي سرور يستحق نوبل عن هذه الرواية، بل إن "مانولي"، بطل
رواية "كازنتزاكيس" هو بريءٌ واحدٌ فقط قد مات، لذلك يستحق الدكتور و معه نواب
الحزب الوطني 1034 نوبل، بعدد الأبرياء الذين غرقوا، ثم إن الحبكة الدرامية في
رواية " المصري يغرق من جديد" يعجز "كازنتزاكيس" عنها.
فالشرير في الرواية اليونانية لم يجد أحدا يوصله إلى مطار أو يحميه أو يغطيه
بالحصانة ليمنع عنه يد العدالة و عين الحسود في الحزب الوطني الذي عجز عن توفير السمك
للمواطنين، نجح في توفير المواطنين للسمك، و تنافَس نوابه في الدفاع عن المجرم
الحقيقي، و منعهم الخجل أن يطالبوا بمنحه وسام "بطل البحر الأحمر". و
إذا كان ممدوح إسماعيل قد حول البحر الأحمر إلى بحيرة خاصة به، فإن البعض حول
البرلمان إلى محمية طبيعية للفساد، ولم يعد يعنيه الشَعب. بل الشُعَب المرجانية و
الحيتان.
ثروت الناشف
في بداية السبعينيات عيّنوني مع بعض الزملاء
كحرس شرف في قصر عابدين، للرئيس السادات و الأسد و القذافي، و بعد انتهاء مراسم
الاستقبال قادنا رئيس حرس الشرف إلى بوابة القصر، و هناك قال لنا "مارش"
ففهمنا ضمنا أن ننصرف إلى بيوتنا. ولما كان زميلنا "ثروت الناشف" جامدا
لا يعرف المرونة متمسكا بالحرفية؛ فإنه رفض الإنصراف و ظل ماشية في خطوة الأوزة في
الشوارع و نحن بجانبه نحاول إقناعه بالانصراف، و يصر هو أن السيد اللواء لم يقل
" انصراف" فتركناه و توجهنا إلى منازلنا، و بعد هذا اليوم انقطعت أخباره
عنا، يقول البعض أنه ظل ماشية في خطوة الأوزة حتى وصل إلى الشلالات و الجنادل في
جنوب الوادي، و يزعم آخرون أنه اتجه غربا إلى السلوم و اخترق الحدود الليبية،
بينما يؤكد أحد الزملاء أن عربةً دهسته أمام قصر عابدين فور أن تركناه. المهم أن
ثروت الناشف اختفى لكنه عاود الظهور الآن في شكل أحزاب جامدة لا تعرف التغيير و
تيارات لا تؤمن بالتطور، و قطاعات عديدة تعادي العلم و منطق التاريخ و تحتقر العقل
و التفكير. و إذا كان "ثروت الناشف" قد دهسته عربة الطريق، فإن كل هؤلاء
سوف تدهسهم عربة التاريخ.