"للحب آلهة كثيرة" | الفصل الثالث (1)
أوشك "كريم" على الانتهاء من العمل بعيادته عندما فرغ من كتابة روشتة علاج آخر مريض وألقى عليه بتعليماته وطلب منه العوْدة بعد أسبوعٍ لعمل الاستشارة ثمّ نادى على الممرّضة التي تعاونه وسألها وهو يخلع معطفه الأبيض ويرتدي سترته :
- أنا ح اتّكل على الله بقى.. سجّلي الإيراد
وخلّيه معاكي ح ابقى اخده منِّك بكرة .. مش قادر اعمل حاجة تاني خلاص .. أحسن هلكت
م الشُغل النهار ده .. وتمّمي ع العيادة كويّس قبل ما تمشي .. عايزة مني حاجة؟
- آه .. معلهش.
- خير؟ .. عايزة سُلفَة؟
- لأ .. متشكّرة .. بس أصل فيه حالة كشف
قاعدة برّه باعتها الدكتور "فهمي".
- الله! .. إنتي مش قلتي لي إن الحالة اللي
فاتت كانت آخر واحدة؟
- ما هي الحالة دي لسّه جايّة حالاً ده
الوقت.
- وما قلتي لهاش ليه تيجي يوم السبت؟ .. ده
انا ما صدّقت اخلّص.
- أصلها باين عليها تعبانة مش ح تقدر تستنّى
ليوم السبت .. معلهش .. ربّنا يدّيك الصحة ويحنّن قلبك ع العيّانين وما يحرمك من
صحّتك ويخلّي لك الـ....
- طيّب طيّب .. إنتي ح تشحتي .. هاتيها
وخلاص.
- حاضر .. بس اخد منها بياناتها ف كارتة
الكشف.
- مش مهم .. ح اخدها انا .. دخليها خلّيني
اكشف عليها واروّح بقى.
ونادت الممرّضة على المريضة التي دخلت حجرة
الكشف في تمهّلٍ وتُؤدَّة فنظر إليها "كريم" - الذي جلس على مكتبه مرةً
أخرى - فوجدها شابةً جميلة - رغم تحفّظها في زينتها - رشيقةً أنيقةً ذات مظهرٍ
لائقٍ جذّاب تخبّئ عيْنيْها وراء نظّارةٍ سوداء - رغم قرب انتصاف الليْل - كي لا
تظهر عليها أمارات المرض والضعف وجلست إلى مكتبه وخلعت النظّارة فأشرقت عيْناها
الساحرتان رغم ذبولهما وبدأت تكلّمه فقالت بصوْتٍ خفيض :
- مساء الخير يا دكتور .. أنا آسفة جيت لك
متأخّر .. بس انا تعبانة قوي.
- خير؟ .. سلامتِك؟
- أنا كنت عند الدكتور اللي بيعالجني م الضغط
العالي من شويّة وقال لي لازم تروحي لدكتور كِلى ده الوقت حالاً وادّاني عنوان
حضرتك.
- أهلاً وسهلاً .. اسمِك بالكامل إيه؟
- "عبير السيّد أحمد المعطاوي".
- سنِّك؟
- إتنين وتلاتين سنة.
- مدام ولّا آنسة؟
- مدام.
- فيه حمل أو رضاعة؟
- لأ .. أنا مطلَّقة من فترة.
- بتشتغلي؟
- ف ديوان عام وزارة الخارجيّة.
- عندِك أمراض تانية غير الضغط العالي؟
- آه .. بيجيلي كل فترة والتانية حصوات ع
الكلى .. ساعات بتبقى صغيّرة وبتنزل على طول .. وساعات بتبقى كبيرة وباضطر اعمل
لها تفتيت أو اشيلها بعمليّة .. لحد ده الوقت عاملة أربع عمليّات .. آخرهم الصيف
اللي فات.
