خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد مطرب مهرجانات (5) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق



صورة واحد مطرب مهرجانات (5)

 

 

فأعاد "ماهر نشان" تقديمه للبرنامج مرةً أُخري وقال وهو يبتسم ابتسامةً خبيثة:

-       أهلاً بكم فانزاتي الأعزّاء في برنامجكم المُثير "سهرة مع نجم" .. يسعدنا أن يكون معنا اليوم "نظمي بكر" في ضيافة نجمنا الليلة دي الفنّان الحقيقي الموْهوب صاحب الجمهور العريض والتاريخ الطويل والأغاني اللي كسَّرِت الدنيا وحقّقِت أعلى ريتش في تاريخ الغناء العربي: "سيخو سباخ".

وعاد "نظمي بكر" واعترض على تقديمه على هذه الصورة الفقيرة وعدم تفخيمه كما تمَّ تفخيمي وإعطائي أكثر ممّا أستحق .. فعلاً راجل جلياط ومنفسن وكارِه للناس كلّها.

وهنا جاء صوْت مُخرِج البرنامج من حجرة الكونترول قائلاً:

-       خلاص يا أُستاذ "نظمي" .. أنا ح الغي التقديمة دي وابقى اقعُد معاك نشوف التقديمة اللي تريّحك ونعيدها علشان خاطرك .. بَس بعد ما نخلّص تصوير الحلقة .. أدخُل في الحلقة يا "ماهر" علشان الوقت ما يروحش مننا .. عايزين نخلّص الحلقة دي قبل الساعة 12 علشان نشرة الأخبار ح تتصوَّر في الاستوديو ده ع الهوا وما ينفعش نأجِّلها.

واستأنف المُذيع موجِّهاً كلامه للأُستاذ "نظمي بكر":

-       في البداية عايزين نعرف من حضرتك إيه رأيك في أغاني المهرجانات عموماً.

فتمدّى الرجل في مقعده واعتدل في جلسته وقال:

-       هيَّ المهرجانات دي أغاني أساساً؟! .. دول بوّظوا الغُنا.

فقاطعته قائلاً وأنا أنظُر للكاميرات التي ما زالت تدور:

-       من ناحية إيه يا فنّان؟

فانبرى يقول بصوْتٍ جهوريٍ عال وكأنه جاب الديب من ديله:

-       أنا كُنت كاتب مقال عن النوع ده من التهريج اللي بيسمّوه أغاني خاصّةً بعد ما سمعت آخر مهرجان للأخ "سباخ" .. ح اقرا لكم مقطع من المقال ده:

{{{أوّلاً: كلمات المهرجانات تخلو من أي ذوق أو تذوّق شِعري فهي حادّة جداً وعنيفة ومُستقاة من الطبقات الدُنيا للمُجتمع وتصل لدرجة التنابُذ والردح والشرشحة، فالمُغنّي يصف نفسه بأفضل عبارات التفخيم والإشادة والفخر والكمال ويَصِم غيْره بأسوأ عبارات التحقير والذم والوضاعة والنُقصان، ويبدو أن صانعي المهرجانات جميعاً ينتهجون نفس نهج "محمد رمضان" في كل أغانيه تقريباً، فيقول المطرب بالإصالة عن نفسه: أنا باحب الكُل – رامي حمولي على الله – أنا هيرو – كله جنبي زيرو – دوري بطولة – أنا كبيركم – كله مني خايف – العَوْ جا  العَوْ حضر– أنا جاي آكلكم – أنا أصلاً خطر ع البشر – أنا حارقكوا – أنا لغيتكوا – أنا ماركة – عيني مرفوعة وراسي فوق – واقف وسط الكل أسد – عندي صواريخ – باضرب بوازيك – باكتب التاريخ – إحنا الملوك إحنا الأسود – إحنا ناس دوغري وتمام – ربّك إدّاني حِكمة – أنا ع المظبوط – أنا دايس وفايز كسبت كل الجوايز – لمّا جيت الكل طار – أنا انفجار – بطولي وحدي أسوق تتار – أنا جامد أنا شيك – إلخ .. يعني هو أقوى وأفضل وأحسن إنسان في الكون، وعندما يتكلّم المطرب عن غيره يقول: إحذر مني – مش ح توصل ليّا – لمّا احضر ما تتنفّسش – خططك فاشلة – إنت شاب لولي – ما فيش مقارنة بينّا ياض – روحوا ناموا – ح تختفوا – مش ح تبانوا – فوق ياض – ما ازاملش فرافير – انت حاجة واقعة وحاجة طينة – يا عيال طريّة جبنة نستو – ما تجيش معايا اشتري نفسك – إنتوا عيال – كورتك تيجي عارضة وكورتي تيجي جون – تنكشني تشوف جنان و تتلم الجيران – صعب اشوفك – إلخ .. يعني غيره هو أضعف وأسوأ وأخس إنسان في العالم.

