أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

صورة واحد داعية ديني (3)

 

 

-       طبعاً .. حلالٌ حلال .. "يا أيُّها النبيُّ لِـمَ تُحرِّمُ ما أَحلَّ الله لك" .. هو كل حَد ح يفتي ف الدين؟ .. الحلال بيّن والحرام بيّن .. والحاجات اللي ما نزلش فيه نَص صريح بتحريمها لا ف القرآن ولا ف الأحاديث الصحيحة اللي ليها سند قوي تبقى حلال .. واللي يقول عليها حرام يبقى كافِر .. قال تعالى: "قاتِلوا الذين لا يُؤمِنونَ باللهِ ولا باليوْمِ الآخِرِ ولا يُحرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ ورسولُه" .. وقال الرسول: "يُوشِك الرجلُ مُتَّكِئاً على أريكته يُحدِّث بحديثٍ من حديثي، فيقول بيننا وبينكم كتابُ الله عز وجل فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه، أَلَا وإن ما حَرَّمَ رسولُ اللهِ – صلّي الله عليه وسلَّم – مثل ما حَرَّم الله".

-       يعني أتّكَل على الله واكمِّل ف التجارة دي؟ .. دي مكسبها ألف ف الميّة.

-       كمّل على بركة الله .. وعلشان تطمِّن اكتر .. أنا مُستَعِد اشاركك ف التجارة دي .. بَس براس المال بَس.

-       واللهِ انا اتشرّف بفضيلتك .. ده انا حتَّى محتاج حد عنده مكان اخزّن فيه البضاعة .. وفضيلتك سُمعتك الطيّبة سابقاك ومش ح تبقى موْضِع شُبهة أبداً.

-       مهما كان .. أنا مش مُمكِن اعرَّض نفسي للخطر واخزِّن الحاجات دي ف بيتي.

-       مش لازم البيت .. مُمكِن أي حِتّة تانية عند فضيلتك.

-       أنا ما عنديش حِتّة تانية غير الجامع .. وطبعاً ما ينفعش .. عموماً لو تقدر تاخُد الفلوس بَس وتشغَّلها لي ماشي .. غير كده ما ينفعش .. يعني ح احُط لك البضاعة تحت سِجّاد الجامع مَثلاً؟!

-       ...........

-       إستنّى استنّى .. أنا عندي مكان كويّس قوي .. وما فيش حَد معاه مُفتاحه إلّا انا .. المبنى اللي ورا الجامع اللي بنحُط فيه السَجاجيد والحُصْر والكراسي .. إسمع .. إنت تجيب البضاعة ف عِز الضُهْر الاحمر ف صناديق كرتون مكتوب عليها "بخور" وتحمِّلها ف عربيّة مكتوب عليها اسم محل العطارة بتاعك .. وانا ح افهّم العُمّال اللي ف الجامع إني باتاجِر ف البخور معاك .. وابقى سيب لي كام صندوق فيهم بخور فِعلاً علشان استخدمه ف الجامع والناس تعرف إن نفس الصناديق دي فيها بخور حقيقي .. إيه رأيك؟

-       فكرة كويّسة قوي.

-       بس انا بقى ح آخد نصيبين .. نصيبي ف راس المال ونصيبي ف التخزين.

-       أمر فضيلتك.

وعادت هذه التجارة الآثِمة على "عبد الظاهر" بالمال الوفير فقرَّر أن يتوسَّع في نشاطه الديني فافتتح قناةً فضائيّةً دينيّةً وأسماها قناة "الظاهِر" وجعل شعارها: "الدين بين ظهرانيك .. ومظاهِر الدُنيا لا تُغنيك"، ولكي يؤكِّد على شعار القناة اشترى قصراً مهولاً على أطراف "القاهرة" وبعض السيّارات الفارهة التي كان يتنقَّل بها بين قريته ومنزله ومسجده هناك وبين مدينته وقصره وقناته هنا، وما بين هُنا وهُناك ملايين المُريدين والمُؤمنين والمَجذوبين والمَهووسين الذين يتبعونه في حِلِّه وتِرحاله، والذين يتهافتون على دروسه ولقاءاته وندواته وبرامجه وخطبه، والذين ما إن يروه حتَّى يتدافعوا حوْله بشِدّةٍ لربما مَكَّنهم القدر من مُلامسته أو طبع قبلةٍ على يده أو قدمه أو حتَّى تصيبهم لمحةٌ من نظره فتحل فيهم البركة ويعُم عليهم اليُمن وتسكُن نفسهم السعادة.

الإثنيْن:

كان "عبد الظاهر" يجلس في مكتبه بإدارة قناة "الظاهر" يُراجع بعض الأوراق فسمع طَرْقاً على الباب ثم دخل سكرتيره يُنبِئه بأن سيّدةً مُنتَقِبةً تُريد مُقابلته فسمح بدخولها، فدخلت بمفردها وهو يغُض بصره عنها، ولكن ما إن جلست أمامه حتَّى خلعت عنها نِقابها فتكشَّفت ملامحها البديعة عن جمالٍ أخّاذٍ يُبهِر مَن يراه حتَّى أن الإمام تخلّى عن تحفُّظه وأخذ يتأمَّل حُسْنها الفتّان، فبادرت السيّدة بالكلام:

-       مساء الخير يا سيّدنا.

-       مساء النور والجمال .. سبحان الله على جمالك.

-       مُتشكِّرة .. إنت عارفني الأوِّل ولّا لأ؟

-       لا واللهِ .. أنا عيني ما شافتش الجمال الربّاني ده قبل كده.

-       يبقى ما لكش ف التليفزيون بقى .. مع إن عندك قناة فيه .. قُصْرُه .. أنا "فاتن" .. فنّانة .. وكنت عايزة من حضرتك خِدمة .. ما حَدِّش ح يقدر يعملها لي غيرك.

-       يا سلام .. إنتي تأمريني وانا قادر اعمل لِك اللي انتي عايزاه بعون الله.

-       بصراحة يا شيخ انا كان نِفسي اطلع الحِج السنة دي واحَـجِّـج معايَّ أُمّي وخالتي.

-       حج مبرور .. وإن شاء الله ربّنا يتقبّل.

-       ما هي دي بقى الحاجة اللي جايّة لك علشانها .. فيه ناس كتير قالوا لي إن ربّنا مش ح يتقبّل مني الحِجّة .. إكمّني جايبة فلوسها م الرقص.

-       مين قال كده بس .. بقى ربّنا ما يتقبّلش م الجمال اللي أبدعه ده .. الناس دي ما بتفهَمش حاجة .. ما حدّش يقدر يقف بين الإنسان وربُّه .. دي حاجة بينِك وبين ربّنا .. لإن الإيمان مَحَلُّه القلب .. والقلب موجود ف صدر الإنسان .. وما حدّش يقدر يعرف اللي ف مكنون الصدور غير ربّنا سُبحانه وتعالى .. يقول تعالى في كتابه العزيز: "يعلم خائِنة الأعيُنِ وما تُخفي الصُدور" .. ويقول أيضاً: "إن اللهَ عليمٌ بذاتِ الصُدور" .. إنتي عارفة كام مرّة ف القرآن ذُكِرت فيها عبارة "عليمٌ بذات الصُدور" دي؟ .. إتناشر مرّة .. شوفي ربّنا بيأكّد كلامه ازّاي .. وما حَدِّش يقدر يكشِف ويختبر ما في سريرة الإنسان غير ربّه يوم القيامة .. "يوْمَ تُبلَى السرائِر" .. وربّنا بَس هوَّ اللي بيقبل الأعمال من عباده .. "وهو الذي يقبلُ التوْبةَ عن عِبادهِ ويعفو عن السيّئاتِ ويَعلَمُ ما تفعلون" .. "ألم يَعلَموا أن الله هو يقبَلُ التوْبةَ عن عِبادهِ ويأخُذُ الصدقاتِ وأن الله هو التوّاب الرَحيم" .. يبقى الناس دي ح تعرف إزّاي إن ربّنا ح يقبل ولا مش ح يقبل حِجّتِك؟!

-       أصلهم بيقولوا كده إكمّن الرقص حرام.

-       حرام!!! .. هوَّ خلاص .. بقى كل واحد بيفتي ف البلد دي .. سُبحان الله .. صحيح احنا ف زمن الروَيْبِضة .. زي سيّدنا الرسول ما توقَّع تمام.