- بتحسّي بإيه بقى؟
- زي ما حضرتك شايف كده وشّي وارِم خصوصاً
تحت عينيَّ .. وفيه صداع جامد وزغللة .. وبيجي لي ترجيع كتير وما ليش نِفس للأكل
.. وباتعب من أقل مجهود بسيط .. حتى السلّم ما باقدرش اطلعه إلّا لمّا اريّح كل
شويّة .. وساعات ما باعرفش اخد نَفَسي كويّس .. ده غير إني ما باعملش حمام ميّه
غير مرّة أو اتنين ف اليوم كلّه والبول بيبقى غامق وكميّته بسيطة قوي .. أنا كنت
فاكرة إن الكلام ده كلّه م الضغط .. بس دكتور "فهمي" قال لي إنه م
الكِلى.
- طب اتفضّلي اطلعي على سرير الكشف.
وبعد أن أنهى "كريم" كشفه على
"عبير" جلس إلى مكتبه وقال لها في اهتمام :
- حضرتِك طبعاً ليكي تأمين صحّي .. صح؟
- طبعاً .. بس انا مش عاملة الدفتر بتاعه ..
أصلي بصراحة ما باحبّش اروح هناك .. زي ما حضرتك عارف المعاملة بتاعتهم وِحشة
وعلاجهم م النوع الرخيص اللي ما بيعملش حاجة.
- أصل انا شاكِك إن يكون عندِك فشل كلوي مزمن
واحتمال نحتاج غسيل كلوي لمدّة طويلة وده مكلّف جداً.
- مش مهم التكاليف .. المهم ما يطلعش فيه فشل
كلوي إن شاء الله.
- عموماً التحاليل هيَّ اللي ح تأكّد لنا ..
من فضلِك خدي ورقة التحويل دي واطلعي بسرعة ع المستشفى وانا ح احصّلِك على طول ..
ما فيش وقت .. واعملي حسابِك ع القُعاد ف المستشفى أسبوع ع الأقل.
- طب ما تخلّينا بكره.
- ما ينفعش حالتِك حرجة جداً وممكن تدخلي ف
مضاعفات خطيرة .. أصل الطبيعي إن الكلى بتنقّي الدم من السموم اللي فيه زي
البولينا والكرياتينين وأملاح النقرص وبتفرزهم ف البول .. إنتي بقى الكلى عندِك
شغّالة برُبع كفائتها بس فلو السموم دي اتراكمت ف الدم ح تعمل مشاكل كتيرة ..
فلازم ننقّي الدم بكلية صناعية بدل الطبيعيّة اللي مش شغّالة كويّس .. ده بقى اللي
بنسمّيه الغسيل الكلوي .. ح ندخّلِك العمليّات ده الوقت ونركّب لِك قسطرة ف الوريد
بتاع الفخد ولو ما عرفناش ح تبقى ف الرقبة موقّتاً لغاية ما ندخّلِك جراحة تانية
بعد كام يوم نعمل لِك فيها وصلة بين الوريد والشريان بتوع الإيد بنسمّيها شَنْت أو
فيستيولا .. وعن طريق القسطرة دي ده الوقت أو الشَنْت دي بعدين ح نسحب دمِّك كلّه
بالتدريج ونعدّيه على فلاتر مكنة الغسيل الكلوي اللي ح تحل محل الكلية الطبيعيّة
وترجّع الدم تاني لجسمِك بعد ما تنقّي الدم من السموم اللي فيه .. وعمليّة الغسيل
دي ح تبقى مبدئيّاً مرتين أو تلاتة ف الأسبوع .. حسب التحاليل ما ح تقول .. وإن
كان على حضور حد من أهلِك معاكي فممكن تتصلي بيهم ده الوقت تبلّغيهم.
- لأ .. أنا أهلي ف الصعيد .. أنا قاعدة ف
"القاهرة" لوحدي علشان الشُغل هنا .. أنا كنت عايزة أأجّل الموضوع ده
علشان الحق أحضّر شنطة هدومي ولوازمي اللي ح اقعد بيها ف المستشفى الكام يوم دول
.. أصل عربيتي بتتصلّح وخايفة اخد تاكسي لوحدي ف الساعة المتأخّرة دي وانا تعبانة
كده.
- إذا كان على كده اخدِك معايا ف عربيتي
اوصّلك بيتِك واستنّاكي تحت تحضّري شنطتِك .. ما انا كده كده ح اطلع من هنا ع
المستشفى.
- أنا متشكّرة لتعبك معايا.
- لا أبداً ما فيش تعب ولا حاجة .. أهم حاجة
نطمّن على صحّتِك.