خبر
أخبار ملهلبة

مصر على كف عفريت (7) | جلال عامر


مقولة ساخرة للكاتب جلال عامر عن العالم الثالث الذي يمتلك فيه الحاكم حكمة لقمان ورجل الأعمال مال قارون والمواطن صبر أيوب

مصر على كف عفريت (7)

 

 

يا ساكني البدروم

 

في الباب الجانبي لمبنى التليفزيون بجوار إدارة البرامج المتخصصة، يوجد بدروم كبير تحت الأرض؛ فيه مجموعة أشخاص يستطيع الداخل إلى المبنى أن يراهم من خلال شباك حديدي، ينادون المارة، و أحيانا يصرخون أو يطلبون من المارة شراء شيء، أو يحملوh هم خطابات إلى ذويهم، و أحيانا يسألونهم عن تاريخ اليوم و أحوال الدنيا، و المارة قد يستجيبون و يتبادلون معهم السجائر، و قد لا يستجيبون و يتبادلون معهم الشتائم. و في فترة الليل يتعالی صراخهم و يختلط بالضحكات. هذا البدروم العجيب هو مخزن عهدة التليفزيون، و يضم دستة أشخاص من تخصصات مختلفة وافقت عليهم الجهات الأمنية. محلل إستراتيجي و عالم نفس، و متخصص جماعات، و سفیر سابق، و لواء سابق، و طبيب و ملحن، و لاعب كرة، و أساتذة فقه، و رجل أعمال، و شيخ أزهري، وعضو مجلس، و هؤلاء يتم تدويرهم على البرامج المختلفة بواسطة الوزير، ولا يمكن التفريط فيهم أو تغييرهم إلا بواسطة الأمن. و يستطيع أحدهم أن يحل محل الآخر؛ فاللاعب يفتي، و الشيخ يحلل الأحداث، و السفير يعلق على المباراة، و الملحن يعمل مداخلة، و أحيانا يعمل عملية قلب مفتوح، و عضو المجلس يغني، و أساتذة الفقه تتحدث عن الطبيخ. المهم أن يغطى التليفزيون نفسه في إطار العهدة المسموح بها، ثم يعيدهم إلى البدروم المسحور ليشاغبوا المارة؛ فهم حاصلون على منحة تفرغ، و ليس وراءهم طفل يبكي أو بنت تريد أن تتجهز، أو شاب يدرس في الجامعة، أو أحد يسأل عنهم؛ فهم رهبان التليفزيون وهبوا حياتهم للاستضافة فيه، و أنكروا ذواتهم، و هجروا أسرهم من أجل ذلك. و الذنب ليس ذنبهم؛ بل ذنب سبعين مليون ليس فيهم كفاءة إلا هؤلاء الدستة ساكنو البدروم- الذين أحبوا الشاشة فأحبتهم الشاشة، و غنت لهم لیلی مراد؛ يا ساكني البدروم مين ليّا في حيّكم ... الناس تيجي و تروح و لا ضيف غيركم.

 

رسالة من تحت الماء

 

أمي الحبيبة...

