أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

صورة واحد أرمل (1)

 

 

الإثنيْن:

ذهبتُ – أنا والعيال – لزيارة زوْجتي في مستشفى "القصر يا عيني" حيث كانت قد تم حجزها فيه بعد إصابتها بوَعكةٍ مُفاجِئة إثر خلافٍ حادٍّ معي على مصروف البيت بعد أن طلبتْ مني الإقلاع عن شُرب السجائر والامتناع عن الذهاب للقهوة تأسيساً على المَثَل الذي يقول: "اللي يعوزُه البيت يحرَم ع الجامع"، وطبعاً انتهى هذا النقاش الجَدَلي بيننا – كالعادة – بأن ضغطها عِلي ووقعِتْ من طولها ونقلناها المُستشفى وحصل اللي حصل.

عند دخولنا العنبر وجدنا سريرها فاضي فاتخضّينا عليها قوي لدرجة إن كيس البرتُقان اللي كُنت جايبهولها وقِع من إيدي، لكن العيّانة اللي في السرير اللي قُدّامها طمأنتنا قائلةً وهي تجمع معي حبّات البُرتقال:

-       ما تِقلَقش يا سي الافندي .. مراتك بخير .. هيَّ بَس راحت الدُورة وجايّة على طول.

جلسنا على سريرها ننتظرها ولكنها تأخَّرت فتبرَّعت تلك العيّانة بالذهاب إلى الحمّام لتُخبرها بمجيئنا، ولم تمضِ لحظاتٌ إلا وسمعنا صواتاً عالياً يأتي من جِهة الحمّام فاندفعت جميع المريضات في عنبر 3 حريم نحو دوْرة المياه ومعهن بعض المُمرِّضات لتستطلِعن الخبر، وما إن دخلن هن الأُخريات حتى بدأوا في الصراخ والولولة، وأخيراً عادت العيّانة الأولى وقالت لي وهي تبكي:

-       دخلت الحمّام لقيت مراتك "أم شرارة" .. إهئ إهئ إهئ .. لقيتها .. يا حبيبتي .. إهئ إهئ .. لقيتها .....

-       لقيتيها إيه يا وليّة؟ .. ما تقولي.

-       لقيتها يا حبِّة عيني واقعة ف عين الكنيف ومسلِّمة الروح.

-       يعني إيه واقعة ف عين الكنيف؟ .. إزّاي؟!!!

-       الظاهر اتزحلقِت فوقعِت زرع بصل براسها جوّه عين الكنيف العربي وما عرفِتش يا عيني تطلَّع راسها ولا تنادي على حَد يلحقها.

-       إيه الوَقعة الغريبة دي!!! .. لمّا اروح الحقها انا.

-       ما خلاص .. إهئ إهئ إهئ إهئ .. ما المُمرِّضات جابوا شاكوش وكسروا قاعدة الكنيف وطلّعوها ونضَّفوها بس كان خلاص .. إهئ .. السِر الإلهي كان طلع .. المرحومة ماتت غرقانة ف الـ.... الظاهِر اللي دخلِت الحمّام قبلها ما كانِتش شَدِّت السَفون اللي كان بايظ.

أُصِبتُ بالذهول بعد أن عقدت تلك الكارثة الشاذّة لساني، وتأكَّدتُ حينها أن المرحومة كانت نحس وفقريّة في حياتها ومماتها أيضاً.

الثُلاثاء:

تسلَّمنا الجُثّة من ثلّاجة المُستشفى وذهبنا بها إلى المدافن لنواريها الثرى، وبعد أن حملتُها أنا وأخوها ونزلنا بها القبر ونحن في مُنتهى الحُزن والتأثُّر تركناها تحت الأرض وصعدنا، ثم أغلقنا عتبة القبر وأَهَلنا فوْقها التُراب، وتحلَّقنا حوْل القبر وبدأ أخوها في الدعاء لها بصوْتٍ عالٍ ونحن نُردِّد وراءه ما يقول، وأثناء ذلك غلبتني دموعي بعد أن تذكَّرتُ أن زوْجتي ماتت وأصبحتُ أنا أرمل، فجاءت أُختي الصُغرى "وفيقة" تواسيني، وعندما جذبتني من رقبتي لأنحني حتى تستطيع أن تُقبّلني وتُطيّب خاطري همست في أُذُنها بصوْتٍ خفيض:

-       هيَّ مين السِت المليانة شويّة دي اللي لابسة نضّارة سودا؟

-       أنهي واحدة؟

-       السِت الكيرفي دي اللي جنب سبيل الميّه الكولدير .. اللي حاطّة مكياج خفيف وروج نبيتي.

-       دي السِت "فاتن العايق" صاحبة محل الكوافير اللي ع الميدان .. بتسأل ليه؟!!!

-       أصلها ما شاء الله حِلوة قوي .. ودي متجوِّزة؟

-       آه يا خويا متنيّلة متجوِّزة .. إنت ما لك بيها؟!

-       ما انتي عارفة يا "وفيقة" إني بقيت ده الوقتِ أرمل ولازم اتجوِّز واحدة تاخُد بالها مني وم العيال.

-       يوه! .. ينيّلك!! .. هوَّ انتَ لحقت يا راجل يا حَيْحان؟!!!

-       وما لُه .. هوَّ انا باتكلِّم ف حاجة عيب .. ده انا عايز اتجوِّز على سُنة الله ورسوله.

-       يا راجِل مش وقته .. استنّى شويّة .. دي جِتّة الوليّه لِسّه ما بِردِتش.

-       طب شوفي لي .....

وقطع حديثنا بعض المُعَزّين الذي جاءوا لتعزيتي ف المرحومة قبل أن ينصرفوا .. ربِّنا يرحمها ويبشبِش الطوبة اللي تحت راسها ويوفَّقني ألاقي بِت الحلال اللي تجدِّد شبابي اللي راح مع الوليّه النكديّة دي.

وفي المساء – بعد انتهاء العزاء – اختليْتُ بـ"وَفيقة" وفاتحتها في الموْضوع الذي لم نُكمِله، فنصحتني بالانتظار قليلاً حتى تنزِل قريتنا ف "ميت ياعيش" وتستلقط لي واحدة أرملة أو مُطلّقة بدون أوْلاد وتكون غلبانة وبتاعِة عيشة وتستحمل خدمتي أنا والعيال، طلبتُ منها الإسراع في هذا الأمر بحُجّة إن العيال مستعجلين قوي.

الجُمعة:

رُحت القهوة وسهرت براحتى مع الشِلّة وقعدنا نلعب طاولة ودومينو للصُبح، والغريب إني كسبتهم كلهم على غير العادة، الظاهر نحسي اتفَك بعد الوليّة ما اتقلبت لوجه كريم، ولم أنسَ أن أُوصي كل الحاضرين ليبحثوا لي عن واحدة بنت حلال تشيل الهَم بعد المرحومة.

(يتبع)