"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل السابع (3)
وسقطت السمّاعة من
يد "بسمة" فقد تأكّدت من شخصيّة زوجها وأيقنت أنها لا تتخيّل أو تتوهّم،
وبمجرّد أن استطاعت أن تعود لوعيها وتفكيرها سارعت إلى تليفون "عبير"
المحمول واطّلعت على المكالمات الفائتة باسم "حبيبي" فوجدت أن رقمه هو
نفس رقم زوجها.
وبدأت "بسمة"
في لملمة الخيوط الغائمة لتحل هذه القضيّة الغامضة التي أخذت تتكشّف أمامها رويْداً
رويْداً عن أن "عبير" هي عشيقة "كريم" الذي اعترف لزوجته أنه
تبرّع لها بكليته وأنهى علاقته بها كي لا تؤثّر على أسرته ولكن يبدو أن إصرارها
على استكمال علاقتها به دفعتها لأن تحاول هدم هذه الأسرة.
- ولكن إيه الدليل
القاطع على إن "عبير" هيَّ الست اللي اتبرّع لها "كريم"
بكليته؟
سألت
"بسمة" نفسها هذا السؤال الوجيه فتذكّرت عقد التبرّع المشطوب فيه اسم
السيّدة التي وكّلت طبيبها لقبول تبرّع زوجها، وحسمت "بسمة" أمرها سريعاً
لتتأكّد وقامت من فورها وارتدت ملابسها وتوجهّت للشهر العقاري قبل أن يغلق أبوابه
وأعطت لأحد الموظّفين هناك مبلغاً ماليّاً كبيراً ليكشف لها بصورةٍ وديّة عن
الاسميْن المشطوبيْن للطبيب وموكّلته في عقد التبرّع المكتوب فيه رقمه وتاريخ
توثيقه، ولم يغب الرجل طويلاً فقد عاد من حجرة "الميكروفيلم" بالخبر
اليقين وأبلغ "بسمة" أن اسم الطبيب هو "سعيد عبد الشافي
السباعي" وأن اسم السيّدة "عبير السيّد أحمد المعطاوي".
وأدركت
"بسمة" الحقيقة بحذافيرها عندما أخذت تراجع الأحداث من بداية معرفتها
"بعبير" التي كانت تريد أن تهدم بيتها لتستولى هي على "كريم"،
وفطنت "بسمة" للعبة "عبير" القذرة فقررت أن تسامح "كريم"
على نزوته الوحيدة وتعود له لتفوّت على غريمتها هذه الفرصة ولتفسد عليها خطتها
خصوصاً بعد أن تثبّت لها أن "كريم" كان صادقاً في اعترافه الأخير لها
فهو لم يعرف إمرأةً سوى "عبير" فقط التي حاولت أن تُفهِمها على غير
الحقيقة أنه زير نساء، وعادت "بسمة" لمنزل "عبير" لتجمع
ملابسها وتحزم حقيبتها لتعود لعشها بين كنف زوجها وأحضان ولديْها.
وعلى الجانب الآخر
فقد تسارعت الأحداث عندما لم يُطِق "كريم" صبراً حتى تعود
"عبير" من عملها وآثر أن يذهب لها في منزلها ليتكلّم معها مباشرةً
ويفاتحها فيما ينوي، وعندما ضغط على زر الجرس فتحت له "بسمة" فلم تكن
"عبير" قد عادت بعد فباغتته المفاجأة لدرجة أنه جمد في مكانه بلا حراك؛
فقط أخذ يحدق في زوجته التي كانت آخر إمرأةٍ في الكوْن يتوقّع وجودها بمنزل
"عبير"، وقبل أن يسرح بتفكيره بعيداً ويحاول أن يستخلص سر العلاقة بين
زوجته وعشيقته اللتيْن من المفترَض أنهما لا تعرفان بعضهما بادرته
"بسمة" بطلبها مغادرة المنزل حالاً قبل وصول "عبير" على أن
تشرح له ما عرفت، واصطحب "كريم" زوجته وحمل عنها حقيبتها وأغلق الباب
ورائهما.
