خبر
أخبار ملهلبة

"وا محمداه .. وا حجاجاه .. وا معتصماه .. وا عامراه": سابقاً | حالياً: "وا حسرتاه" (1)


المعتصم بالله يغيث المرأة التي استنجدت به قائلةً "وا معتصماه" قبل معركة فتح عمورية

"وا محمّداه .. وا حجّاجاه .. وا مُعتصماه .. وا عامراه": سابقاً | حالياً: "وا حسرتاه" (1)

 

 

وا محمّداه:

حارب الرسول محمد – صلّى الله عليه وسلّم – اليهود في أربع غزواتٍ هي: "بني قينقاع" و"النضير" و"قُريْظة" و"خَيْبر"، ومن نتائجها إخراج اليهود من المدينة المنوَّرة، ثم من شِبه الجزيرة العربية كلّها، وتختلف أسباب محاربة الرسول لليهود ما بين: محاولة قتل النبي، وخيانة العهود مع المسلمين، والتحالف مع الكفّار ضد الصحابة.

ونحن هنا بصدد الحديث عن غزوة "بني قينقاع" التي خاضها الرسول – عليه الصلاة والسلام – بعد أقل من شهرٍ من انتصار المسلمين في غزوة "بدر"، وذلك نُصرةً لامرأةٍ مُسلمةٍ كانت زوْجةً لأحد الأنصار، فدعونا نحكي قصتها من البداية:

"بنو قينقاع" هم قبيلةٌ يهوديّةٌ سكنت "المدينة" وعملت في مجال الصناعة اليدويّة وصياغة الذهب والفِضّة، ولهم سوقٌ يقصدها الناس لتأمين حاجتهم من الأدوات أو المصاغ، وحدث أن امرأةً مسلمةً من البادية ذهبت لهذه السوق لتبيع بضاعةً من إنتاجها كانت سمناً وأقطاً (الأقط هو لبنٌ مُجَفَّفٌ يُطبَخ به)، وبعد أن باعتها ذهبت إلى صائغٍ يهوديٍ لتشتري بما جنته من البيْع شيئاً من المصاغ، فجلست أمامه لتنتقي ما تريد، فتجمّع بعض اليهود حوْلها وظلّوا يراودونها على كشف وجهها فرفضت وأبت إلّا أن تُحافظ على حجابها كإمرأةٍ مُسلمة، فعمَد أحدهم إلى طرف ثوْبها فعقده إلى ظهرها دون أن تشعُر، فلمّا قامت انكشفت عوْرتها، فضحكوا جميعاً عليها لذلك، فصاحت مُستنجدةً لِـما حصل لها من الإهانة والسخرية بها وصرخت: "وا مُحمّـداه"، فسمعها رجلٌ من الصحابة المسلمين كان في السوق حينئذً، فثارت في نفسه حمية الإسلام والغيرة على المرأة ووثب على الصائغ فقتله، فاجتمع اليهود على المسلم وشدّوا عليه فقتلوه، وهكذا وقعت الفِتنة.

وعندما سمع الرسول – عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم – بما حدث أَمَرَ المسلمين ليتجهّزوا لعقاب اليهود على جريمتهم، فحاصرهم النبي بجيْشه إسبوعيْن كامليْن حتى نزلوا على حُكمه وقد قذَف الله في قلوبهم الرعب، وبعد أن استسلم اليهود قبض عليهم المسلمون وشدّوا وثاق المُقاتِلين منهم وحَكَمَ الرسول بقتلهم لهذه المخالفة الشنيعة التي فعلوها، ليس فقط لكشف وجه المرأة المُسلمة، ولا لقتل المسلم الذي نصرها فحسب بل لتراكماتٍ أُخرى طويلة جدّاً، فهم منذ أن دخل الرسول "المدينة" وهم في مُخالفاتٍ مُستمرّةٍ وفي سبٍّ علنيٍّ لله ولرسوله الكريم وللصحابة وفي إثارة الفتن بين المسلمين، فكان لا بد من وقفةٍ صارمةٍ معهم، ثم تشفّع "عبد الله بن أُبيّ بن سلول" لهم عند الرسول وألحّ عليه في ذلك بزعم أنّهم مواليه، فتركهم النبي حين رأى إلحّاحه الشديد في ذلك فعدل عن قتلهم، ولكنه – عليه الصلاة والسلام – استلم ما في حصونهم من ذخائر ومتاعٍ وأموال، وترك لهم الذُريّة والنساء وإبلًا تحملهم، وأعطاهم مهلة ثلاثة أيّامٍ ليستعدّوا للرحيل، فتم إجلائهم إلى منطقة "أذرعات" ببلاد "الشام"، وقد خرج الصحابي "عبادة بن الصامت" في إثرهم ليتأكّد من جلائهم.

