أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

"للحب آلهة كثيرة" | الفصل الثاني (1)

- ياللا يا "بسمة" .. أنا كده اتأخّرت.

- خلاص أهُه .. الشنطة جهزت .. فاضل بس احط لك السندوتشات ف كيس لوحده.

- سندوتشات إيه يا شيخة .. ما المؤتمر ح يبقى فيه غَدَا .. وانا لسّه فاطر حالاً .. وبعدين انا رايح "اسكندريّة" صد رد .. يا دوب يخلص المؤتمر وارجع على طول.

- معلهش .. يمكن تجوع وانت رايح أو وانت جاي .. إحتياطي بس.

- ربّنا ما يحرمني منك يا ست الكُل .. مش كنتوا جيتوا معايا اتفسّحتوا .. ده المؤتمر ده معمول ف أفخم أوتيل ف "اسكندريّة".

- نتفسّح إيه بس يا "كريم" .. فيه حد يتفسّح ف "اسكندريّة" ف شهر "أمشير" .. العيال يعيوا.

- لعلمِك بقى "اسكندريّة" ف الشتا أحلى م الصيف.

- معلهش المرّة الجايّة إن شاء الله .. كده خلاص .. تبقى تحط الشنطة ف شنطة العربيّة .. وخلّي كيس الأكل جنبك بس خد بالك أحسن الميّه والعصير يتكبّوا.

- تسلم إيدك .. ح توحشيني .. ما تجيبي بوسة بقى.

- ياراجل انت مش بتقول اتأخّرت!

- خدي بالِك انتي بقيتي مطنّشاني خالص .. وكل وقتِك وتفكيرِك ف العيال .. وانا طُظ .. طول اليوم يا ف شُغلِك برّه يا قاعدة مع العيال تضحكي وتغنّي وتلعبي معاهم وتنزلي فيهم بوس .. وانا خلاص .. إتركنت ع الرف.

- إنت ح تغير م العيال يا "كريم" .. ده انت مُخَّك صغيّر قوي.   

- ماشي يا ستي ح ابقى اخد بدل البوسة عشرة لمّا ارجع إن شاء الله .. إبقي بوسي العيال لمّا يصحوا.

- حاضر .. تروح وترجع بالسلامة .. سوق على مهلك .. هوَّ دكتور "شوقي" مش رايح معاك؟

- لا يا ستّي زمانه سافر ف قطر ستّة ونُص .. أصله ما بيحبّش السفر بالعربيّات.

- طَب خُد بالك من نفسك .. لا إله إلّا الله.

- محمدٌ رسول الله .. سلامُ عليكم.

وغادر "كريم" منزله واستقلّ سيّارته متّجهاً إلى "الأسكندريّة" عبر الطريق الصحراوي، وبعد أن قطع نصف المسافة بسلام نظر في ساعته فوجدها تشير إلى التاسعة إلّا الرُبع فأدرك أنه لن يستطيع اللحاق ببداية المؤتمر في العاشرة إلّا إذا أسرع أكثر فاضطر أن يتجاوز السرعة المقرّرة، وفي أحد المنحنيات ونظراً للسرعة الجنونيّة التي يقود بها سيّارته ولأن الطريق كان مبتلّاً بسبب الأمطار لم يستطِع "كريم" أن يتحكّم في مقود السيّارة التي انحرفت بشدّة خارج الطريق الممهّد وانقلبت عدّة مرّات على الرمال، وتجمّع كل مَن كان على الطريق لينقذوا "كريم" الذي فقد الوعي وأصيب بإصاباتٍ خطيرة فأخرجوه بصعوبة ونقلوه بالإسعاف لأقرب مستشفى حيث تبيّن بعد الأشعة وجود كسرٍ بالعمود الفقري يحتاج إلى إجراء جراحةٍ عاجلة في مستشفى متخصّص بمثل هذه الحالات في "القاهرة".

وهناك تمّت الجراحة بعد أن استغرقت حوالي الخمس ساعات ونُقِل "كريم" بعدها إلى غرفة العناية المركّزة في حين خرج الطبيب المسؤول ليربّت على كتف "بسمة" - التي تكاد تنهار من هوْل الموْقف - ويدعوها إلى مكتبه ليشرح لها حالة زوْجها بالتفصيل فقال :

- حمد الله على سلامته يا دكتورة "بسمة".

- الله يسلّمك يا دكتور .. يعني ح يبقى كويّس إن شاء الله.