وجلس الزوجان في
سيّارتهما بعد أن أوقفها "كريم" على أحد جانبيْ شارعٍ هادئ قريب من منزل
"عبير"، واستهلّت "بسمة" حوارها مع "كريم" قائلةً :
- قبل ما احكي لك على
أي حاجة عايزة ابعت رسالة "لعبير" علشان لمّا ترجع تقراها .. يمكن
تسيبنا ف حالنا.
- رسالة إيه؟
- دقيقة واحدة.
وانهمكت
"بسمة" في كتابة الرسالة التي لم ترِد أن تخبر فيها "عبير"
أنها اكتشفت حقيقتها، وبعد أن فرغت منها وأرسلتها إلى هاتف "عبير"
المحمول قرأتها على زوجها :
- أنا خدت شنطتي
ورجعت بيتي .. خلاص اتصالحت مع جوزي .. أصلي ما اقدرش استغنى عنه وعن ولادي .. وما
حدّش ح يقدر يفرّقنا عن بعض .. أرجوكي ما تتّصليش بيَّ علشان مسافرين نقضّي كام
يوم ف الساحل الشمالي.
- أنا مش فاهم حاجة
.. إنتي تعرفي "عبير" منين؟ .. وإيه اللي .......
- أنا ح اقول لك على
كل حاجة.
وسردت
"بسمة" قصّة "عبير" معها من أوّلها لآخرها فأدرك
"كريم" خطة "عبير" الخبيثة التي أرادت من ورائها أن تفرّقه عن
أسرته ليقبل بما عرضت عليه من قبل ويتزوّجها ليتحقّق لها ما تريد، وأمضى الزوجان
وقتاً طويلاً في سيّارتهما يتصارحان ويتكاشفان ويبوحان بما يكتمان داخل أسوار
عقليْهما وقلبيْهما، وتعاهدا أن يستمرا في حبهما وأن يكملا معاً حياتهما في وئامٍ
ووفاء وألّا يعطيا حاسداً أو حاقداً الفرصة كي يدخل بينهما ويخرّب ما اجتهدا في
بناءه طوال السنوات الماضية.
وفي تلك الأثناء كانت "عبير" قد عادت من عملها واطّلعت على سجل المكالمات الفائتة وعلى الرسائل المبعوثة فعرفت منها أن "كريم" قد حاول الاتصال بها عدّة مرّات وأن "بسمة" قد عادت لزوجها فحارت في أمرها ولم تدرِ معنى هذا التناقض بين هذا وذاك؛ فإذا عاد الزوجان لبعضهما فما سر إلحاح "كريم" في الاتصال بها؟، ولم تكن تدرِ كذلك أن "بسمة" كشفت ملعوبها الدنيء فلم تشِر الرسالة إلى ذلك أو تدل عليه، ولكن الذي كانت تدريه جيّداً وتعيه تماماً هو أن خطتها قد باءت بالفشل الذريع فلم تأتِ النتيجة على قدر المقدّمات؛ فيا ترى ماذا حدث لينقلب الأمر هكذا؟، ولم تضِع "عبير" وقتاً أكثر من ذلك واعتزمت أن تذهب مباشرةً إلى منزل "كريم" و"بسمة" قبل أن يسافرا فتُفصِح عن نفسها صراحةً وتفضح الأمر كلّه وتهدم المعبد على مَن فيه وليكُن ما يكون فإمّا نجحت في مسعاها فتفوز "بكريم" وإما أن تفشل فتكون النهاية، وبالفعل استقلّت سيّارة أجرة وطلبت من السائق أن يسرع في قيادته حتى تلحق بهما قبل السفر خاصةّ أن منزلهما يبعد كثيراً عن منزلها.