صورة واحد داعية ديني (4)
-
ما بلاش عمّو الشيخ
دي .. وبعدين زي ما ريّحتِك المفروض بقى تريّحيني .. ما تيجي تسهري عندي الليلة دي
.. علشان املّي عيني من جمالِك الربّاني ده؟
-
على طول كده ..ها ها
ها ها .. إنتَ باين عليك شقي قوي .. بَس يا ترى نيّتك ح تبقى سليمة زي ما بتقول
ولّا ح تطلع من ايّاهم؟
-
واللهِ أنا نيّتي
سليمة على طول .. بس مع حُسنِك الرهيب ده ما اضمنش نفسي .. علشان كده عندي فِكرة
حلوة تخلّينا ف السليم.
-
هيي هيي هيي .. إيه
هيَّ يا مُجْرِم؟
-
إنتي عارفة وضعي إيه
ف البلد .. وما اقدرش اتجوّز رقّاصة .. وده مش علشان انتي إنسانة وِحشة .. لأ ..
ده علشان منظري قُدّام الناس الجهلة المُتخلّفة اللي باقول لِك عليهم .. علشان كده
ممكن نستغل إن الإسلام يُسْر مش عُسْر .. ما هو زي ما حَلِّل العلاقة بين الراجل
ومراته حَلِّل كمان العلاقة بين أي راجل والجارية بتاعته .. بسـم الله الرحمن
الرحيم: "والذينَ هُمْ لفروجِهم حافِظون، إلّا على أزواجِهم وما مَلَكَتْ
أيْمانُهم فإنهم غيْرُ مَلومين" صدق الله العظيم.
-
وهوَّ احنا لِسّه ف
عصر الجواري؟
-
وهوَّ فيه عصر مُعيَّن
للجواري؟ .. هاتي لي نَص واحد صريح ف القرآن أو ف الأحاديث يحرّم امتلاك العبيد ..
الإسلام ما منعش الرِق .. بس بيُحِث على العِتْق .. وده اللي ح اعمله معاكي ..
ح اشتريكي في اليوم اللي ح نبقى فيه مع بعض .. وف آخر اليوم ح اعتقِك لوجه الله..
ماشي؟
-
وإيه بقى اللي
مخلّيك مُتأكِّد إني ح أوافِق على إني ابقى جاريتك أو عَبْدَة تحت أمرك؟
-
يعني انتي عُمْرِك
ما حبّيتي راجل قبل كده وقلتي له انا باموت فيك وباعبدك ومستعدّة اعيش معاك العُمْر
كُلّه جارية تحت رجليك؟ .. يا ستّي ده انا اتمنّى ابقى عبدِك ومِلْك إيديكي ..
وبعدين متهيّأ لي إن خمس تلاف جنيه مش وِحشين علشان تبقي جارية كام ساعة بس.
-
بصراحة انت مُقنِع جِدّاً
.. هيي هيي .. طَب اكتب لي تليفونك وح ابقى اتّصل بيك لمّا ارجع م الحِج إن شاء
الله.
وهكذا استمرأ "عبد الظاهِر"
استغلال مهارته في تحليل ما حرّم الله، ولم يستنكف عن ارتكاب المعاصي والكبائر مع
"فاتن" وأُخريات مثلها تعرّف عليهن من خلالها وقَبِلن أن يَكُن جارياتٍ
ليُغلِّفن خطاياهن بغلافٍ ظَنن أنه سيقيهن عقاب الله المحيق.
السبت:
امتلك "عبد الظاهِر" كل شيءٍ فيما
عدا شيئاً واحداً مُهِّماً: ألا وهو النفوذ والسلطة، فانتوى أن يملك هذا الشيء
أيضاً عن طريق ترشيح نفسه لعضويّة مجلس الشعب ليكتسب حصانةً ومكانةً ترفعه أكثر
فأكثر إلى عنان سماء الجاه والسلطان، فترشّح للمنصب عن الدائرة التي تقع بها
قريته وأخذ يُكثِّف من دعايته الانتخابيّة في اتجاهيْن؛ الأوّل ديني: بأن أوْعز
للناس وأفهمهم وأوْهمهم أنه مندوب الإسلام ومُرَشِّحه ومُمَثّله الأوْحد في
الدائرة وأن ما عداه من المُرَشَّحين يُحارِبون الإسلام ولا يُريدون أن يُقام شَرعه
أو يستوي في مكانه الذي يستَحِقّه، وأن مَن يُعطِه صوْته فقد نَصَرَ الإسلام
وأعزّه وله ثواب المُجاهِدين والمُناضِلين، وأن مَن يُعطِ صوْته لأيٍّ من المُرشَّـحين
المُنافسين فقد حارب الإسلام وخذله وعليه ذنب المارقين والمُرتَدِّين، لدرجة أنه
أطلق على العمليّة الانتخابيّة الديمقراطيّة (التي كان يعارضها قبل ذلك في تناقضٍ
واضح) اسم "غزوة الصناديق" التي ينبغي لها أن تنتهي بانتصار الإسلام
متمثِّلاً في فوْزه هو بمقعد الدائرة، أمّا الاتجاه الثاني فدنيوي: بأن كان يقيم
المآدِب والوَلائِم لأهالي الدائرة ويُقدِّم لهم الهدايا العَيْنيّة والمبالغ
الماليّة في صورةٍ فَـجّةٍ للرشاوى المُقَنَّعة بالإضافة إلى وعوده البرّاقة بجعل
الدائرة مَثَلاً يُحتَذى به في التطوُّر والتقدُّم والنهضة في جميع المناحي.
الجُمعة:
في أحد السُرادقات التي كان قد أقامها
للاجتماع بأهل دائرته ليحفّزهم على انتخابه كان "عبد الظاهر" واقفاً على
المنصّة يخطُب في حماسةٍ فأحس أوّل الأمر بدوارٍ خفيفٍ ما لبث أن ازدادت وطأته
شيئاً فشيئاً إلى أن أُغشي عليه تماماً فلم يشعُر بنفسه إلّا وهو مُـمَدَّدٌ على
فراشه بمنزل القرية وحوْله رَهْطٌ من مُناصِريه وقد أحاطوا بالطبيب الذي كشف عليه
فطمأنهم بأن ما حدث للإمام لا يعدو عن كوْنه مُجرَّد إرهاقٍ من كَثرة ما بذل من
مجهود، ولكن الإمام لم يطمئن لهذا التشخيص خاصةً أن الطبيب كان صغيراً ولا تبدو
عليه أمارات الخِبرة الكافية بعد، وأصر على أن يستعين في اليوم التالي برأي طبيبٍ
كبيرٍ له باعٌ طويل في "القاهرة".
السبت:
بعد أن أجرى الكشف وبعض التحاليل ورسماً لقلب
"عبد الظاهِر" أكّد الطبيب الكبير تشخيص الطبيب الأوّل؛ إلا أنه نصح
بعمل أشعةٍ مقطعيّةٍ على الرأس كإجراءٍ روتيني حتّى يطمئن على سلامة المُخ.
الأحد:
في مركز الأشعة جلس "عبد الظاهر"
في صالة الانتظار وهو مُرتَعِبٌ خاشياً أن تُظهِر الأشعة إصابته بمرضٍ عُضال،
وأثناء انتظار دوْره لاحظ دخول مريضٍ شابٍّ في مثل سنّه ولكنه كان يجلس على كرسيٍّ
مُتَحرِّكٍ تدفعه سيّدةٌ شابّةٌ يبدو عليها الحزن الشديد، وحين لاحظت السيّدة وجود
الإمام تركت مريضها واندفعت ناحيته، وبعد أن قبَّلت يده عرَّفته بأنها زوْجة هذا
المريض الشاب الذي اكتشف الأطبّاء وجود ورمٍ خبيثٍ بـمُـخِّـــه بعدما أُصيب بدوارٍ
عابرٍ (كالذي أُصيب به الإمام)، وسردت له باختصارٍ كيف أن هذا الوَرَم يزيد حجمه
بسرعةٍ رهيبةٍ ممّا أدّى إلى إصابة زوْجها بالشَلَل وتنبَّأ الأطباء بموْته في
غضون شهورٍ قليلة، وطلبت منه أن يدعو الله بأن يجعل الأشعة المقطعيّة التي سيُجريها
زوْجها اليوْم بُشرَى لتحسُّن حالته أو لتوقُّف الوَرَم عن النمو وبأن يرحمه من
آلامه وبأن يصبِّرها ويقوّيها على أن تحتمل الأمر وعلى أن تستطيع تكملة مشوار
تربية أبنائها بخيْر بعد رحيل الزوْج المتوقَّع، فأخذ "عبد الظاهر" يدعو
الله بخشوعٍ وخوْفٍ وهو يبكي ليس تعاطفاً مع السيّدة وزوْجها – فقد كان مُتبلِّد
الإحساس بغيره – بل لأنه خشى من نفس المصير عقاباً له على ما فعل من معاصي وذنوب
حلَّلها هو بعدما حرّمها الموْلى المُنتقِم الجبّار، وطلب الإمام من الموظّف المُختص
بمركز الأشعة أن يتبادل دوْره في إجراء الأشعة مع المريض المشلول الشاب وأن
يُدْخِل هذا المريض أوّلاً بدلاً منه لكيلا يتعب من الجلوس طويلاً على كُرسيه
المتحرِّك فانصاع الموظّف لطلب الإمام شاكراً له رِقّة شعوره ورهافة حسّه رغم أن
الإمام الأناني لم يكن يهدف إلّا إلى تأخير دخوله من شِدّة خوْفه ورُعبه فقد كان
حريصاً على حياته متشبِّثاً بها لأبعد الحدود.
