حكم طاعة ولي الأمر الذي يجاهر بشرب الخمر أو بالزنا
كلنا نعرف أن رسولنا
الكريم (صلّى الله عليه وسلّم) المكلَّف من الله (عز وجل) بتبليغ رسالته إلى عبيده
حثَّ الناس بل أمرهم بوجوب طاعة ولي الأمر .. وجاء ذلك الأمر من خلال حديثٍ صحيحٍ
مؤكَّد .. ولكن في بعض كتب السلف أٌضيفت لهذا الحديث عبارةٌ أخرى وُصِفَت بأنها
زيادةٌ ضعيفةٌ غير مؤكَّدة وهي: "..... وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" وقد دأب
شيوخ السلاطين المنافقين على إضافة هذه العبارة في كل مرَّةٍ يظهرون فيها للعامّة
ليحرّموا عليهم الخروج على الحاكم الظالم أو الاعتراض على طغيانه وسياساته
المغلوطة.
والحقيقة أن الإسلام
(من خلال حديث طاعة ولي الأمر) يهيب بنا – كشعبٍ محكوم – بل يحرّضنا على عدم
السكوت على الظلم وعلى تقويم الحاكم بطريقةٍ متدرّجة (تبدأ من نصحه وتنتهي بعزله
من منصبه) من أجل ردّه عن مظالمه أو أخطائه .. وبالنسبة لتلك العبارة الزائدة (إذا
سلّمنا بصحّتها من الأساس) فتفسيرها ليس كما يزعم هؤلاء الشيوخ الفَسَقَة ..
فالتفسير الصحيح هو أن الرسول يأمرنا بأن نطيع ولي الأمر حتى لو ضربنا أو أخذ
مالنا بحقٍ وليس بظُلْم .. فمثلاً إذا أخطأ أحدنا في حق آخر وأَمَرَ ولي أَمْرنا
بضرب المخطئ على ظهره (أي جَلْده كتعزيرٍ وتأديب) أو أَمَرَ بأخذ مالٍ (أي غرامة) من ذاك المخطئ
فيجب علينا طاعته في ذلك بكل تأكيد .. أما لو كان الحاكم ظالماً أو متعسّفاً فضرب
ظَهْر شخصٍ فينا أو أخذ ماله دون أن يرتكب ذاك الشخص خطأً ما يستوجب ذلك فيجب
علينا ألّا نطيع الحاكم في مظلمته هذه بل يجب علينا ردّه عنها.
وقد خرج شيخٌ
سعودي (جالساً داخل أحد المساجد المباركة) ليذكر نفس الحديث بنفس الزيادة دون أن
يشرح تفسيرها الصحيح كي يُدَلِّس على الناس ويدعوهم إلى طاعة الحاكم مهما صدر منه
حتى ولو كان على باطل .. بل زاد الرجل (لا بارك الله له) على ذلك وأفتي بوجوب طاعة
الحاكم حتى ولو كان يزني ويشرب الخمر علناً على المَلَأ بل حرّم على العامّة أن
ينكروا على الحاكم تلك الكبائر مخافة التحريض ثم دعاهم لتأليف القلوب عليه
والاجتماع حوله.
أين ذلك الشيخ من علمائنا الأفاضل الذين
أناروا بعلمهم عقولاً كانت مظلمة وأرشدوا قلوباً كانت تائهة وأعزّوا الإسلام في
أرجاء الدنيا وبقاعها؟ .. بل أين هو من سيّدنا أبي بكرٍ الصدّيق عندما خطب في الناس
بعدما بايعوه في السقيفة قائلاً: "أمّا بعد .. أيها الناس فإني قد وُلّيتُ
عليكم ولستُ بخيْركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني، الصدق أمانة،
والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم
ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهادَ في سبيل الله إلا ضربهم
الله بالذُل، ولا تشيع الفاحشةُ في قومٍ قط إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت
الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
وكنت أحب أن أعرف إجابة ذلك الشيخ الفاصل (وليس الفاضل .. فقد فُصِل النور عن عقله) على سؤالي: "هل ستتّبع ما تنصحنا به إذا زنى ولي أمرك بزوجتك أو أمِّك أو أختك أو ابنتك أو فعل بك (أنت شخصيّاً) الفاحشة؟" .. ولا حوْل ولا قوّة إلا بالله.