ثانياً: لحن المهرجانات ليس لحناً مُنتظِماً بل هو لحنٌ إنفعاليٌّ سريع من الصعب جداً أن تتوقّعه لأن الريتم يختلف من كوبليه لآخر ومن المستحيل أن تتذكّره فيما بعد، فلن يعْلَق في الذهن أو يعيش في الذاكرة أكثر من ساعاتٍ معدودةٍ بعدها يتبخّر عن آخره.

ثالثاً: أداء مطربي المهرجانات يدعو إلى النفور والاشمئزاز منه وهو – غالباً – ليس غناءً بل شخطاً ونطراً وزعيقاً بصوتٍ أجشٍّ عالٍ قبيح، ناهيك عن اللهجة التي تُنطَق بها الكلمات والألفاظ فالمُغنيّ يؤدّي بطريقةٍ لم يعتَد عليها أواسط المصريين وعوام الناس بل مأخوذةٌ من مواطنٍ شديد الصياعة وحاد المزاج ومنحرف الطباع وقليل الأخلاق (أو عديمها)، وهي – للأسف – اللهجة التي تم اعتمادها بصفةٍ رسميّةٍ من أغلب أطفال وشباب المناطق الشعبيّة والعشوائيّة فصاروا يتكلّمون بها الآن.

رابعاً: ......}}}........

حينها اعترضتُ بحِدّة:

-       هيَّ لِسّه فيها رابعاً .. يا عم بقى دماغنا وجعتنا بلاش قرف.

فانتفض "بكر" من مقعده صائحاً:

-       احترم نفسك .. إنت مش عارف بتكلِّم مين؟

ونظرتُ لمُعِد البرنامج فوجدتُه يبتسم ابتسامةً صفراء وكأنه يُشجِّعني على التمادي في هجومي على "نظمي بكر" لأقوم بتطفيشه من البرنامج كما اتفقنا؛ ممّا جعلني أرد عليه قائلاً:

-       باكلِّم مين يعني؟! .. "سيّد درويش" يا خَيْ؟!! .. ساكِت لك م الصبح عشان راجل شايب وعايب .. وانت مش عايز تلِم نفسك وتخلّي ف عينك حصوة ملح .. قرفتنا يا أخي م الصبح .. هيَّ بتاكلك ليه أوّل ما تسمع كلمة مهرجانات؟!!! .. بالعند فيك بقى المهرجانات دي أغاني واحنا مطربين ونجوم غصب عنّك وجمهورنا كمان بالملايين .. ولوْ زوِّدت ف الكلام ح اقلع اللي ف رجلي وانزل بيها على أم راسك .. يا راجل يا غِتِت يا ابن الباردة.

وتصبَّب "نظمي بكر" عرقاً واغرورقت عيْناه بالدموع وقام من فوْره بخلع الميكروفون المُثبَّت في قميصه وأصر على مُغادرة الاستوديو ولم تفلح معه تلك المحاولات القليلة لإثنائه عن موْقفه الذي اتخذه احتراماً لتاريخه المزعوم، وقد دارت كل هذه الأحداث تحت مرأى ومسمع من الكاميرات والميكروفونات التي انتشرت في أرجاء البلاتوه.

وبعد أن انصرف الرجل غاضباً أشرتُ للواد "زَرزور" كي يلحق به ويزفّه هو وباقي أفراد فِرقتي بعد أن يجرَّسوه وينزعوا عنه الباروكة.

google-playkhamsatmostaqltradent