تعلمين يا أمي أنني ذهبت لأعرق لا لأغرق، لكنه القدر و ظلم البشر. كنت أبحث عن لحظة دفء افتقدها في وطني. عن لقمة عن علبة سجائر عن مسطرة بلاستيك ملونة؛ لأبحث عن عباءة لك، و دواء الروماتيزم، عن نظارة طبية تحتاجها زوجتي. أنقب في القاع الآن و لا أجدهم. لم يطردني حضنك، لكن لفظني حضن الوطن. لم يعلمنا الفارق بين البطولة و البطالة. في قاع البحر يا أمي لا بورصة و لا احتكار، و لا لجنة سياسات ولا تعذیب، ولا خوف، فإن الغريق لا يخشى من البلل. اختفيت يا أمي و لم يعثروا عليَّ حتى أوفر ثمن أكفاني؛ فنحن لم نسدد بعد ثمن السفر، فلا تسأليني عن اسم البحر الذي غرقت فيه الأبيض أم الأحمر أم النيل! فقد غرقنا معا في الديون. و سدّوا أمامنا أبواب الأمل و العمل ليفتحوها لأبنائهم. أوصيك بابني كي لا يغرق، دعيه ينسى ما حكيته له عن قطز و بیبرس، و ملوك العرب في الأندلس، و احكي له عن ملوك السمسرة في البورصة. علّميه ليصبح جديراً بأن يكون حارس أمن لرجل أعمال، أو سكرتيرا لسمسار، و إذا سألك عن قبري فقولي له إن لي ألف قبر في كل مصنع باعوه و كل بنك نهبوه. ارفضي يا أمي أن تقبلي فيَّ ديّة. و انتظريني مع كل شروق على الشاطئ، و اسألي الأمواج عن حفيدٍ لي قد يأتي إليكي و في يده العباءة، و دواء الروماتيزم، و في اليد الأخرى الأمل و الخلاص.

(ابنك الشهيد)

 

مرفوع من الدعم

 

البعض لا يرتاح لشهر ديسمبر على أساس أنه واحد و ثلاثون و بدون أسانسير، لكنني أفرح بقدومه مع المطر الذي يحمل الخير. و قد تأكدت أن الدنيا بخير عندما قام لي شاب في الترام، و أجلسني مكانه، ثم همس في أذني "هات حق الكرسي". لم يعد هناك شيء ببلاش. اتفقت الحكومة و الشعب على إلغاء القسم المجاني من الحياة. من مقدمة الدراسة و سرير المستشفى حتى نظرة الاحترام مدفوعة الأجر. و حتى مستشفى المجانين من لا يدفع يطردونه إلى الشارع لتتلقفه إحدى العصابات ليحلل لها الحرام أو إحدى الفضائيات ليحلل لها الأخبار. ذهب بلا رجعة و توفي أبو بلاش حتى في الشواطئ، و دورات المياه العمومية و مقابر الصدقة. فمن الناحية الطبية، الدعم نوعان؛ نوع حميد يمكن التعايش معه مثل دعم الأثرياء و تقديم التسهيلات و الإعفاء من الضرائب و الرسوم و بیع متر الأرض أرخص من متر الکستور، و نوع خبيث يجب استئصاله فورا حتى لا يتمدد و يتضخم، و تحدث مضاعفات نتيجة دعم الرغيف و أنبوبة البوتاجاز و علبة الدواء مع تحديد سبب الإصابة بالدعم حتى لا يتكرر. أصابتنا الحكومة بالفزع و الرعب، و أصبحت مثل عصابة خطفت طفلا و راحت تتصل بأهله كل ساعة لتهددهم "هنرفع الدعم، هنرفع الدعم إذا لم توافقوا على المقابل المادي". الغريب أن البرنامج الانتخابي للسيد الرئيس لم يتضمن بناء مفاعلات ذرية، و لم يتضمن رفع الدعم أو استبداله فعلى أي أساس انتخبه الناس و رفضوا أحمد الصباحي.

 

الهروب مع "زبلن"

 

