صورة واحد ثوْرجي (2)
الخميس:
في المساء والسهرة قامت بيني وبين المُنسِّق
العام لتنظيمنا الشيوعي الرفيق "نضال" مُناظرةٌ سيّاسيّةٌ ثوْريّةٌ
حامية الوطيس أمام باقي أصدقائنا على القهوة، كُنّا قد اختلفنا على المعنى العام
الشامل اللا نهائي المُترامي الحاسم لبعض الكلمات والمُصطلحات مثل: "التنظير
والشجب والتنديد والتأييد والتوْريط والتأطير" وذلك من المنظور الجهادي على
مستوى جميع الفصائل الجَمْعيّة والنطاقات الحزبيّة من أجل عالم يسوده الرخاء
والماء والهواء.
ونشب خلافٌ حادٌّ – لا يُفسِد للوِد قضيّة –
بين رأيي الحُر ورأيه الطليق عندما فسّر "نِضال" معنى كلمة
"تأطير" بأنها مصدرٌ مأخوذٌ من فِعل "أَطَرَ" بفتح الطاء أي ثناه
أو حناه فجعله مثنيّاً أو محنيّاً، واستدل الرفيق على ذلك بقوْل الشاعر
"المُتلمِّس الضَبعي": "وَمَأطورَةٌ شَدَّ العَسيْفانِ أَطَرَها ..
إِساراً وأَطَراً فَاِستَوى الأَطَرُ وَالأَسَرُ"، ولكنني لم أسكُت على هذا
التفسير التسطيحي المُزبلَح وأدليْتُ بدلوي في ذلك عندما أكَّدتُ أن كلمة
"تأطير" هي اسم مصدرٍ مأخوذٍ من فِعل "أَطَّرَ" بتشديد الطاء
وفتحها وتصريفاته: أطَّر يؤطِّر تأطيراً فهو مؤطِّر أي جعل له إطاراً أو بروازاً،
وبرهنتُ على صِحّة تفسيري ببيْت الشاعر "عبد الغفّار الأخرس": "أطَّرتُ
لَديْه طائرَ اليمن أسعداً .. وكُنّا أطَّرنا طائر النحس أشأما"، وانقسم
الأصحاب بين مؤيّدٍ ومُعارِض ولكن الجميع اتفق على اللجوء إلى زعيمنا الفِكري ورمزنا
التنظيري وقائدنا الاستقصائي السيّد "محصور أبو عُقدة" الذي غاب عن هذه
المُناظرة الساخنة بسبب جلوسه بالمنزل لإصابته بالتهابٍ حادٍّ بالحنجرة إثر قيامه
بالهتاف بحرارةٍ وعُنف إبّان تظاهرات فلّاحي قرية "الجربوعة"
بـ"البحيرة" ضد عدوان دودة القُطن على المحصول مُندِّداً بعدم توافر
المُبيدات في الجمعيّة الزراعيّة، وعند الاتصال به أفتى بصوْتٍ مبحوح ببضع كلماتٍ
أنهت ذلك الجدال المُحتدَم وجعلت الكل يرتضي برأيه المُحايد: " تقريباً غالباً
أحياناً .. بالتأكيد".
الأربعاء:
تم اعتقالي مع ثُلّةٍ من جماهير "النادي
الأهلي" بعد أن قُمنا بالاعتراض على الحَكَم الظالم الذي احتسب ضربة جزاء على
فريقنا العظيم رغم أن الكرة لم تلمس إلّا طراطيف إيد لاعبنا الذي ارتمى على خط
مرمانا ليمنع الكرة من دخولها هدفاً، وبعد أن هتفنا ضد الحَكَم وشتمناه وذكرنا
جُزءاً مُحدَّداً من أعضاء جسد والدته قُمنا بضرب الجُمهور المُنافِس وحطَّمنا
مقاعد الاستاد ثم خرجنا للشارع وأحرقنا أوتوبيس الفريق الخصم وسيّارات الحُكّام
إلى أن اعتقلنا أفراد الأمن المركزي .. مُنتهى الظُلم والإجحاف.
الثُلاثاء:
تم الإفراج عنّا بعد تدخُّل رئيس وقيادات
أفضل نادي بالكون خوْفاً من رد فِعل باقي جمهور نادي المبادئ والقيَم بعد أن
هدَّدت رابطة الجماهير بالتصعيد.
الخميس:
تم القبض عليَّ مرّةً أُخرى لأنني ضربتُ
كُمساري وسوّاق الأتوبيس وكسّرتُ زُجاج بعض الشبابيك بسبب أن السائق حرق المحطّة
(ما وقفش فيها) اللي كنت نازل فيها لأنه كان مستعجلاً رغم وقوفه بالموْقف ليفطر
ويشرب الشاي فوق الساعة ونصف .. إلى متى تستمر حالات الإهمال والتسيُّب في المجتمع
دون تدخُّلٍ من المسؤولين؟!!!
الأحد:
أُفرج عنّي بضمان محل إقامتي على أن تُحوَّل
واقعة الضرب إلى جُنحةٍ مُباشِرةٍ يتم الفصل فيها في القضاء.
خرجتُ من سراي النيابة وركبتُ أحد
الميكروباصات لأرجع البيت كي آكُل لي لُقمة وارتاح شويّة قبل ذهابي لاجتماع أمانة
اللجنة الفرعيّة لـ"حزب النكسة الكونفيدرالي التقدُّمي الوحدوي"،
فوجِئتُ بأن أُجرة الميكروباص زادت رُبع جنيه فانفجرتُ في السائق والتبّاع لاعِناً
الحكومة اللي سايباهم يستغِلّوا الناس وشاتِماً رئيس الجمهوريّة الأوتوقراطي اللي
فالح بَس يزوِّد الأسعار ويلم الضرايب ويبوَّظ البلد اللي ما بقاش فيها حاجة عِدلة
ابتداءً من التعليم والصحة والزراعة والصناعة وباقي المجالات والكُل كليلة.
عُدتُ إلى الحجز من جديد بعد أن مسكني اتنين
مُخبرين كانوا راكبين معي الميكروباص وسمعوني وانا باشتِم الريّس والوزرا والحكومة
وبادعي عليهم، ثم تم ترحيلي إلى مقر الأمن الوطني (أمن الدوْلة سابقاً).
السبت:
لأنني شخصٌ معروفٌ في أمن الدوْلة ويعرفون –
من ملفّي عندهم – أنني من الثوّار الذين يتبعون النظام الحنجوري (أي أنه لا خوْف
من مُعارضتى التي لا تتجاوز الكلام بالحنجرة فقط ولا تصل إلى مستوى أخذ أي فِعل أو
حتى رد فِعل .. يعني بُق وبَس) فقد أفرجوا عني بعد أن عملوا معي الجُلّاشة المألوفة
وأخذتُ الطريحة المُعتادة.
الأحد:
انتهيْتُ من كتابة مقالي (المكتوب في حوالي
21 ألف كلمة) بالموْقع الإلكتروني "الثوْرة مُستمرّة للأبد" وكان عنوانه
الرئيس: "الرأي القاطع المشمول في أهميّة الوِحدة بين تحالُفات القوى العاملة
للشعوب العربيّة والثوْرة المُقدَّسة على الأوْضاع السياسيّة والاقتصاديّة
والاجتماعيّة المقلوبة والعمل البراجماتي الدؤوب – بعيداً عن قهر الشيفونيّة
والفاشيّة – على خَلْق واقعٍ جديدٍ نحو تحقيق مُستقبَلٍ بنّاءٍ مُثمرٍ للأُمّة من
أجل تربية أجيالٍ حديثةٍ ترتقي بالأوْطان فوْق شُعاعٍ مُنيرٍ يملأ آفاق السماء
بالأمل والثقة في فجر عصرٍ خلّاقٍ تملؤه العدالة والحق والحريّة ولا تشوبه شوائب
الظُلم والباطل والعبوديّة بفضل كَد الفلّاح وعرق العامل وجَهد التكنوقراط تحت ظِل
التكافؤ في الحقوق والمساواة في الواجبات وذلك بفضل إلهام المَقاوَمة ومن وَحي
الثوْرة".
الجُمعة:
دخلتُ على موْقع "الثوْرة مُستمِرّة
للأبد" وتابعتُ مقالي فوجدتُ أنه لم يقرأه أحدٌ كالعادة .. شعبٌ مُتخلِّفٌ
خانعٌ خاضعٌ يهوى الاستسلام والرضوخ دون أن يهب أو ينتفض ضد الواقع المرير المفروض
عليه ولا يُجيد إلّا الأكل والشُرب والنوم والخِلفة فقط .. كل أسبوع باكتب مقالات
ناريّة تنطَّق الحجر علشان يسخنوا وهمَّ ولا هنا .. شعب حيوانات .. اسفوخس عليهم
ناس حَوَش.
السبت:
تمَّت تبرئة وزير الداخليّة السابق من جميع
التُهَم التي وُجِّهَت إليه بعد الثوْرة الأخيرة، وبذلك يكتمل عقد المسؤولين في
مهرجان "البراءة للجميع" بعد أن عادوا إلى بيوتهم ومناصبهم وضاع حق
الشُهداء اللي راحوا فطيس .. عليه العَوَض ومنه العَوَض.
الخميس:
حلمتُ الليْلة – خير اللهمَّ اجعله خير – بأن
الشعب اختارني كرئيسٍ للجمهوريّة وأنني ظللتُ أخطب فيهم سبع ساعاتٍ مُتواصِلةٍ
لأعرض عليهم الحلول التي وضعتُها لعلاج كافّة مشاكل البلد في خلال سنةٍ واحدة،
وأنني نفّذت جميع آرائي ومُقترحاتي حتى تحقَّقت الرفاهية لجميع أفراد الشعب العامل
الذي لم يجد مَن يحنو عليه قبلي.
صحوْتُ مُستبشِراً بهذا الحُلم الجميل وقصصتُه
على زوْجتي – الله ينكِّد عليها – التي أحبطتني عندما قالت:
-
ما انا قُلت لك قبل
ما تنام وانت اللي ما رضيتش.
-
قُلتي لي إيه؟
- قُلت لك: اقوم اجيب لك السلِب وبنطلون البيجامة من ع الحبل زمانهم نشفوا.