ترند شيماء سوستة بين السكوت عنه لإماتته والحديث عنه لمكافحته
تُعتبَر كلمة
"ترِنْد" "Trend" من المصطلحات الحديثة التي اقتحمت مفرداتنا حديثاً ..
فالترجمة العربيّة لهذه الكلمة الإنجليزيّة تعني: توجّه أو تيّار أو ميْل أو رغبة
.. ولكنها في قاموس التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) تعني: توجّه عام أو صيْحة
رائجة أو موضة منتشرة أو خبر ساخن أو موضوع مثير أثار ضجّةً بيْن الناس فصاروا يبحثون
عنه ويتابعونه على مواقع الإنترنِت المختلفة .. وتأتي أهميّة الـ"ترند"
في أنه يجذب انتباه العامّة الباحثين عن أحدث تقليعة ليكونوا (من وِجهة نظرهم)
متابعين لآخر الأحداث التي طرأت على الساحة فيتوافدون على الدخول على مصدر أو
موْقِع هذا الحدث على الإنترنِت ممّا يسبّب رواجاً شديداً لأصحابه ويحقّق لهم
ملايين المشاهدات فيحصدوا بذلك ملايين الجنيهات التي تأتي من خلال الإعلانات التي
تظهر على صفحات هذا الموقع.
وآخر "ترند" اقتحم علينا حياتنا
وأصبح يطاردنا مؤخّراً بيْن عشيّةٍ وضحاها هو فيديو لشابٍ (اسمه "يوسف سوستة")
ذو صوْتٍ أَجَش (يرى أنه مطرب) يرتدي ملابس رثّة ويبحث عن بطّة (أو دكر بط) في
الشوارع والخرابات ومقالب الزبالة وينادي عليها ببضع كلماتٍ ركيكة على خلفيّة
موسيقيّة مبتذلة (يرى أنها أغنية) .. وقد حقّقت هذه الأغنية حوالي 14 مليون مشاهدة
في أسبوعيْن فقط (بواقع مليون شخص يوميّاً) فصار صانعو هذا الفيديو من النجوم
الذين هبطت عليهم الثروة والشُهرة في زمنٍ قياسي فتهافتت عليهم الجرائد والمجلّات
والبرامج الإذاعيّة والتليفزيونيّة وصفحات المواقع على النِت .. واجتمعت الغالبيّة
العظمى من الناس على رداءة الفيديو ككل (في حين أُعجَبت به أقليّةٌ بسيطة) واختلف الناس في طريقة تناول الإعلام المصري لهذا الـ"ترند" ورأوا أن صُنّاع هذا
الكليب (مش جاي لي قلب اسمّيه أغنية) الشباب أخذوا حجماً أكبر كثيراً ممّا
يستحقّونه فانقسموا فريقيْن: فريقٌ يرى أن الإعلام قد أخطأ في اهتمامه بهؤلاء
الشباب تأسيساً على مقولة "أميتوا
الباطل بالسكوت عنه ولا تثرثروا فيه فينتبه له الشامتون" وفريقٌ يرى أن
الإعلام قد أجاد باستضافته لأولئك الشباب ومواجهتهم والمناقشة معهم من باب
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ولي في تلك المسألة بعض الملاحظات:
1- فيديو "يوسف سوستة" لا يرقى لأن نتناقش فيه أو نختلف
عليه أو نعتبره ظاهرة فلن أكتب عنه أكثر من ذلك.
2- منذ فترةٌ طويلة أصبحت مضامين "الترندات" التي تنتشر
كالنار في الهشيم والتي يتناولها الإعلام المصري بكثافة مضامين فارغةً لقضايا تافهة
ربما يكون القصد منها هو إلهاء الشعب بأمورٍ سخيفة بغرض تسطيح فكر العامّة وشغل
الرأي العام عن المشاكل الحقيقيّة للوطن كالحريّة والديمقراطيّة والعدالة
الاجتماعيّة والحالة الاقتصاديّة والتعليم والصحّة وغيرها ممّا يعطي الفرصة للنظام
بأن ينفرد بقراراته (كفرض الضرائب ورفع الأسعار والزج بالمزيد من المعارضين في
السجون وتكريس الحكم العسكري وغير ذلك من سياسات الأمر الواقع في ظل انبطاحٍ تام
لمجلس النوّاب أو النوّام) دون أن يجد مَن لديه الوقت المتاح والعقل الخالي
ليعارضها أو حتى يناقشها .. راجعوا معي مثالاً لتلك "الترندات" التي
تفشّت على الساحة مؤخّراً: كليب سوستة – منع حمو بيكا وشاكوش وغيرهم من الغناء –
خناقة هاني شاكر ونجيب ساويرس – فضيحة حفلة المطرب عمر كمال في السعوديّة – فستان
زوجة اللاعب محمد صلاح في حفل تسليمه إحدى الجوائز – تبرّع محمد صلاح لجمعية الرفق
بالحيوان – استبعاد مجدي قفشة ومحمد شريف لاعبيْ الأهلي ثم طارق حامد لاعب الزمالك
من تشكيلة المنتخب – هجوم أبو تريكة على الدعاية للشذوذ في الدوري الانجليزي – بطل
كمال الأجسام بيج رامي يتزوج مرةً ثانية دون إبلاغ زوجته الأولى – خناقة بين عميلٍ
وموظّفٍ في أحد فروع شركة فودافون – أحد القساوسة يطعن في نسب سيّدنا محمّد نبيّ
الرحمة (عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم) – الهجوم على الشيخ مبروك عطية بزعم
تحريضه ضد المرأة – ذبح أحد المواطنين وسط الشارع في الاسماعيليّة – شجار بين طالبيْن
بجامعة الأسكندريّة ينتهي بمقتل أحدهما – التطبيل لقرار عدم تمديد حالة الطوارئ –
رجوع مرتضى منصور لرئاسة مجلس إدارة نادي الزمالك – ملابس الفنانات في مهرجان
الجونة – فستان الممثلة نجلاء بدر في المهرجان – الهجوم على عرض فيلم
"ريش" في المهرجان – ثمن تي شيرت نجيب ساويرس المرسوم عليه بطوط – حرامي
يسرق موبايل مراسل أثناء بث مباشر – شائعة سقوط ميكروباص من فوق كوبري الساحل
وغرقه في النيل – تصريحات إلهام شاهين حول فيلم المومس الفاضلة – انتقاد إبراهيم عيسى لصيدلي يقرأ القرآن داخل صيدليته – طبيب يجبر ممرّض
على السجود لكلب – إلخ إلخ .. وهذه "الترندات" التي ذكرتها هي كل ما استطعت
أن أتذكر حدوثها خلال آخر شهرٍ أو شهريْن تقريباً .. أيْن هذه "الترندات"
من مشاكلنا الحقيقيّة التي يجب النقاش حولها والبحث عن حلول لها كأزمة سد النهضة
والفساد في وزارة الصحة وفشل المنظومة التعليميّة والتوسّع في بناء السجون وإصابة
مجلسيْ النوّاب والشيوخ بالموات وعدم مشاركتهم في منظومة السلطة وإهدار المال
العام فيما لا يفيد و .. و .. و ..
3- استضافة الإعلام للدهماء والتافهين (بداعي مناقشة قضايا الوطن
على الساحة بكل حريّة وشفافيّة في ظل غياب تام لعرض قضايا الوطن الحقيقيّة
الهامّة) ومنحهم الشُهرة (بعد تحقيقهم للثروة) يصيب الشباب الجاد الطموح بالإحباط
الشديد ويدمّر أي قدوةٍ أو مَثَلٍ أعلى لديه ويبعث له برسالةٍ خطيرةٍ مفادها
"الثروة والشهرة في مصر لن ينالها سوى الشباب الأخرق الجهول الذي يأتي
بالأعمال الرديئة الساقطة".
4- مقولة "أميتوا الباطل بالسكوت عنه" ليست دقيقة ولكن
صحيحها هو قوْل سيّدنا "عمر بن الخطّاب": "إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا
يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِه" ..
والمقصود بهذه العبارة أن يحرص العبد على إماتة الباطل بهَجْر الاعتقاد فيه وهَجْر
الدعوة له وهَجْر العمل به ولكن ليس بهجر الحديث عنه وليس بالسكوت عنه تماماً
بل الغرض من تلك العبارة هو وجوب اتخاذ موقفٍ إيجابي عن طريق مناقشة خطورته وإنكاره
والنهي عنه والتحذير منه والنُصح باتِّباع عكسه (أي اتِّباع الحق) حتى لا ينتشر ذاك
الباطل ويستشري ويستفحل خطره فيضر بالناس ويهدم أسس المجتمع.
5- ولكي أكون منصفاً وموْضوعيّاً فإنني أنصح بالسكوت
فعلاً في مواقف معيّنة ومواضع مخصوصة يكون فيها السكوت سبباً رئيساً لإماتة الباطل وذلك عندما يكون هذا الباطل مجهولاً غير معروفٍ للناس ولا أثر له فيهم ولا يُخشَى
منه فيكون السكوت آنذاك عوْناً على اندثار هذا الباطل وإماتته أو عندما تكون مفسدة
الكلام والإنكار أكبر من مفسدة المنكر الموجود فيكون السكوت حينئذٍ فضيلةً تنفع
ولا تضر (مثلما هو الحال في "ترندات" حفل الأخ "عمر كمال" وكليب
الأخ "سوستة" وفانلة الأخ "نجيب ساويرس") .. ولكن تبقى
القاعدة العامّة والأصل الرئيس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق رد
الأقوال الباطلة ومعالجة الأفكار المنحرفة والتحذير من الثقافات المنحلّة وبالخصوص
تلك التي تُنشَرُ على الملأ ويُراد بها تشويه الدين وإفساد المجتمع وإشعال الفتن
فيه (مثلما هو الحال في "ترندات" الدعوة للشذوذ الجنسي وانتشار العري في
مهرجان "الجونة" وتصريحات "إلهام شاهين") فحينها يكون السكوت
عنها سبباً في استفحالها وزيادة ضررها.