مَن هَدَّ وَجد (3)
و تغلّبت وسوسة
الشيطان الباطلة على نصائح الضمير الحقّة؛ فذهب "أشرف" إلى
"شديد" صاغراً مستسلماً وأبلغه برضوخه وانسياقه لأوامره فابتهج
"شديد" وقد أحّس بنشوة الانتصار على صاحبه القديم وقال :
- عين العقل يا صاحبي..
أنا كنت عارف إنّك ح توافق علشان كده انا محضّر لك أهو كل حاجة.. أوّلاً : دي
الرسومات الهندسيّة اللي كنت بتقول عليها ح تاخد وقت.. أنا خلّيت مهندس صغيّر عندي
يعملها ف يومين علشان ما اتعبكش.. إمضي هنا بقى تحت كلمة المهندس التنفيذي.. أيوه
كده.. وامضي هنا كمان.. وهنا كمان.. وهنا برضه.. تمام.. ثانياً : عايزك تمضي على
شويّة أذونات م المخازن بالأصناف اللي ح تيجي لك ف المشروع.. يعني ح تمضي الإذن ده
باستلامك عشر آلاف طن أسمنت.. وح تمضي على إذن تاني باستلامك خمس آلاف طن حديد
تسليح قُطر تمانية مللي.. وباقي الأذونات دي بقى فيها بقية الاصناف زي الرملة
والجير والبلاط والخشب وغيره.. وكل الحاجات دي ح تستلمها ف الموقع واحدة واحدة..
بس انا باحب يبقى ورقي كلّه كامل الأوّل.. أيوه امضي تحت المستلم.. الله ينوّر..
تمام.. أيوه.. إمضي بقية الأذونات كمان..... تمام كده.. ثالثاً : وعد الحر دين
عليه آدي إيصالات الأمانة اهِه قطّعها بنفسك.. رابعاً : خُد الشنطة دي.. فيها
الخمسين ألف جنيه اللي اتفقنا عليها.. بس ح تلاقي ظرف احمر كده في الشنطة.. ما لكش
دعوة بيه.. ده "مَلَك" مراتي باعتاه لمراتك مدام "أشجان"..
فيه مبلغ بسيط كده.. حاكم احنا تعبناها ف عزومة الأمريكان أوّل امبارح.. ويا ريت
تبلّغها تفوت علينا الجمعة الجاية الصبح بدري علشان المدام يا سيدي عايزة تِقِلب
الفيللا من فوقيها لتحتيها.. أصلها نضيفة جداً وبتحب تنفّض كل جمعة.. وانت عارف
الفيللا كبيرة والشغّالين قليّلين وهيَّ ما بتحبّش تدخّل البيت حد غريب وبصراحة
مدام "أشجان" إسكندرانيّة جدعة.. ربّنا يدّيها الصحة.
و تسلّم
"أشرف" الحقيبة السوداء وهوَّ في أشد درجات الحزن والأسى على ما آلت
إليه أحواله وأحوال زوجته من هوانٍ وانحطاط أمام الرغبات والأوامر الصارمة الشديدة
"لشديد" الذي أصبح يتحكّم فيه، وزوجته "مَلَك" التي ملكت زمام
"أشجان" وصارت تحرّكها كيفما شاءت، ولكن ما كان يعزّي "أشرف"
ويبعث فيه بصيصاً من نور الأمل هو "ريم" ابنته التي ما زالت بعيدة عن
وحل التنازلات الذي غرق فيه أبوها وأمّها من أجلها ومن أجل توفير غدٍ أفضلٍ لها.
و بعد ما يزيد عن
شهرٍ بعدّة أيّام انتهت "ريم" من محاضراتها اليوميّة وودّعت زميلاتها
وشرعت في الخروج من باب الكليّة فإذا بها تفاجأ "بشبل" ينادي عليها وهو
ينتظرها في سيّارته الفارهة الجديدة؛ فسعت إليه في دهشةٍ وعجب.
-
"شبل"!.. إنت إيه اللي جابك هنا؟.. وعرفت منين ميعاد خروجي؟
- اللي يسأل ما
يتوهش.. وبعدين جدول محاضرات سنة رابعة قسم عمارة متعلّق وأي حد ممكن يعرفه.
- خير.. فيه حاجة؟
- مالك مكشّرة كده..
إركبي وانا ح اقول لك.
