"إن خيْرَ مَن استأجرتَ القويُ الأمين" صدق الله العظيم
الفريق "مهاب مميش" (70 عاماً)
نموذج لضابط الجيش الرائع فهو رجلٌ محترم ومهذّب جداً وأسلوبه مع مرؤوسيه في منتهى
الرقي والتحضّر .. وقد لمست ذلك بنفسي عندما شرفت بالعمل -كضابط - بلواء الغوّاصات
تحت قيادته المباشرة عام 1996 وقت أن كان عميداً .. بل دخلت بيته _كطبيب _ في
منطقة ميامي بالأسكندريّة ورأيت أخلاق أسرته العالية وتواضعهم الجم وحسن استقبالهم
وكرمهم لمَن يتشرّف بزيارتهم .. ولكنني –كمواطن - اعتقد أنه أدى واجبه على أكمل
وجه وقد آن الأوان لإعطاء الفرصة لكوادر أخرى وإفساح المجال عموماً للقيادات
الأصغر سناً .. لماذا نصر على الاعتماد على مَن هم فوق سن التقاعد فحالتهم الصحية
(وهذا ناموس الحياة) لا تمكّنهم من ممارسة مهامهم الصعبة على أكمل وجه؟ .. إن كان
هذا بسبب خبرتهم العريضة وتاريخهم المشرّف فإننا بذلك نحرم من يليهم من اكتساب
الخبرة وصنع تاريخ خاص بهم رغم كفاءتهم وتقدّم علومهم تأسيساً على نظرية تطوّر
الأجيال التي نهملها تماماً.
ولماذا تم تكليف سيادته برئاسة الهيئة العامة
للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدرجة وزير بالإضافة إلى عمله؟ .. هل عقمت مصر عن
إنجاب خبير اقتصادي يتولّى هذا المنصب الذي لا يحتاج إلى ضابط (مهما كان عظيماً)
لم يدرس مبادئ الاقتصاد .. لماذا نعتمد منذ أيام الفراعنة على أهل الثقة دون أصحاب
الكفاءة؟
لقد صدق الله تعالى حين قال في كتابه العزيز: "إن خيْرَ مَن استأجرتَ القويُ الأمين" (ولم يقل سبحانه: إن خير مَن استأجرت القريب منك أو الذي تعرفه أو الذي تثق به ويُخلِص لك) وقد قيلت هذه العبارة على لسان "صفورا" عندما كانت تحكي لأبيها سيّدنا "شعيْب" عليه السلام عن نبي الله "موسى" (الذي تزوّجها فيما بعد) بعد أن سقى لها ولأختها ماشيتهما .. ولمّا استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: "وما علمك بذلك؟" قالت: "أمّا قوّته فما رأيتُ من علاجه ما عالج عند السقي على البئر، وأمّا الأمانة فما رأيتُ من غَضِّ البصر عني" .. أي أن وصفها لسيّدنا "موسى" بالقوي كان بسبب ما رأته من حُسن إدارته للأمور وكفاءته وسرعة إنجازه في استخراج الماء من البئر بعدما أظهر قوّته بحمل الصخرة التي كانت تسد عيْن البئر والتي لا يستطيع حملها سوى بضعة رجال .. ووصفته بالأمين لأنه سار أمامها حتى لا يضطر للنظر لجسمها إذا سارت هي أمامه .. الخلاصة أن سيّدنا "موسى" كان ذو صحةٍ موفورة وعقلٍ راجح وسرعة أداءٍ بجانب الأمانة وحسن التديّن والأخلاق الرفيعة .. وهي الصفات التي ترجّح كفّة أي مسؤول أو قائم بالعمل فوق كفّة إخلاصه ووفائه لرب العمل أو لرئيسه الذي قام بتعيينه .. ويا حبّذا لو جمع المسؤول بين الكفّتيْن: الكفاءة والثقة .. والله من وراء القصد.