معظمنا يأكل على مائدة "معاوية" لأن مائدته أدسم. و يصلي وراء "علي" لأن صلاته أطيب. فبعد ساعات تغلق مكاتب الهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة الأمريكية أبوابها ؛ و هي الهجرة التي يتقدم إليها سنويا في تقدير البعض سبعة ملايين مواطن من مصر وحدها يتم اختيار سبعة آلاف منهم للإقامة هناك دون توفير سكن، أو فرصة عمل (خد بالك) سبعة ملايين مواطن يختارون بإراداتهم الحرة و في صمت بدون دعاية و بعد دفع الرسوم الجلوس على مائدة بوش، و البقاء تحت حكمه دون سكن أو فرصة عمل، و معظمهم يعارض أمريكا، و يرى فيها الشيطان الأكبر، بينما لم تنجح الضغوط و الإغراءات و الدعاية المكثفة في التليفزيون و الصحافة و التزوير أحيانا في الحصول على ستة ملايين مواطن يقولون "نعم" لمبارك، رغم أن نصف هؤلاء على الأقل لهم سكن و عندهم فرصة عمل، و النصف الثاني معه برنامج يعده لذلك. انتقل الناس من "الحلم العربي" بعد أن عجزوا عن تفسيره إلى "الكابوس الأمريكي" فالإقبال على هذه المكاتب يفوق بكثير الإقبال على لجان الانتخابات و نوافذ بيع الخبز و أفلام "اللمبي". و ظاهرة الهجرة العشوائية و الشرعية و غير الشرعية من مصر تستحق الدراسة، لكن ليس الآن، بل عندما نلاحظ أن عدد سكان مصر أصبح أقل من عدد سكان "قطر"؛ وقتها من الممكن دراسة هذه الظاهرة في هدوء بعيدا عن الزحام و التكدس و الضوضاء و الوصول إلى حل للاحتفاظ فقط بالستة ملايين مواطن الذين يقولون "نعم" للسيد الرئيس، لقد جرب المصريون كل طريقة للهروب كما كان يحدث أيام سور برلين إلا بطريقة منطاد "زبلن". ربما بسبب رفع الدعم عن "زبلن".

 

حرامي الحلّة

 

لي صديقان. أحدهما عنده "مليار جنيه" و الثاني عنده "جديري مائي" و في كل خير، و إن كان المؤمن الغني أحب إلى الناس من المؤمن المريض لأن زيارة الأول تحملك الهدايا و أنت راجع من عنده، بينما زيارة الثاني تحملك الهدايا و أنت ذاهب إليه. و مبادئ حقوق الإنسان تملي عليك أن تعدل بينهما أو تحتفظ بأحدهما و تخصخص صاحب الجديري. بعد تمهيد مدفعي مكثف من المشايخ بأن فوائد البنك حرام، عبر صديقي الأول مع المشاة من رجال الأعمال، و أقام رأس كوبري لتلقي الأموال و توظيفها بعيدا عن البنوك، و اتبع نظرية الاقتصادي الكبير "جحا" بأن الحلة تلد حلة صغيرة ثم تموت وهي تلد "المقلاية". أما صاحبنا الثاني فقد باعوا المصنع الذي يعمل به كباشمهندس، و أخذوا منه الخوذة الحديدية الملونة، و الجوانتي و أعطوه مائة ألف جنيه كمؤخر صداق. ثم قام بصفته صاحب الحلة - المكافأة - بتسليمها إلى صاحبنا الأول على أساس أنه إمام الجامع، بينما الثاني كان مصليا عاديا يقف في الصف خلفه، و قال: "نحن نأتمنه على ديننا أفلا نأتمنه على حلة". في الشهر الأول ولدت الحلة توأما (ألفي جنيه) و في الشهر الثاني قلت نسبة الخصوبة عندها فولدت ألفا واحدا، و يبدو أنها في الشهر الثالث أجهضت قبل الميلاد فتزل الجنين مشوها (خمسمائة جنيه) و في الشهر الرابع ماتت الحلة الأم على فرشتها دون أن يلمسها مخبر أو يعذبها ضابط، و أوصت بأن تدفن بجانب "سقراط"، فسافر "الإمام" بها إلى "أثينا" و استقر هناك و ترك لها صكا بغطاء حلة، بينما استقر صديقنا الثاني في المطار يغني "ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان" و يراقب وجوه العائدين من اليونان و العائدين من أفغانستان لعله يعثر على حرامي الحلة دون جدوى. و أخيرا و هو يشاهد العائدين من " أنابوليس" لاحظ أن عباس يحمل صكا بغطاء حلة مثله، فهانت عليه مصيبته.