- باقول لك إيه يا
"شبل".. أنا بنت غير اللي تعرفهم خالص.. أنا ما باحبّش الكلام الفاضي
وقلّة الأدب.. أنا عاملة حساب لباباك ومامتك بس.. إنما لو طوّلت ح.....
- بس بس.. طوّلت إيه
وقصّرت إيه.. دي طنط "أشجان" اللي باعتاني علشان أَوَدّيكي لباباكي ضروري..
أصله عايز يشوفِك.
- عايز يشوفني؟.. ما
احنا كنّا مع بعض ع الفطار النهار ده الصبح قبل ما يسافر.
- أصله تعب شويّة
وهوَّ ف الموْقع في "السويس" ونقلوه المستشفى هناك.. بس ما تتخضّيش..
بقى زي الفل ده الوقت.. بس ح يحطّوه تحت الملاحظة لغاية بكره علشان يعملوا له
شويّة تحاليل وأشعّات.. إطمئنان كده بس.
- يا حبيبى يا
بابا.. طب بسرعة نروح لماما ناخدها معانا..
- لأ.. ما هي عربيّة
م الشركة راحت لها اخدتها ع "السويس" علشان ما يضيّعوش وقت.. وانا قلت
لها إني ح اعرف طريقِك واوصّلِك بعربيتي لحد المستشفى.. أدخلي بقى واقفلي الباب
وراكي.
- أنا متشكّرة
جداً.. وآسفة إذا كنت اتسرّعت وكلّمتك بطريقة بايخة.
- معلهش.. ياما ف
الحبس مظاليم.. وبعدين أي بنت محترمة كانت ح تعمل اللي انتي عملتيه ده.. عادي
يعني.. أربطي الحزام بقى علشان انا باسوق بسرعة.
- أنا آسفة مرّة
تانية.. بقى لو كان بابا سمع كلامي واشتري لكل واحد فينا التليفون الجديد ده اللي اسمه
المحمول مش كنت زماني اطّمنت عليه ده الوقت.. قال إيه التليفون والخط غاليين..
إكمّنه لسّه طالع من كام شهر.. أهي مكالمة واحدة لبابا ده الوقت بمليون جنيه.
- إحنا فيها.. أنا ح
اخلّيكي تكلّميه حالاً م المحمول بتاعي.. ح اتّصل بمحمول بابا.. ما هو معاه ف
المستشفى.. إستنّي.
- الله يخلّيك خلّيني
اكلّمه.
- آلو.. بابا؟..
إزيّك؟.. عمّو "أشرف" عامل إيه ده الوقت؟.. طب الحمد لله.. أصل انا
معايَّ "ريم" وجايين لكم ع المستشفى.. طب هي عايزه تكلّمه علشان تطمّن
عليه.. واخد حقنة مهدِّئة ونايم؟.. طيّب هات لي طنط "أشجان".. إيه؟..
لسّه ما وصلتش.. طيّب طيّب.. إتصل بيَّ أوّل ما عمّو يصحى أو طنط توْصل.. مشينا من
عشر دقايق وح نكون عندكم ف بحر ساعة زمن.. ماشي ماشي.. أنا سايق على مهلي اهو.. ما
تخافش.. مع السلامة.
- على فكرة..
اليافطة اللي فاتت بتقول إن الطريق ده بيوصّل "للعين السخنة" مش
"السويس".
- واخد بالي.. أصل
طريق "السويس" ده الوقت تلاقيه زحمة وكلّه عربيّات نقل ومقطورات
وكونتينرات رايحة المينا.. إنما طريق "العين السخنة" ح يبقى فاضي.. صحيح
أطول حبّتين لكن أسرع كتير.
- آه والنبي.. عايزة
اطير لبابا بسرعة علشان اطمّن عليه.
- إنتي جيتي ف جمل..
إمسكي بس انتي كويّس.. على فكرة أنا جايب حبّة سندوتشات وعصاير.. بس حاططهم ف شنطة
العربيّة.. أوّل ما تحسّي إنك جعانة أو عطشانة قولي لي اقف على جنب اطلّعهم.. ماشي؟
- ماشي.. بس مين له
نِفس ده الوقت.
و مضت السيّارة تنهب
الأرض نهباً حتَّى قطعت المسافة في أقل من ساعة؛ حينها أوقف "شبل"
السيارة على جانب الطريق على مشارف "العين السخنة" فصاحت فيه
"ريم" :
- وقفت ليه؟..
كمّل.. عايزين نوصل بسرعة.
- ح نريّح بس خمس
دقايق.. أحسن الموتور يولّع من السخونيّة.. وفرصة ناكل لنا لقمتين بسرعة.
