الفصل السابع
الأربعاء 7 / 10 /
2020
باقي أربعة أيّامٍ
على النهاية (1)
رغم كـوْنها جزءاً
أصيلاً من العالم فإنّ "مصر" ستظل نموذجاً فريداً يختلف عن سائر البلاد،
فجميع التغييرات التي حدثت في العالم طالت "مصر" طبعاً ولكنّ هذا البلد
العجيب- الذي يضم بيْن حناياه مترادفاتٍ متباينة وخصالاً متناقضة- قد عانى
تحوّلاتٍ أكثر حدةً وتبديلاتٍ أشدّ تطرّفاً تعكس مدى استعداده لتغيير سلوكـيّاته وسجاياه
ما بين طرفة عين وانتباهتها شرط توافر النيّة الصادقة وتواجد العزم الأكيد فعن هذه
التغييرات تستطيع أن تتحدّث ولا حرج؛ فقد انقلبت أغلب الأمور رأساً على عقب وتستطيع
أن تلمح ذلك بسهولة إذا كنت مكان "باسم" الذي ذهب لجريدته في الصباح
الباكر بناءً على استدعاءٍ عاجل من رئيس التحرير:
- صباح الخير يا
فندم.
- صباح النور يا
"باسم".
- خير يا فندم؟..
كنت عايزني ف حاجة؟
- تعالى يا
"باسم" ساعدني ف الحوسة اللى انا فيها دي.. عايزك تراجع معايّ إخراج وتنفيذ
الماكيت بتاع العدد الأسبوعي بكره.. ده آخر عدد ح يصدر قبل يوم القيامة.
- طب وسكرتير
التحرير ومدير التحرير راحوا فين؟
- من ساعة ما العلما
أكّدوا إن نهاية العالم يوم عشرة عشرة وهمّ ما جوش الشغل ولا بيردّوا ع التليفونات..
الظاهر قاعدين ف بيوتهم يصلّوا ويستغفروا ربّنا ع البلاوي اللي عملوها قبل كده.
- ما احنا عملنا
بلاوي راخرين وبنيجي الشغل برضه.
- دي رسالتنا ف
الحياة يا "باسم".. المواطن له الحق ف المعرفة حتّى آخر نَفَس لينا.. ما
شوفتش فيلم "تايتانيك" ولّا إيه؟.. شوفت الناس كلّها بتدوّر على أي حاجة
تنقذ بيها حياتها والفرقة الموسيقيّة بتعزف ألحانها والقبطان ومساعدينه برضوا
بيؤدّوا رسالتهم للآخر لغاية ما السفينة غرقت بيهم.. ولّا انت رأيك إيه؟
- أنا كنت فاكرك
عايزني علشان أمضي العقد بتاع البرنامج اللي ح نعمله سوا.
- برنامج إيه يا
راجل.. دي حتّى القناة بقت بتذيع قرآن بس ده الوقت.. وباقي قنوات الأفلام والتمثيليّات
والأغاني والرياضة والأطفال شغّالة قرآن بس.. قنوات الأخبار والقنوات الدينيّة بس
هيّ اللي فاضلة زي ما هيّ.. إحنا يا دوب نطلّع العدد الأخير ده ونروّح بيوتنا نقعد
نصلّي ونصوم ونستغفر احنا كمان في الكام يوم دول.. وربّنا يتولّانا بقى احنا وعيالنا.
- واللهِ يا باشا
انا مش مصدّق اللي بيحصل لغاية النهار ده.. معقولة كل حاجة تطّربق فوق دماغنا كده
ف يوم وليلة؟
- طول عمر الموت
قريّب منّنا يا "باسم".. مين فينا كان ضامن عمره لحظة واحدة.. غيرش بس
احنا اللي الدنيا كانت لاهيانا وما كنّاش بنفكّر غير ف ملذّاتها ومتعها وشهواتها ونسينا
إنّه لابد ح ييجي اليوم ونقف قدّام ربّنا ويحاسبنا على كل المعاصي والذنوب اللي
كنّا بنعملها يوميّاً من غير ما نحس بإنّها حرام.. أنا قعدت امبارح بالليل لوحدي ف
البلكونة أسترجع شريط حياتي كده اندهشت قوي من الحاجات الغلط اللي كنت باعملها وانا
ما عنديش أي إحساس بالذنب.. وفضلت اعيّط بحرقة وادعي ربّنا يسامحني.. تفتكر أوان
التوبة فات يا "باسم"؟
- يعني انا شيخ يا
باشا!!.. ما انا متنيّل زي حالاتك ويمكن أكتر.. بس عشمنا ف ربّنا كبير إنّه يقبل
توبتنا قبل ما.... ما نموت.
- ربّنا غفور رحيم
إن شاء الله.. ياللا بقى نراجع البروفة بتاعة عدد بكره.. يمكن تبقى آخر أعمالنا
الكويّسة وتشفع لنا ف يوم الموقَف العظيم.
- تحت أمرك.
- بص يا سيدي..
الصفحة الأولى ح يبقى فيها اللوجو والترويسة بتاعة الجريدة كالمعتاد.. والمانشيت
الرئيسي ح يبقى كدهو: "الرئيس يلغي حالة الطوارئ ويُصدِر إعلان دستوري جديد
يتنازل فيه عن معظم صلاحيّاته وسلطاته ويمنحها لمجلسي الشعب والشورى ومجلس
الوزراء".
- للدرجة دي عايز
يخلص من حِمْله قبل ما يقابل ربّنا.
- وده خبر تاني كمان
شبه رئيسى: "رئيس الوزراء ينوب عن وزراء حكومته في طلب الصفح من المواطن
المصري لتقصيرهم في حقّه وعدم تحقيقهم الحد الأدنى من طموحاته ويناشدون كل صاحب
مظلمةٍ أو حقٍ ضائع التوجّه فوراً إلى أقرب وكالة وزارة معنيّة لردّ المظالم وإعادة
الحقوق إلى أصحابها".
- أخيراً عرفوا إن
الله حق.. ما كان م الأوّل.
- وباقي الصفحة ح
نخصّصها للأخبار العالميّة الطازة اللي ح تيجي لنا من تيكرز وكالات الأنباء النهار
ده بالليل.
- أومّال فين مكان
الإعلانات؟
- إعلانات إيه يا عم
الحاج؟.. الإعلانات كلّها اتلغت.. مين ح يدفع فلوس للإعلان عن سلعة مش ح نلحق
نستهلكها قبل ما نموت كلّنا؟.. الناس بتوفّر فلوس الإعلانات وتطلّعها للناس
الغلابة لوجه الله.. يمكن ربّنا يجعلها ف ميزان حسناتهم.. ده فيه ناس أصحاب شركات
ومحلّات بيطلّعوا كل بضايعهم اللي كانوا محتكرينها م المخازن ويوزّعوها ع الناس
ببلاش علشان يدعوا لهم كام دعوة تنفعهم.
- سبحان الله.. يعني
هوّ لازم الدنيا تتهّد علشان قلوبنا تحن ع الغلابة.
- المهم.. عندك
ملاحظات تانية ف الصفحة الأولى؟
- آه فين صور الريّس
ورئيس الوزرا والمسئولين الكبار؟