وبعد خروج المريض الشاب لم يجد الإمام بُدّاً
من دخول حُجرة الأشعة وهو يُقدِّم ساقاً ويُؤخِّر الثانية، ولكنه بعد انتهائه من
إجراء الأشعة لم يُطِق صبراً على انتظار استلام تقريرها في اليوْم التالي وأصّر
على الانتظار حتَّى يكتب طبيب الأشعة تقريره فوراً، وبعد حوالي الساعة تسلَّم
الأشعة من الموظَّف الذي رفض البوْح بما في التقرير المكتوب باللغة الإنجليزيّة
متحجّجاً بعدم معرفته للمصطلحات الطبيّة، ولكن مظهر الموظَّف وملامح وجهه كانت تُنبّئ
بأنه يعرف شيئاً ويخشى البوْح به فازداد قلق الإمام فأخذ المظروف الذي يحوي الأشعة
والتقرير وتوجّه به من فوْره إلى الطبيب البارع الذي طلب منه عمل هذه الأشعة ولكن
وجد عيادته مُغلَقة فاتّصل به على هاتفه النقّال فوجده في بيْته، وبدون أن يترُك
له فرصةً لتأجيل الأمر طلب منه أن يُمليه عنوان بيْته لعرض الأشعة عليه حتَّى يطمئِن
الآن حالاً، وذهب إليه وهو في غاية القلق والاضطراب.
وعندما أعطاه المظروف أخذ "عبد
الظاهِر" يستطلِع ملامح وجه الطبيب علّها تُبلِغه بحقيقة الأشعة قبل أن يُفضي
بتشخيصه ففوجئ بأن الطبيب قد ارتسمت على قَسَمات وجهه أمارات التأثُّر والتألُّم
فلم ينتظر حتّى يبدأ الطبيب كلامه بل بادر بسؤاله:
-
هَه .. الأشعة فيها
إيه يا دكتور؟
-
آآآ ......
-
يا دكتور أبوس إيدك
طمِّني.
-
أنا الصراحة مش عارف
أقول لك إيه.
-
إيه؟ .. عندي وَرَم
ف المُخ .. صح؟
-
همَّ قالوا لك ف
مركز الأشعة؟
-
ما حَدِّش قال لي
حاجة .. أنا قلبي كان حاسِس.
-
معلهش .. دي إرادة
ربّنا .. وانت راجل إيمانك قوي .. واتعلّمنا منك إزّاي نحمد ربّنا على كل شيء.
-
يعني ما ينفعش معايَّ
أي علاج أو جراحة؟ .. إن شا الله تتكلّف ملايين .. أنا معايَّ فلوس كتير ومُستعد
ابيع كُل اللي ورايَّ واللي قُدّامي .. المهم إني اخِف.
-
للأسف يا شيخنا ..
ما يقدر ع القُدرة ألّا ربّنا .. الوَرَم كبير ومُتشعِّب وما ينفعش معاه أي حاجة ..
أنا آسف إني باصارحك بالحقيقة المُؤلمة دي .. بس انا ما اتعوِّدتِش أدّي العيّانين
بتوعي أمل كدّاب واخلّيهم يمشوا وَرا سراب يخدعهم ويضيَّع لهم الوقت اللي مُمكِن
يستعدّوا فيه لقَدَر ربّنا وقضائه.
- يعني برضه ح اتشّل واموت؟