- واللهِ ما اقدرش اخبّي عليكي .. خصوصاً إنِك دكتورة وعارفة إن كسور العمود الفقري خطيرة جداً وساعات ما بتعدّيش على خير.

- يعني إيه؟ .. أرجوك صارحني.

- بُصي يا ستي .. العمليّة كويّسة جداً .. بس ما نقدرش نحكم عليها ده الوقت .. خصوصاً إنه ساعة الحادثة فقد دم كتير وإن الناس طلّعوه م العربيّة بطريقة غلط .. طبعاً إنتي عارفة إننا المفروض لمّا ننقل حد مصاب ف الضهر أو الرقبة لازم نثبّت رقبته وضهره كويّس قوي قبل ما نحرّكه .. للأسف ده ما حصلش .. الناس طبعاً مش فاهمين الصح م الغلط .. عايزين يطلّعوا المصاب بسرعة وخلاص .. ده يشدّه من إيده وده من تحت باطه وده من وِسطه وده يزقّ رجليه .. للأسف الكسر اللي حصل ف الفقرتين بقى مفتّت وأخدنا وقت طويل على بال ما ثبّتناه بشرايح ومسامير .. إحمدي ربّنا إن الحبل الشوْكي ما اتقطعش وإلّا كانت ح تبقى مصيبة ما لهاش حل.

- طب ده الوقت ح نعمل إيه؟

- ولا حاجة .. ح نستنّى أمر ربّنا .. ح يفضل ف العناية المركّزة لغاية ما تعدي التمانية واربعين ساعة اللي جايين دول .. لو فضل عايش يبقى ربّنا كتب له عُمْر جديد .. إدعي له انتي بس .. وتأكّدي إننا مش ح نبخل عليه بأي وقت أو مجهود .. ده مهما كان زميل لنا برضه.

- إن شاء الله ح يعيش .. بس حضرتك شايف إيه؟ .. ح يفضل طول عمره مشلول؟

- زي ما قلت لك إن الحبل الشوْكي سليم الحمد لله .. بس فيه تجمّع دموي كبير ضاغط عليه .. إحنا ف العمليّة شِلنا جزء من التجمّع على قد ما قدرنا وربطنا الأوعية الدموية اللي بتخرخر دم وبتتسبّب في تكوّن التجمّع ده تاني .. بس فيه شعيرات دمويّة صغيّرة قوي لسّه بتجيب دم رغم الكَيْ اللي عملناه .. وإن شاء الله لو قام بالسلامة ح نبقى نحاول نقلّل حجم التجمّع ده علشان نقلّل الضغط على الحبل الشوْكي علشان ما يبقاش فيه شلل دائم .. ح نشوف لسّه .. ما نقدرش نتأكّد ده الوقت .. كل اللي انا متأكّد منه إنه لو فضل عايش ح يبقى عنده شلل ف النُص التحتاني من جسمه بسبب ضغط التجمّع الدموي ع الحبل الشوْكي  .. مش ح يقدر يحرّك رجليه ولا يتحكّم ف التبوّل ولا التبرّز ولا الوظيفة الجنسيّة .. ده غير إنه ح يفقد الإحساس بالنُص ده خالص .. والكلام ده ح يقعد من ست شهور لسنة كاملة .. ف الفترة دي لو قدرنا بالعلاج الدوائي والأشعة العلاجيّة والعلاج الطبيعي إننا نزيل التجمّع الدموي من غير مضاعفات يبقى ح يرجع زي الأوّل بإذن الله والشلل ح يروح تماماً بدون ما يترك أي أثر .. إنما بقى لو التجمّع الدموي فضل زي ما هوَّ الفترة دي أو حصل له تليّف يبقى الحبل الشوْكي ح يفقد وظيفته تماماً أسفل مستوى الإصابة وح يفضل طول عمره مشلول.

- إن شاء الله ربّنا ح ياخد بيدّه ويقوم زي الفل ويرجع لي انا وعياله بالسلامة ويملى حياتنا تاني .. ما تتصوّرش يا دكتور أنا حالتي عاملة إيه ده الوقت .. أنا ماسكة نَفسي بس علشان اعرف اقف جنبه واخدمه .. أنا خايفة انهار واحنا ما لناش حد ف الدنيا دي كُلّها .. أنا لو حصل لي حاجة مين ح يخدمه ويخدم العيال؟

- إن شاء الله ربّنا ح يقدّرك .. إجمدي بس وقومي صلِّ ركعتين شُكر لله إنه نجّاه لحد ده الوقت .. وادعي له يعدّي المحنة دي على خير.

 

 

(يتبع)