 

مدينة الإنتاج الإسلامي


"هل ممكن أن يأتي يوم نشاهد فيه على شاشة التليفزيون مسلس" مسيحي"؟ عندما قيل لأحد البسطاء إن العلماء اكتشفوا غاز الأوكسجين منذ مائتي عام، تساءل في سذاجة: إذن كيف كان الناس يتنفسون قبل ذلك؟ و الحقيقة أنهم لم يخترعوه بل اكتشفوه فقد كان موجودا. تاريخ مصر السياسي لم يبدأ مع طلعت حرب، و تاريخ مصر الديني لم يبدأ مع دخول العرب، فقد كان الناس قبل ذلك يتنفسون الأوكسجين و يعبدون الله. كان الأنبا مقار الكبير يفعل ذلك و "أنطونيوس" أبو الرهبان، و ماري "مينا" الذي يزوره الجميع، و الست "دميانة" التي يحضر احتفالات مولدها المسلمون و المسيحيون. هناك إصرار على نزع صفحة من دفتر أحوال الوطن. حتى في العصر الحديث تحدثوا عن كل أصدقاء عبد الناصر و معارفه حتى الترزي و المكوجي، دون أن يتحدث أحد عن صداقته الحميمة مواطن مصري كان يزوره في منزله و يختلط بأولاده هو المواطن المصري الدمنهوري "عازر يوسف عطا" (البابا کیرلس). إن إعلاء مبدأ "المواطنة" لا يكون بمائدة الوحدة الوطنية التي يسيطر عليها "الجنبري" و تدير الحوار فيها "اللحوم البلدي". ولا بتردید شعار "يحيا الهلال مع الصليب". لأن البعض يكمله قائلا: "يحيا الهلال مع الصليب في مشاكل". ولا بتلامس ذقن الشيخ مع ذقن القسيس، بل بخطوات جادة يقدم فيها كلا منا نفسه إلى الآخر. نعم نحن في حاجة إلى أن نتعارف؛ فالإنسان عدو ما يجهل و ما نجهله عن بعضنا كثير. إن من يشارك في دكان يعرف كل شيء عن شركائه. فما بالك بشركاء الوطن! هل تتخذ مدينة الإنتاج الإعلامي" هذا القرار الوطني؟ أم أنها فقط مدينة الإنتاج "الإسلامي"!

 

البنك و الخروف

 

" ابن أبيه" في التاريخ هو من تنازع على أبوته كثيرون أو تبرأ منه الجميع. و تاريخنا العربي فيه بعض من لو ذكرناهم لصدمنا القارئ؛ لذا نكتفي ب "زياد ابن أبيه" حاكم العراق الأشهر أيام الأمويين؛ و الذي قلده في شدته

كل من جاء بعده (قدر العراق) مثل " الحجاج بن يوسف الثقفي" الذي كان يعتبر زياد، مثله الأعلى، و الحجاج هو أول من (وضع النقط على الحروف في اللغة و يحمد للحجاج أنه قام بتنقيط حروف القرآن الكريم. و في التاريخ الأوروبي أيضا "ابن أبيه" و "بنت أبيها" و أشهرهم "إليزابيث الأولى بنت أبيها" التي يخرج من نسلها ملوك إنجلترا؛ فقد تزوج هنري الثامن أمها "آن بولين" و بسببها انفصلت کنیسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية الأم في روما، و بعد ألف يوم فقط قطع هنري رأس بولين بعد أن اتهمها بخيانته مع بعض رجال القصر، و صارت ابنتها إليزابيث "بنت أبيها". أما أشهر " ابن أبيه" في التاريخ المصري فهو "القطاع العام" الذي ادعى أبو ته الدولة و الحكومة و الشعب و العمال و مجالس الإدارات و النقابات، ثم تبرأ منه الجميع و تنازعوا فقط على التركة. و بعد دعوة نسب رفضها القضاء الإداري في حكم شهير تم البحث له عن أب بديل هو الشركة القابضة (للريح أو للربح) و من المعروف أن من "تبني" ليس كمن "بني" فأصبح القطاع العام على مائدة اللئام. لدرجة أن الشروط التي تضعها أستراليا لبيع الخراف و الماعز لمصر أقسى من الشروط التي تضعها مصر لبيع البنوك و الشركات. مما يذكر أن "إليزابيث بنت أبيها" ماتت في قصرها، و أن "زياد ابن أبيه" مات على فراشه، أما "القطاع العام ابن أبيه" فقد تم اغتياله.