وهكذا حرَّك رسول الله الكريم هذا الجيش كلّه وقام بطرد قبيلةٍ كاملةٍ من اليهود من أجل امرأةٍ واحدةٍ كُشِفَت عوْرتها واستصرخته: "وا محمّـداه".

وا حجـّاجاه:

أراد ملك جزيرة "الياقوت" (جزيرة "سيلان" أو "سريلانكا" الآن) أن يتقرّب من "الحجّاج بن يوسف الثقفي" – الذي كان يحكم "العراق" وما حوْلها بأمرٍ من الخليفة الأُموي – فأرسل إليه ذهباً وهدايا في سفينةٍ استقلّها بعض النسوة المسلمات اللاتي كن أرامل وبنات تُجّارٍ مسلمين كانوا يعيشون هناك ثم ماتوا، فتعرّض للسفينة التي كن فيها قراصين هنود من بلاد "السِند" ("باكستان" الآن) وأسروهن بإيعازٍ من ملكهم "راجا داهر"، فاستغاثت إحدى السيّدات من "بني يربوع" ونادت قائلةً: "وا حـجّـاجاه"، وصل الخبر إلى "الحجاج" فقال: "يا لبّيْكِ"، وبعث للملك "داهر" لاستعادة النساء المسلِمات واسترداد ما سُلِب من السفينة بالطُرُق السلميّة، لكن "داهر" رفض ذلك متحجِّجاً لـ"الحجّاج" بأنه لا سلطان له على القراصنة، فغضب "الحجّاج" وأقسم على فتح بلاد "السِند" كلها لإنقاذ تلك السيّدة ومَن معها من المُسلِمات بعد أن وصلته أخبارٌ مؤكَّدةٌ بأن النساء المسلمات ومعهن بعض البحّارة العرب مسجونين في سجن مدينة "الدَيْبَل" ("كراتشي" الآن) ولا يريد ملك "السِند" الإفراج عنهم عناداً للعرب، فبعث الحجاج حملتيْن على "الديْبل": الأولى بقيادة "عُبيْد الله بن نبهان السلمي" والثانية بقيادة "بديل البجلي"، ولكن الحملتيْن فشلتا بل قُتِل القائدان على يد جنود "السِند"، فقرّر "الحجّاج" تجهيز قوّةٍ هائلةٍ مؤلَّفةٍ من جيْشٍ وأسطول، أمّا الجيْش فكانت عدّته زُهاء عشرين ألف مقاتل وأمّا الأسطول فكان يحمل المشاة والمؤن وعدد الحرب الثقيلة (كان من بينها خمس مجانيقَ ضخامٍ يُقال لأكبرها: "العروس")، وأمّر (نصّبه أميراً) على هذه القوّة "محمد بن القاسم الثقفي" (وهو ابن ابن عمّ "الحجّاج" وكان عمره وقتذاك 17 عاماً) ليقود جيْش المسلمين وبالفعل خرج القائد "بن القاسم" يفتح البلدان يميناً ويساراً ويُقيم فيها شعائر الإسلام حتى وصل إلى أرض الطاغية "داهر" وحاصر "الديْبل" عاميْن حتى فتحها وهزمه شر هزيمة، وقام بتحرير الأسرى من النساء والرجال، ثم بعث برأس "داهر" مع الغنائم إلى دار الخلافة، وكانت الحملة قد تكلّفت ستين ألف ألف (60 مليون) درهمٍ بينما كانت الغنائم عشرين ومائة ألف ألف (120 مليون)، فقال "الحجّاج" عبارته الشهيرة: "فتحنا السِند وخلّصنا أسرانا وشفيْنا غيْظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهمٍ ورأس داهر".

وهكذا سيّر "الحجّاج" جيْشاً كبيراً وأسطولاً باطشاً خاضا معاركَ كثيرةً من أجل نساءٍ مُسلِماتٍ استغاثت به إحداهن صارخةً: "وا حجّاجاه".

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent