إعلام مصر يقع في براثن أعداء "مصر" الثلاثة
لم يكن "توفيق الحكيم" أديباً وروائيّاً
فقط .. بل كان فيلسوفاً ومفكّراً عظيماً .. وكانت له قدرةٌ هائلة على طرح خواطره وآرائه
من خلال الحوار الشيّق الذي يستدرجك إليه فتقفز معه فوق دفّة كتابه لتبحرا سويّاً
في خضم عباب أفكاره العميقة ورؤاه الثاقبة التي تتقاذفك بينها حتى تكوّن رأياً
قاطعاً خاصّاً بك فترسو به على بر الحقيقة والواقع .. وفي طريقه لخلق هذا الحوار الفكري
الثري وإبداع تفاصيله الدقيقة لجأ الرجل إلى حيلةٍ طريفة بأن افترض أنه يتجاذب
أطراف الحديث مع طرفٍ ثانٍ غير عاقل (كالحمار في كتابه: حماري قال لي) أو جمادٍ لا
حياةَ فيه (مثل كوكب الأرض في كتابه: حديثٌ مع الكواكب وكالعصا في كتابه: عصا
الحكيم).
وفي "عصا الحكيم" دار حوارٌ فكريٌ
مُتخَيَّل بين توفيق الحكيم وعصاه الشهيرة .. تلك العصا التي عكف على حملها سنواتٍ
طويلة حتى أصبحت تلازمه وكأنها جزءٌ من ذراعه لتسير معه وتنتقل برفقته من مصيرٍ
لمصير دون أن تُبدي أي ضجرٍ من تلك الصحبة.
وعندما شاهدت مقطع الفيديو المرفق بهذا
المقال تذكّرت على الفوْر ما جاء بيْن طيّات هذا الكتاب الممتع عندما قالت العصا لصاحبها
"توفيق الحكيم":
-
إن لـ"مصر"
ثلاثة أعداء.
فرد عليها "الحكيم":
-
أعرف: الفقر والجهل
والمرض.
فصحّحت له العصا وقالت:
-
لا .. بل الدجل
والتهريج والنفاق.
وقد اجتمع الآن في عصرنا الحديث (وبعد حوالي 65 عاماً من نبوءته الصادقة) هؤلاء الثلاثة أعداء معاً في إعلامنا الفقير النقير والذي يضم بين جنباته الدجّالين والمهرّجين والمنافقين من كل شكلٍ ولوْن .. وأصبح الإعلام الحالي كبقعة الظلام التي تزحف على الوطن والمواطنين فتغيّبهم بعيداً عن الوعي والإدراك بدلاً من أن يكون كالنبراس المنير الذي ينشر المعرفة والنضوج بينهم .. ولا حوْل ولا قوّة إلّا بالله.