- لأ.. مش ح اقدر..
نِفسي مش جايباني أحط أي حاجة في بُقّي إلّا لمّا اطمّن على بابا.. يا ترى ما اتّصلش
بينا ليه عن طريق محمول عمّو "شديد"؟
- أكيد لسّه نايم..
عموماً بلاش أكل.. إشربي علبة العصير بس.. ما تكسيفينيش بقى.. ولا انتي مش عايزة تاخدي
مني حاجة؟
- لأ.. ما تقولش
كده.. هات العصير بس.
- لحظة
واحدة.......... إتفضّلي يا ستي عصير المانجه ده بتاعك.. إنما انا باحب عصير
التفّاح.. بالهنا والشفا.
و بعد أن تجرّعا
العصائر استكملا سيْرهما، ولكن بعد هُنيْهة أحسّت "ريم" بالنعاس يغالبها
وهي لا تستطيع حتَّى أن تحرّك أطرافها فشكّت في أن "شبل" قد دَس لها
مخدراً في العصير الذي شربته حتَّى آخر قطرة بعد إلحاحٍ شديدٍ منه، ولكن لم يسعها
أن تُبْدي أيّة مقاومة أو حتَّى ترفع صوتها بالصراخ إذ أنها ما لبثت أن استغرقت في
سباتٍ عميق.
و بعد ساعتيْن استيقظت
"ريم" مذعورة من غيبوبتها فألفت نفسها ملقاةً على فراشٍ وهي مجرّدةٌ
تماماً من ملابسها التي ارتدتها بسرعة ولملمت شتات نفسها وحينها أدركت ما حدث
فأخذت تبكي بحرقة وتنهال على وجنتيها باللطم والصفع وهي تكاد تُجَن من هوْل
الصدمة، وفي هذه الأثناء دخل عليها "شبل" وهو يقول مستهزئاً في لا
مبالاةٍ متناهية :
- معلهش هيَّ أوّل
مرّة كده.. بتبقى صعبة شويّة.. إنما بعد كده ح تتعوّدي.
فصرخت
فيه"ريم" وهي تحاول أن تلكمه بكلتا يديها في صدره ووجهه :
- حيوان.. قذر..
خسيس.
فدفعها
"شبل" بعيداً عنه وهو يقول في اطمئنان :
- صرّخي زي ما انتي
عايزة.. الشاليه بتاعنا هنا ف "العين السخنة" معزول عن بقية الشاليهات..
ما حدّش ح يسمعك.. ولو فكّرتي تقولي لحد ع اللي حصل ح افضحك لكل الناس.. أهلك
وجيرانك واصحابك والدنيا كلّها.. أصلي انا صوّرت كل حاجة بكاميرا فيديو.. وممكن
أعمل بالفيديو ده حتّة دين فيلم.. ياخد الأوسكار.. بس يا خسارة مش ح اطلع ف الفيلم
إكمّني كنت لابس قناع وانا باصوّر الفيلم.. يعني باختصار ما حدّش يقدر يمسك عليَّ
حاجة.. مش أستاذ بذمّتك؟
و لم تشعر
"ريم" بنفسها وهي تصرخ في عصبيّة وتضرب "شبل" في تشنّج؛ وحاول
"شبل" أن يجعلها تهدأ ففشل فما كان منه إلا أن انهال عليها ركلاً وصفعاً
حتَّى راحت في إغماءة وسقطت على الأرض، فحملها وألقى بها في المقعد الخلفي
لسيّارته متخذاً طريق العودة.
و قبل قليل من
وصولها لبيتها أفاقت "ريم" على صوت "شبل" وهو يخبرها بأنهما
على وشك الوصول ويذكّرها بأن عدم التكتّم على الأمر ستكون له عواقبٌ وخيمة، ولم
تستطِع "ريم" أن ترد عليه فقد كانت في حالة انهيارٍ كامل، وعندما نزلت
من السيّارة أمام منزلها سارت كالأسيرة ورنّت جرس الباب ودخلت حجرتها وهي واجمةٌ
مذهولة دون أن تنظر حتَّى لأمّها التي حاولت أن تتكلّم معها فلم ترد؛ فاتصلت
"بأشرف" طالبةً منه أن يحضر على وجه السرعة ويصطحب معه طبيباً ليرى ما
بالفتاة، وبعد فترة قصيرة حضر "أشرف" ومعه الطبيب الذي انفرد بالأب
والأم بعد أن كشف على "ريم" وأخبرهما بأنها تعاني من انهيارٍ عصبيٍ حاد
نتيجة صدمةٍ عصبيّة غير معروف سببها وأنه قد حقنها بمنوّمٍ لتستريح مؤقتاً حتَّى
يتم نقلها للإقامة بمستشفى الأمراض النفسية لحين استكمال علاجها واستقرار حالتها.
