خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد صنايعي معمار (3) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق



صورة واحد صنايعي مِعمار  (3)

 

 

الخميس:

بعد الاصطباحة ع القهوة والذهاب للشقّة المذكورة وتغيير الملابس وشُرب كوبّاية الشاي وسيجارتين ثم الإفطار والحبس بعد منه بشاي وسيجارتين كمان وسماع ما تيسّر من أغاني "أُم كلثوم" ثم المهرجانات قُلت ما بِدّهاش بقى وقُمت اشتغلت لي ساعة بحالها، وبدأتُ أشعُر بالجوع فقُلت لـ"بروة":

-       ما تيجي ياد يا "بروة" نروح نعمل لحمة ف العيش .. حواوشي يعني .. نِفسي رايحة له النهار ده.

-       لحقت تجوع يا معلِّم .. ده انت لِسّه مقزقز رُبع كيلو لِب ابيض تصبيرة لحد الغَدا .. عموماً يلّا بينا.

ونظرت إلى "فصعون" موَجِّهاً حديثي له قائلاً بقرف:

-       وانت ياض خُش اشتغل ف الأوضة الجوّانيّة الصُغيَّرة .. ساعة زمن ونرجع لك.

فرد عليَّ بصوْتٍ خفيض:

-       شو عليه.

-       إنت بتبرطَم بتقول إيه؟! .. إحنا مش قُلنا نتكلِّم زي الناس.

-       شو عليه يا ريّس .. يعني لا بأس .. ماشي الحال.

ونظرت له شزراً من فوق لتحت قبل أن أنصرف، بصراحة الواد مؤدَّب ومُنَظَّم وبتاع شُغل بَس دَمُّه يلطُش وتقيل على قلبي، مِش حِلو كده، لا بياخُد ولا بيدّي معانا ف الكلام والهِزار ولا بيحكي حكايات ولا نُكَت ولا لُه ف الشاي والسجاير زيّنا، دي حتى الأغاني ما بيسمعهاش، بسلامته حاطِط سمّاعات الموبايل ف وِدانه وبيقعُد يسمع قرآن زي ما يكون ف ميْتَم لغاية ما جاب لنا الفقر، حتى القهوة ما بيعتِّبهاش ولا بيسهر معانا خالِص، واد ساكت وصامت وقامط على طول وكئيب وسهُن كِده ونازل عليه سَهم الله، علشان كده قرَّرت امشّيه آخر الأسبوع خصوصاً إن الشُغل بقى لُه فترة مش قَد كِده وعايز أوفَّر ف اليوميّات، زمان كان الواحِد تيجي لُه مقاولتين تلاتة وساعات أربعة وما كُنتِش باقول لاصحابها: "لأ" أو "مش فاضي" علشان المقاولات دي ما تطيرش لحَد تاني، وكُنت باتفق على كُل شُغلانة من دول واخُد عربونها م الزبون واربُطه معايا كام شهر، اشتغل هِنا حَبّة وهِنا حَبّة وقبل ما اخلَّصهم تكون جات لي مرمِّتين كده ف النُص ألضُم فيهُم همَّ كمان، ده الوقتِ ما فيش غير شقّة الدكتور دي اللي بقى لي فيها سِت تُشهُر، عشان كِده خايف اخلَّصها واقعُد من غير شُغل، آديني باسلِّك قِرشين كل كام يوم م الدكتور لغاية ما ربِّنا يفرجها .. الله يلعن سنسفيل الأيّام دي ويلعن خاش البلد دي اللي الواحد ما بياخُدش فيه حق تعبه وعرقه.

وذهبتُ مع "بَروة" إلى السوق حيْث اشتريْنا كيس لحمة مفرومة متلِّجة وكيس سدُق بقّالي ورُبع بسطرمة وبصل وطماطِم وفلفل اخضر وملح وفلفل اسود ورُحنا الفُرنة وفردنا اللحوم ع العجين وخرَّطنا عليها الخُضار ورشّينا التوابِل وعملنا لكل واحد مِنّنا رغيف من كل صنف، وأثناء انتظارنا لتسوية الأرغفة اتَّصل بي الدكتور صاحب الشقّة أكثر من مرّة ولكني لم أرُد عشان مش فاضي، ورجعنا بعد ساعتين ع الشقّة علشان نتغدّى، واحنا ف السِكّة وصّيت القهوجي اللي جنب العمارة إنه يجيب لي فنجان قهوة مانو وحجر معسِّل ويحصّلني بيهم بعد ساعة على ما نخلَّص الغَدا.

وما إن دخلنا الشقّة حتى استقبلنا "فصعون" وقال لنا أن الدكتور حضر للشقّة وسأل عني وانتظرني أكثر من ساعة ونِصف واتصل بي كثيراً، ولكنه انصرف بعد يأسه من حضوري أو الرد على مكالماته، واستكمل "فصعون" كلامه قائلاً وهو يزهو ويفتخر:

-       ها الطبيب دار في المنزل ودخل الحُجرة الداخليّة وانبهر بمستوى العمل ياللي تم بيها وصار مسرور كتير .. وأخذ رقم تليفوني وراح فايِت .. مشى بالسلامة.

-       انبهر وصار مسرور؟!!! .. هوَّ انت عملت إيه جوّا؟

-       كيف ما أمرتني .. اشتغلت فيها.

-       ورّيني كِده .. (وجريت نحو الاوضة الجوّانيّة) .. يا نهار أبوك إسوِد .. إنت إيه اللي هبِّبته ده؟

-       خير معلْمي .. شو بيك؟ .. إيش سوّيت انا يا عيب الشوم؟

-       شوم لـمّـا ينزل على دماغك يكسّرها يا شيخ .. مين قال لك تشطَّب الأوضة .. ده انت خلّصتها خالِص.

-       ولوْ .. إيش رأيك؟

-       الله يخرب بيتك .. ولمّا انت تخلّصها ف يوم ح نقعد نعمل إيه بعد كده؟ .. و ح نسحب فلوس م الدكتور ازّاي؟

-       ..........!!!!

-       قوم ياض ف داهية .. مش عايز اشوف وِشّك تاني .. خُد يوميتك أهِه .. عليه العوَض .. آدي آخرة اللي يشغَّل معاه عيال مش فاهمة ف أُصول الشُغل .. خلاص .. الشُغلانة لَـمِّـت وخدِت هوا.

وانصرف الواد السوري مصحوباً بلعناتي، وانصرفنا نحن أيضاً بعد أن تعكَّر مزاجنا وانسدِّت نِفسنا فلم نأكل الحواوشي اللي تعبنا فيه.

وأثناء جلوسي على المقهى في المساء فوجئتُ بالدكتور يحضر بنفسه ويأخذني من وسط القَعدة ليُنهي حسابه معي ويأخذ مفاتيح الشقّة مني ويُخبرني – بعد ما قال لي شويّة كلام بايخ – إنه مُستغني عن خدماتي، وعندما أخبرته أن لي مُتعلّقات خاصّة بي وبالواد "بَروة" موْجودة بالشقّة أجابني بأنه سوف يُرسِلها لي مع الصنايعي الجديد اللي ح يمسِك الشُغلانة بدلاً مني ويخلّصها ف إسبوع وبنِصف الأجر، فقُلتُ له:

-       يعني انتَ ادّيت عنواني هنا للصنايعي الجديد؟

-       لا .. ما هو عارفك .. أنا لِسّه قافل معاه التليفون ومخلّص معاه كل حاجة .. ده واد صنايعي إيديه تتلَف ف حرير .. ده انا انبهرت بشُغله.

-       عارفني وانبهرت؟! .. عارفني منين ده؟!! .. يكونش قصدك إن اللي لهف مني الشُغلانة يبقى .....

-       أيوَه .. هوَّ .. "فصعون" ولّا "فعصون" ده.

google-playkhamsatmostaqltradent