 

إمبو!


الناس في بلدنا نوعان. نوع يقع في أزمة فيقول "يا رب" و نوع آخر يقول يا "بنك". لكن إذا انقطعت المياه عنك و أنت تستحم؛ فقد تخرج على السلم بالصابون و تصرخ لتنادي على الجار العلوي، و لا يمكن أن تجيب من الآخر، و تخرج على السلم لتنادي على " إثيوبيا" على أساس أن رحلة المياه تبدأ من هناك؛ فهذا متروك لحكومة تنظر إلى الشرق عبر الأطلنطي من حيث يجيء الدولار، و إلى الشمال من حيث يجيء اليورو، و إلى الشرق من حيث يجيء عباس و أولمرت، و لا تكلف خاطرها بالنظر إلى الجنوب من حيث تجيء مياه الشرب. و تعامل حوض النيل و كأنه حوض غسيل فتترك أمره للسباكة لا للسياسة. كل خمسة أكواب ماء نشربها تأتي أربعة منها من إثيوبيا، و كانت دائما علاقتنا بها عميقة مهما اختلفت السياسات، و كان الإمبراطور "هيلا سيلاسي" هو الذي افتتح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مع عبد الناصر، فالناس هناك أرثوذكس كانوا يتبعون الكنيسة المصرية و يعين البابا شنودة (بابا الإسكندرية و سائر أفريقيا) أسقفا لهم، ثم ضربت إسرائيل إسفينا عندما سلمت دير السلطان بالقدس إلى أرثوذكس إثيوبيا لا أرثوذكس مصر، و قد بدأ التدهور أيام السادات الذي عادی نظام "مانجستو" هناك مجاملة لأمريكا، و عرض توصيل مياه النيل إلى إسرائيل. و منذ ربع قرن و العلاقات معهم عادية و فاترة منذ تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال هناك، و للأمانة فالرئيس يعي أهمية إثيوبيا؛ لذا لم يسئ إليها لكنه لم يعد إليها مرة أخرى، و الخطأ أننا اعتمدنا على المعاهدة الموقعة معهم منذ أيام الإنجليز دون أن نتفاعل مع ظروفهم القاسية، و دون أن نساعدهم فنيا و عينية، و تركنا الآخرين يفعلون ذلك. و قد رأيت بنفسي مهندسي الري المصريين يتابعون مقاسه للمحافظة على حصة مصر (55 ملیار) و هم الأثر المصري الوحيد الموجود هناك و هو لا يكفي. نريد حكومة تخرج من ملاعب الجولف و تقف على السلم بالصابون، و تصرخ بأعلى صوت يا " إثيوبيا" قبل أن يصرخ الشعب " إمبو".

 

من أسرار التحنيط

 

هل تعرف اسم رئيس جمهورية الصين أو رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، الحاليين أو السابقين؟ الإجابة غالبا لا، مع أننا نتحدث عن ربع سكان الأرض و دولة نووية عظمى تمتلك حق الفيتو و تمتلك خامس اقتصاد في العالم، عاصر جيلي "أندريه جروميكو" وزير الخارجية السوفيتية العملاق، ثم عاصرنا آخر وزير للخارجية السوفيتية "شيفر نادرة" و هذا أخف أسمائه الثلاثة، و لما قيل لأحد وزراء الخارجية الغربيين: هل تقابل "شيفر ناتزة" للتعرف عليه قال: أنا أحتاج أولا إلى ستة شهور لأحفظ اسمه. و قد كان الاسم الحقيقي هتلر هو "هنتلر" و تحول على الألسنة إلى "هتلر". أسهل و أخف. سهولة الاسم تحقق الرواج و هي اللعبة التي تدركها التيارات الدينية المتشددة. مثلا ما ترتديه المرأة على وجهها اسمه "قناع" و باللغة العربية "لثام" لكنهم قبل أن يقدموه بحثوا له عن اسم يسهل تداوله. رفضوا كلمة "مقنعة" و كلمة "ملثمة" و اختاروا الأخف "منقبة". انظر كيف وضعوا الدنيا كلها في كبسولة "الإسلام هو الحل". ثم تعالى على الجانب الآخر للمثقفين " المؤتمر الأول لملتقى الاستنارة في ظل العولمة بين الثبات و الحركة" أو "نحو عالم يموج بالتداخل الفكري و الإسقاط العقائدي" أو "جماعة التحرر المنطقي على خليفة واقع متأزم". بل ظل المثقفون لسنوات طويلة يستخدمون كلمات "التطرف و متطرف و متطرفون" و هي كلمات ثقيلة على لسان الإنسان البسيط لمجيء الطاء بعد التاء حتى هداهم المولى إلى كلمة "إرهاب" جاء قم سابحة عبر الأطلنطي. صحيح نحن الذين اخترعنا التحنيط، لكنني لا أعرف. هل قدماء المصريين هم الذين حنّطوا المثقفين أم أن قدماء المثقفين هم الذين حنّطوا المصريين ؟

 

صلّوا من أجل الرغيف

 

لبنان يبحث عن رئيس. و مصر تبحث عن رغيف. خمس دول تعبث في لبنان أوصلته إلى ما هو فيه. فما بالك برغيف العيش الذي تعبث به ست دول مصدرة للقمح، بالإضافة إلى ميليشيات التموين و التضامن الاجتماعي و الجمارك و المالية و الاستثمار و البيئة و الصحة و البترول و المستوردين، و النقل و الحاويات و الملح و الصودا و الكهرباء و الغاز و الصوامع و التخزين و البورصة، و الحكم المحلي و مرفق المياه و المطاحن و أخيرا الفرانين. و هي میلشیات لو تجمعت على إمبراطورية لحولتها إلى قرية. كل هذه الميلشيات تتجمع حول الرغيف المستدير و كأنه مائدة مستديرة لتحدد وزنه و حجمه و ثمنه و لونه. بالضبط كما تفعل الميليشيات في لبنان. و لو خطفت كل ميلشيا من الرغيف لقمة، فماذا يتبقى؟ من الرغيف أو من لبنان. طلبنا من الحكومة أن ترفع "الطوارئ" فقررت أن تستجيب و ترفع " الدعم". و عندما يقول الدكتور نظيف إن الموضوع بسيط و العملية سهلة و لن يحدث تغيير، و لن يشعر المواطن بشيء بل سوف تتحسن حالته؛ فهذا كلام يمكن أن يقال لمواطن ننوي أن نشيل له " اللوز" و ليس الدعم، فقد صار الدعم و الرغيف مثل التوأم الملتصق و فصل التوأم في مصر عملية صعبة و عواقبها خطيرة، لا ترفعوا الأجهزة عن الرغيف حتى الموت؛ بل ارفعوا عنه الأجهزة التي تلتهمه. تقولون ارفعوا أيديكم عن لبنان، و أنتم أيضا ارفعوا أيديكم عن الرغيف. جربوا استفتاء حقيقية حول نوع الدعم و استمعوا إلى صندوق الاستفتاء لا صندوق النقد. فالمناقشة التي تدعون إليها هي نوع من " اللت و العجن" حتى يتخمر قراركم المنتظر الذي حدده قادة الميليشيات و أمراء البورصة. صلوا من أجل لبنان و صلوا من أجل الرغيف.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent