صورة واحدة أرملة (1)
الثُلاثاء ظُهراً:
فتحت عيني وبصّيت ع المنبِّه اللي ع
الكومودينو لقيت الساعة حداشَر ونُص الصُبح وانا لِسّه ع السرير، يا نهار أبيض
راحِت عليَّ نومة، أوِّل مرّة أنام بالعُمق ده من غير ما اقلق من شخير المدعوق
جوزي اللي يجيب لآخر الشارع ويصحّي الميّتين، من ساعِة ما اتجوِّزته وهوَّ على ده
الحال، راح لميت دكتور وعمل أربع عمليّات ف مناخيره وما فيش فايدة، لا طِب نافع
ولا تجريب وصفات
بلدي شافع، ما اعرفش اللي فيه ده أصله إيه؟!!، ده لو كان أهله اسكندرانيّة وجدوده
همَّ اللي اكتشفوا هَرَم "شخّارة" ما كانش ده بقى حاله، قُصره .. زمانه
اتنيّل صِحي وانكشح راح ع الشُغل من بدري، أقوم بقى اشوف اللي ورايا علشان الحق
اعمل الغّدا قبل ما يطُب عليَّ ويعملها شُغلانة.
إيه ده؟!!!، اتعدلت ع السرير لقيت الموْكوس
لِسّه نايم جنبي، داهية لتكون راحِت عليه نومة هوَّ راخر، زمانه ح ينيّلني ع
الصُبح ويقول لي إن انا السبب عشان ما صَحّيتهوش بدري، ناديت عليه بصوت عالي:
"إصحى يا عب جبّار .. إنت لِسّه نايم؟!"، ما ردِّش عليَّ ردِّت الميّه ف
زوره، أعدتُ النداء مع هَزِّه هزّاتٍ عنيفةٍ وبرضُه ما فيش فايدة، داهية لتكون
غيْبوبة هبوط السُكَّر جات له تاني، بس تيجي له ازّاي وهوَّ واكِل بقية حلّة محشي
الكُرنب ع العشا وخلّى ريحة الأوضة تِعمي؟!!!، ما بِدّهاش أقوم له أحسن، نزلت من ع
السرير ولفّيت له م الناحية التانية وأنا باقول:
-
يا راجِل قوم .. ده
احنا بقينا الضُهريّة .. يا راجِل (عمّالة أهِزُّه) .. "عب جبّار"
(باهِزُّه تاني) .. "عبدُه" (اضطرّيت أضربه قلم على وِشّه) .. يا خرابي
.. "عبدوووووووه؟" (ظللتُ أضربة بالاقلام والقفوات مع ما تيسَّر من
لكماتٍ بقبضة اليد على كِتفه وصدره دون جدوى).
وجريت وانا مفزوعة ع البلكونة وناديت الواد "شمّاعة"
صبي المكوجي ليلحقني بدكتور المستوْصف اللي على أوِّل الشارع.
وبعد دقائق حضر الطبيب مُصطحِباً حقيبته ومعه
عددٌ لا بأس به من الجيران وناس الحِتّة، وبعد الكشف انتحى الطبيب بجارنا الحاج
"الغازولي" جانباً وهمس له ببضع كلماتٍ وافرنقع خارجاً بمُنتهى السُرعة،
بدا التأثُّر على "الغازولي" وهو يقول:
-
البقاء لله يا جماعة
.. الحاج "عبد الجبّار ضرغام" اتوفّى .. شِدّي حيلِك يا سِت
"مُستكينة".
وما أن قال عبارته الأخيرة حتى نَدَتْ عني
صرخةٌ عاليةٌ طويلة: "يا دهوتااااااي" أعقبتها إغماءةٌ لم أشعُر بعدها
بأي شيء.
الثُلاثاء عصراً:
أفقتُ من إغماءتي فوجدتُ نفسي مُلقاةً على
الكَنَبة وحوْلي جيراني من سِتّات الحِتّة: "حَميدة"
و"ابتسام" و"أم البُرص" و"عديلة" وأُختها
"عويلة"، كانت إحداهن تحمل بصلةً وأُخرى معها كولونيا وتُحاوِلن جميعاً
إفاقتي ومواساتي والطبطبة عليَّ ونظرات الحُزن والشفقة تكسو وجوههن، كُن يتَّشحن
بالسواد وفي الخلفيّة صوْت المذياع على محطّة "القرآن الكريم"، فأدركتُ
ما حدث وبدأتُ أبكي بحُرقةٍ وهن معي.
وأعطتني "أم البُرص" عُلبةً من
العصير وأمرتني بإلحاح أن أشربها حتى لا تُعاوِدني الإغماءة، شربتُ العصير
مُضطرّةً وأنا قلبي يعتصره الحُزن والمرارة لأنه كان عصير كوكتيل فواكه وأنا أصلاً
باحب المانجه.
انتهى رِجّالِة الحِتّة من تغسيل وتكفين جوزي
– الله يسامحه بقى – وشالوه هيلا بيلا وحطّوه ف الخشبة وطلعنا بيه ع القرافة، ركبت
الميكروباس بتاع الاسطى "نُصحي أبونيه" مع باقي نِسوان الحِتة اللي
أصرّوا ييجوا معايَّ يولوِلوا علشان يجاملوني ويعملوا الواجب .. ربّنا يقدّرني
وارُد لهم جمايلهم ف جنازات رِجّالتهم قريباً إن شاء الله.
وبعد أن دفنوا المخفي جوزي وقفلوا عليه
التُربة أحسستُ براحةٍ عميقةٍ تغمرني بعد أن خلّصني الله من هذا الراجل النتِن
اللي ما كُنتِش باطيقه ولا باطيق له زَفَرة، ولكنني تركتُ ما بالقلب ف القلب
واضطررتُ أن أعمل الواجب معه لآخر مرّة فكان عليَّ أن أرقع بالصوت الحيّاني واقُع
ع الأرض واحُط التراب على راسي مع ما قل ودل من إطلاق بعض كلمات الوداع الكاذبة
على شاكلة: "يا سَبْعي" و"يا جملي" و"يا اللي كُنت
مهنّيني" و"أروح فين من بعدك يا خويا" .. واللهِ ما يستاهل بَس
الواحدة بتعامِل ربّنا بقى.
وسحبوني بعيداً عن قبر اللي ما يتسمّى ولكني كُنتُ قد فرهدت من العياط والمجهود والحر فأُغشي عليَّ مرّةً أُخرى.