و مضى على
"ريم" أكثر من شهريْن ولم يطرأ على حالتها سوى تحسّنٍ طفيف، في حين أن
الأم والأب قد ساءت حالتهما النفسيّة كثيراً بعد أن انجلى سبب الصدمة العصبيّة
التي حلت بابنتهما الحبيبة؛ فقد أخبرتهما طبيبة المستشفى بأن "ريم" قد
تعرّضت لحادث اغتصاب، وقد عرفت الطبيبة هذا بعد أن سمعت "ريم" تهذي
بكلماتٍ تدل على ذلك وتأكّدت أكثر بعد إجراء الكشف الطبّي اللازم، ولكنها فشلت في
أن تعرف منها اسم الفاعل النذل.
و جلس
"أشرف" يتأمّل الأحداث الأخيرة التي مرَّ بها فأيقن أن هذا هو عقاب
السماء العادل لما فعله من معصيةٍ لخالقه وخيانةٍ لمبادئه، وأن ما فعله كان علامةً
فارقةً في حياته وحياة أسرته، فقد خسر ابنته التي انقطعت عن دراستها وتدهورت صحّتها
ولا يعرف متى ستسترد نفسها، وخسر أيضاً زوْجته التي أُصيبت بداء السكر وظهرت عليها
علامات الشيخوخة مبكراً وانكسرت روحها جرّاء ما حدث لابنتها الوحيدة، وخسر نفسه
بعد أن كان السبب في أن تحل لعنة الله عليهم ويصيبهم مَقْته وسُخْطه، كما خسر
المال الحرام الذي اكتسبه بعد أن تمَّ صرف معظمه على نفقات علاج ابنته التي لم تُشْفَ
بعد.
و لكن ما بال الله
لا يُنْزِل عقابه على "شديد" فهو أصل الشرور ومنبت الفساد؟.. سؤال دار
بخَلَد "أشرف" الذي سُرْعان ما استفاق بعد أن شتَّ بتفكيره فاستغفر الله
وتذكّر الآية التي يقول فيها رب العالمين : {وَلاَ تَحۡسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً
عَمَّا يَعۡمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٍ تَشۡخَصُ فِيهِ
الأَبۡصَارُ} صدق الله العظيم، وفي ذات اللحظة تذكّر "أشرف" حكمة ربّه
التي عجّلت بعقابه في الدنيا لربما تخلو صفحته من هذا الذنب في الآخرة، فانتفض
"أشرف" وعقد العزم على أن يتوجّه من فوره للنيابة ويعترف لها بما حدث
بينه وبين "شديد" وشركائه؛ علّه يتطهّر مما اقترفت يداه وعسى أن يغفر له
ربّه ويتوب عليه , وبالفعل نفّذ ما انتوى وكان - أثناء إملاء اعترافاته - مستعداً
لتوقيع أقصى عقوبة على نفسه التي لا يستكثرها قرباناً لإنقاذ ابنته مما هي فيه.
و في اليوم التالي استدعت
النيابة "شديد" لمواجهته باتهامات "أشرف" فحضر ومعه محاميه
الخاص ومحامي الشركة اللذان أنكرا جميع التُهَم الموجهة إلى موكلهما ودفعا بأن
"أشرف" يستبق اللجوء إلى النيابة قبل أن يُبَلِّغ "شديد" عنه
بتهمة التبديد والسرقة وخيانة الأمانة وعدم مراعاة الأصول الهندسيّة في بناء
المباني المسئول عن تنفيذها مما يعرّض حياة المواطنين للخطر، فصاح فيهما
"أشرف" قائلاً :
- حرام عليكم.. بقى انا
اللي باسرق وباخون الأمانة؟.. إتقوا الله.. ما تقول يا "شديد" ع
الحقيقة.
و لم يرد
"شديد" في حين قدّم محامي الشركة مجموعة من المستندات إلى وكيل النيابة
وطفق يقول :
- دي سيادتك أذونات
صرف م المخازن ماضي عليها المهندس "أشرف" بنفسه.. الإذن ده مثلاً بيثبت
إنه استلم ميت ألف طن أسمنت ف حين إن الأسمنت المستخدم ف المباني ما يزيدش عن عشر
آلاف طن بس بشهادة المهندس الاستشاري للمشروع "مطاوع الأمين" واللي بيراقب
تنفيذ العمل في الموقع.. حضرتك إسأله بقى ودّى فين التسعين ألف طن الفاضلين؟..
بلاش الإذن ده.. شوف ده يا فندم.. إذن تاني بتوقيع المهندس "أشرف" باستلام
خمسين ألف طن حديد تخانة تمنتاشر ملليمتر في حين إن الحديد المسلّح المستخدم ف
المشروع خمس آلاف طن بس وتخانتهم تمانية مللي فقط.. يبقى راح فين الحديد اللي استلمه
من الشركة وماضي عليه؟
و سأل وكيل النيابة
"أشرف" بحدّة :
- دي إمضتك ولّا لأ؟
فأجابه
"أشرف" بعد أن فحص المستندات جيداً :
- أيوه.. هي فعلاً إمضتي..
بس انا ماضي على عشر آلاف طن أسمنت وخمس آلاف طن حديد قطر تمانية مللي.. أكيد
زوّدوا صفر للعشرة بقت ميّة.. وزوّدوا صفر للخمسة بقت خمسين.. والتمانية حطّوا
جنبها واحد بقت تمنتاشر.. دول ناس حراميّة أصلاً.
فهب المحاميان
يعترضان على أسلوب "أشرف" وقال أحدهما :
- أرجوك يا سيادة
الوكيل إثبت اللي بيقوله المهندس "أشرف".. علشان تحفظ لنا حقّنا بالرجوع
عليه بالحق المدني لسبّه وقذفه موكّلنا المحترم.. وبعدين ما هو لازم يقول كده
علشان يخبّي اللي عمله.. طب ما فقّطش الأرقام بالحروف ليه؟.. ليه سايبها عايمة
كده؟
فرد
"أشرف" نادماً :
- علشان ما كنتش
واخد خوانة إن صاحبي اللي متربّي معايَّ يعمل فيَّ كده.
و طلب
"شديد" من وكيل النيابة أن يحيل جميع المستندات إلى خبير شؤون التزييف
والتزوير بالطب الشرعى لإبداء رأيه القاطع حول إدعاء "أشرف" بأن أرقاماً
قد أُضيفت للمستندات، فقد كان "شديد" واثقاً من أن الخبير لا يستطيع
الجزم بذلك خاصةً أن "شديد" قد أضاف هذه الأرقام فعلاً بنفس القلم الذي
كتبت به باقي الأرقام بعد أن وقّع عليها "أشرف" وانصرف من مكتبه مباشرةً.
و بعد أن انتهى
التحقيق أمر ممثّل الإدعاء بالقبض على المهندس "أشرف" وحبسه خمسة عشر
يوماً على ذمّة القضية.
و مرت من الأيّام
مائة ونيّف حين انعقدت المحكمة للبت في قضيّة "أشرف"، وقبل بدء الجلسة
كانت "أشجان" تقف ملتصقةً بالقفص الحديدي المحبوس فيه زوجها وكانت
تواسيه وتخفف من أحزانه ولكنها عجزت عن الرد عندما سألها عن "ريم"
فأطرقت برأسها مما جعله في أشد حالات القلق على ابنته وفسّر صمت زوجته بأن مكروهاً
شديداً قد وقع "لريم" ولكنها طمأنته بأنها بخير فلم يقتنع واستحلفها
بالله أن تُفْضي له بسبب إطراقها وسكوتها في أوّل الأمر؛ فاضطرت بأن تعترف له بأن
"ريم" قد بدأت تستجيب للعلاج أخيراً وبدأت تتكلّم معها فباحت لها بسرها
وأقرّت بالشخص الذي اغتصبها، وبعد إلحاحٍ كبير من "أشرف" نطقت بأنه
"شبل" ابن "شديد"، وبمجرّد أن سمع الأب هذا الاسم سقط على
الأرض وبدأت أنفاسه في التسارع أوّلاً ثم في التلاشي أخيراً، ولم تستطع
"أشجان" أن تصل إليه فلم تملك إلا أن تصرخ بعزم صوتها وكأنها تستغيث
بالمجتمع قبل أن تستنجد بالحاضرين :
- إلحقونا يا ناس..
غيتونا يا خلق هوه.. إنجدونا يا عالم.. رحمتك يا رب (*).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