مقتل القمر
.... وتناقلوا النبأَ الأليمَ على بريدِ
الشَمْس
في كُلِّ المدينة:
"قُتِل القَمَـــر"
شَهِدوه مَصلوباً تَدَلَّى رأسُهُ فَوْق الشَجَر
نَهَب الجناةُ جواهِرَ الماسِ الثَمينةَ مِن صَدرِه
تَركوه في الأعواد
كالأسطورة السَوْداءِ في عَيْنَيْ ضَرير
ويقول جاري:
"كان قِدّيساً .. لماذا يقتلونه؟"
وتقول جارتنا الصَبيّة:
"كان يعجِبُهُ غِنائي في المَساء
وكان يُهديني قواريرَ العُطور
فبأي ذنبٍ يقتلونَه؟
هل شاهدوه عِند نافذتي _ قُبَيْل الفَجْر _ يصغي
للغِناء؟"
وتَدَلّت الدَمْعاتُ مِن كُلِّ العُيون
كأنّها رأسُ القَمَر
وتَرَحَّموا
وتَفَرَّقوا
فكَما يموتُ الناسُ .. مات
وجَلَسْتُ أسألُهُ كَثيراً عن يدٍ غَدَرَتْ بهِ
لَكِنَّه لَمْ يستمِعْ لي
كان مات
دثّرتُهُ بعباءَتِه
أسْبَلتُ جَفْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْه
حتى لايرى مَن فارقوه
وخَرَجْتُ مِن بابِ المَدينة
للريف:
"يا أبناءَ قَريتنا أبوكُم مات
قد قَتَلوه أبناءُ المَدينة
ذَرَفوا عَليْه دموعَ أخوَةِ "يوسُف"
وتفرَّقوا فَوْقَ الطَريقِ مُخَلِّفين"
يا أخوتي:
"هذا أبوكُم مات"
....: "ماذا ؟ .. لا .. أبونا لا يموت
بالأمسِ طول اللَيْلِ كان هُنا
يقُصُّ لنا أحاجيه الحَزينة"
يا أخوتي:
"بيديَّ هاتيْن احتَضَنتُه
أسْبَلتُ جَفْنَيْه عَلى عَيْنَيْه حَتّى تدفنوه"
قالوا:
"كَفاك .. أصمُت
فإنّك لستَ تدري ما تقول"
قلتُ:
"الحقيقةُ ما أقول"
قالوا:
"انتظِر .. لم تَبْقَ إلّا بِضْعُ ساعاتٍ ويأتي"
حَطَّ المَساء
وأطَلَ مِن فَوْقي القَمَر
متألِّقُ البَسَمات .. ماسىُّ النَظَر
يا إخوتي:
"هذا أبوكُم ما يزالُ هُنا
فـمَن هوَ ذَلِكَ المُلْقىَ على أرضِ المَدينة؟"
قالوا:
"غريبٌ ظَنّهُ الناسُ القَمَر
قَتَلوهُ .. ثم بَكوا عَليْه
ورَدَّدوا: (قُتِل القَمَر)
لَكِن أبونا لا يموت
.. أبداً أبونا لايموت"