خبر
أخبار ملهلبة

مفهوم العدالة الاجتماعيّة بين سيادة القاضي ومعالي لقمته



نوفمبر 2017 :

 

 

النهار ده الصبح كنت في الأزاريطة مع الحكومة (الإسم الحركي لأي زوجة مصريّة) لتناول الإفطار في "مطعم زغلول اللي غيّر مفهوم الفول" .. والمطعم عبارة عن محل متواضع في منطقة شعبية وكان زحمة جداً فيه ما لا يقل عن ميّة وخمسين زبون أغلبهم من طلبة كليات الطب والصيدلة والأسنان القريبة جداً من المطعم .. لاحظوا إن الزحمة دي كلها كانت قبل صلاة الجمعة والطلبة دول قِلّة قليلة كان عندهم محاضرات وامتحانات استثنائية يوم الأجازة .. أومّال بقى الوضع إيه باقي أيّام الأسبوع؟ .. وبعد ما وقفنا حوالي نص ساعة فطرنا على قد ما قُسُم سندوتشات فول بالخلطة الاسكندراني وفلافل بالجبنة ومسقّعة .. الأكل كان لذيذ فعلاً بس الألذ منه إن صاحب المطعم شاب خريج هندسة من عشر سنين رفض العمل كمهندس وما شاء الله بيكسب أحسن من ستين مهندس ف بعض .. ربنا يبارك له علشان مجتهد وبيشتغل بمزاج ودمه خفيف وأسعاره مهاودة لدرجة إنه نشر قائمة الأسعار على صفحته الشخصية كالتالى: "سرفيس كيوت يكفى فرد أو فردين مش جعانين 10 جنيه، سرفيس وسط يكفى فردين أو 3 أفراد مفاجيع 15 جنيه، سرفيس عم زغلول دلَّع كِرشك يكفى 4 أفراد كانوا بايتين على السلم بالليل بدون عشاء 20 جنيه، واللى مامعهوش فلوس باقول له ولا يهمك ادخل اغسل المواعين".

لو حطيت قصة الباشمهندس زغلول جنب قصص تانية كتيرة يروّج لها الإعلام اليومين دول بإلحاح عن شابات جامعيات وشبان جامعيين يعملون باعة جائلين لسندوتشات البرجر والفول والخضار والبليلة والكبده والجيلاتي والفريسكا والكشري .. وآخرهم خريج الهندسة قسم عمارة اللي بيسرح بعربية زلابيا وبلح الشام في شوارع الأسكندرية .. ح تستنتج من كل ده إن إعلام الدولة الموجّه بيكرّس لفكرة عدم اعتماد شباب الطبقتين الوسطى والدنيا على الشهادة الدراسية مهما اجتهدوا وتفوّقوا وتوجيههم نحو الوظائف المتـدنـيـة وترك فرص العمل المرموقة لأبناء الطبقة العليا الذين يستطيعون بعلاقاتهم شَغل المناصب القيادية في البلد وتَرك الديرتي وورك لأولاد البطة السوداء.

طبعاً ما فيش أدنى مشكلة طالما كان العمل شريفاً يغني صاحبه عن السؤال .. لكن تتقافز في ذهني عدة أسئلة :

- ما الفائدة التي تجنيها البلد من وراء تصدير اليأس والإحباط للشباب الذي صار يؤمن بأن الكفاءة وحدها لا تكفي وأن الهجرة هي السبيل الوحيد للنجاح بكرامة دون واسطة؟

- إلى متى يستأثر أبناء النخبة بكل الامتيازات تاركين الفتات الذي يتساقط منهم غذاءً شهيّاً لعامة الشعب؟ .. وهل من العدل ألّا يتمتّع كل المواطنين سواسيّةً بالعدالة الاجتماعيّة؟

- لماذا تصرف الدولة ويصرف الآباء الآلاف المؤلّفة على تعليم هؤلاء الشباب ما داموا سيلتحقون مع غير المتعلّمين بوظائف لا تشترط التعليم أساساً بل ربما تشترط الجهل؟

- هل يستوجب على الشاب أن يدرس الهندسة مثلاً (ويأخذ مكان شاب آخر ربما يكون أجدر منه) لكي يستطيع أن يصلّح طبق فول أو شاي بوستة بدلاً من إصلاح الماكينات والأجهزة؟

- هل تستهدف تلك السياسة كسر الشاب المصري ليصبح أكثر خنوعاً وخضوعاً وأسهل انقياداً وأسلس ترويضاً بدايةً من صباه وحتى شيخوخته؟

- هل ينظر الشباب إلى أي مهنة تدر عليهم أموالاً أكثر بغض النظر عن ميولهم وأحلامهم التي رسموها فيتخلّون عنها تحت إغراء الحياة المريحة في مجتمع أصبح يقدّم المال ويؤْثِر المادة على العلم والأدب؟

عموماً : مساهمةً مني في القضاء على البطالة، واعترافاً مني بما قاله أحد كبار قيادات الشرطة يوْماً ما: "إحنا أسيادهم واللى يمد إيده على سيده ينضرب بالجزمة"، وإذعاناً بما صرّح به وزير العدل من قبل: "القضاة هم الأسياد على أرض هذا الوطن وما دونهم هم العبيد ومَن سيقوم بحرق صورة قاضي سيتم حرق قلبه وذاكرته وخياله"، وإقراراً بما أعلن عنه أحد كبار القضاة: "ابن عامل النظافة لا يُفترَض أن يتساوى مع غيره وأن يصبح قاضياً في يوْمٍ من الأيّام حتى لو كان متفوّقاً فالقاضي لا بد أن ينشأ في وسطٍ مناسب"، فأنا أقترح على الدولة توفير الأموال التي تنفقها على الجامعات التي يدخلها الرعاع من أبناء العامّة الدهماء وتخصيص هذه الأموال لشراء ماكينات عمل لقمة القاضي .. خلّي منصب القاضي لولاد القاضي وخلّي باقي الشباب يعمل لقمة القاضي ويغرقوا في العسل لشوشتهم .. صباحكم زلابيا.

google-playkhamsatmostaqltradent