-       إيه زمن الرواي ... بيضة ده؟

-       لأ .. بيضة إيه بَس .. إسمه الروَيْبِضة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنواتٌ خَدّاعات، يُصَدَّقُ فيها الكاذِب ويُكذَّبُ فيها الصادِق، ويُؤتمَنُ فيها الخائِن ويُخوَّنُ فيها الأمين، وينطِق فيها الروَيْبِضة، قيل: وما الروَيْبِضة يا رسولَ الله؟ .. قال: الرجلُ التافِهُ يتكلَّمُ في أمر العامّة" .. صدقت يا رسول الله .. الرقص حلال طبعاً .. لإنك لمّا بترقُصي بتخلّي الناس تستمتع بجمال خَلْق الله .. وإذا كان حَد بيبُص لِك بنيّة سيّئة وبيفكَّر فيكي أفكار وِحشة تُثير الغرائز تبقى دي مُشكلته هوَّ مع ربّنا .. إنتي ذنبِك إيه؟ .. عندِك أنا مثلاً لمّا باتفرّج على رقّاصة بتبقى نيّتي سليمة وما فيش ف دماغي غير إني اسبَّح بقُدرة ربّنا على روْعة الجمال الربّاني اللي خلقه من طين ثم سوّاه فعَدَلَه .. بسم الله الرحمن الرحيم: "الذي خلقكَ فسوّاكَ فعَدَلَكَ، في أي صورةٍ ما شاء رَكَّبَك" .. وبعدين اللي بيتفرّج ع الرقص ده بيتفرّج بإرادته دون إجبار .. ولو هوَّ عارف إن الرقص ح يثير غرائزه ما يتفرّجش .. ولو اتفرّج يبقى هوَّ اللي ح ياخُد الذنب .. زي مثلاً السكّينة: مُمكِن اشتريها بنيّة إني اقطّع بيها الخُضار ومُمكِن اشتريها بنيّة إني أقتل بيها بني آدم .. يعني المهم إنك ترقصي بنيّة سليمة علشان ما تتحسَبش عليكي سيّئة .. وحتّى لو اتحسبت؛ تيجي إيه جنب السيّئات الفظيعة التانية زي القوانين اللي بتفرض الظُلم والتعاسة على ملايين البشر أو التعذيب الخسيس ف السُجون أو انتهاك كرامة الإنسان أو حتَّى الفتاوى المُتعصِّبة اللي بتاخذ بالأصعب وبتشُق على الناس أو الدُعاة اللي بيأمروا الناس بالمعروف وما يعملوهوش وبينهوا عن المنكر ويقعوا فيه.

-       يعني الرقص مش حرام؟!

-       طبعاً مش حرام .. ده يمكن الرقّاصة عند ربّنا أحسن من شيخ زيّي .. مش انتي عارفة إن الحَسنة ممكن تتضاعف سُبعميت مرّة أو أكتر .. "مَثَلُ الذينَ يُنفِقونَ أموالَهم في سبيلِ اللهِ كمَثَلِ حَبّةٍ أنبتتْ سَبعَ سَنابلَ في كُلِّ سُنبُلةٍ مائةُ حَبّةٍ واللهُ يُضاعِفُ لمَن يشاء" .. ح نفترض إنها سُبعميّة بَس .. وبرضُه عارفة إن أي سيّئة كبيرة أو صُغيَّرة بتتحسَب سيّئة واحدة بَس من غير ما تتضاعف .. ده لو ربّنا كمان ما غفرهاش وتجاوز عنها .. "أولئِكَ الذينَ نتَقبَّلُ عنهم أحسنَ ما عَمِلوا ونتجاوَزُ عن سيّئاتهم في أصحابِ الجَـنّة" .. ح نفترض أن ربّنا ما غَفَرش وحسبها سيّئة واحدة .. يعني مثلاً نفترض إنك عملتي النهار ده عشر حسنات .. زي التصدُّق ع الفُقرا ومُساعَدة المُحتاجين وإصلاح ذات البيْن والصوْم والصلاة والحَج إلى آخره .. يبقى إنتي كده أخدتي سبع آلاف حسنة .. قُصاد كده عملتي عشر سيّئات .. زي الرقص لو اعتبرناه سيّئة والنميمة والشتيمة وعدم الصلاة وعدم الصوم إلى آخره .. يبقى انتي كده اتحسب عليكي عشر سيّئات .. إطرحي السيّئات من الحسنات تلاقي نَفسِك كسبانة ست آلاف تسعُميّة وتِسعين حَسَنة .. يعني ميزان الحسنات بتاعِك طابِب جامِد وح يغلب ميزان السيّئات بإذن الله .. فليس من العجيب إذن ولا من المُستَبعَد أن تكون الراقصة في أعلى عليّين من الجَـنّة .. فرحمة الله أعظم ممّا يصفون .. والله أعلم .. بس الفَتوى دي بينّا وبين بعض لإني ما اقدرش اقول كده للناس .. إنتي عارفة الناس تفكيرها مُتخلِّف ولازم آخُدهم على قد عقلهم وإلّا ح يعتبروني إنسان وِحِش .. النبي بيقول: "حدِّثوا الناسَ بما يعرِفون" .. وبيقول كمان: "ما أنتَ بمحدِّثٍ قوْماً حديثاً لا تبلُغهُ عقولُهم إلّا كان لبعضهم فِتنة" .. وسيّدنا "علي بن أبي طالب" بيقول: "خاطِبوا الناس على قَدْر عقولِهم".

-       واللهِ انتَ ريّحتني نَفسيّاً يا عمّو الشيخ.

(يتبع)