حادِثَةُ شَرَف (2)
دَقَّتْ ساعَةُ
الحائِطِ تُعْلِنُ الثانيَةَ مِنْ صَباحِ أَحَدِ الأَيَّامِ الصَيْفيَّةِ الحارَّةِ
حينَ كانَ "شَرَفٌ" يُطالِعُ كِتاباً وهوَ ممَدَّدٌ عَلَى الأَريكَةِ في
الصالَةِ بِجِوارِ أُخْتِهِ "شَيْماءَ" التي انْهَمَكَتْ هيَ الأُخْرَى
في مُطالَعَةِ شاشَةِ الكُمْبيوتَرِ لِتَتَصَفَّحَ حِسابَها في "الفيس
بوك" وتَتَواصَلُ مَعَ صاحِباتِها، وقَطَعَ السُكونَ صيْحةٌ نَدَتْ عَنْ "شَرَفٍ"
فَجْأَة :
- رائِع.
- هوَّ إيه دَه اللي
رائِع؟
- "يُوسِف
إدْريس".
- مين دَه؟
- مِشْ عارْفاه؟.. يا
دي الجَهْل.. مِشْ عارْفَة مين الأَديب الكِبير "يُوسِف إدْريس".. دَه أَمير
القِصَّة القَصيرَة.. دَه أَصْلاً دُكْتور بَشَري ولُه رِوَايات وقِصَص ومَسْرَحيَّات
ومَقالات ما لهاش حَصْر.
- وإيه اللي فَكَّرَك
بيه دَه الوَقْت وخَلاّك تِقول عَليه رائِع؟
- أَصْلي كُنْت باقْرا
لُه قِصَّة اسْمَها "حادْثِة شَرَف".. حِلْوَة قَوي.. بتِحْكي عَنْ بِنْت
ريفيَّة جَميلَة اسْمَها "فاطْمَة" عايْشَة مَعَ اخوها "فَرَج"
ومراتُه.. وكان كُل الرِجَّالَة مُعْجَبين بجَمالْها وأُنوثِتْها الطَبيعيَّة البَريئَة
الطاغيَة.. وكانِت هيَّ بتِتْصَرَّف بطَبيعِتْها مَعَ الناس بَسْ فِ حُدود الأَدَب
والأَخْلاق.. بَسْ اخوها كان خايِف عَليها دايْماً مِنَ المَشَاكِل اللي مُمْكِن
يتْسَبِّب فيها جَمالْها دَه فِ مُجْتَمَع مَقْفول وصُغَيَّر زَيْ القَرْيَة بتاعِتْهُم
وكان خايِف لَتْجيب لُه العار فِ يوم مِ الأَيَّام.. لِغايِة ما شاب مُسْتَهْتِر
مِ القَرْيَة مَعْروف بإنُّه فَلاتي وبِتاعْ بَنات اسْمُه "غَريب" حاوِل
فِ يوم يلْبَدْ لَها فِ الدُرَة وهيَّ رايْحَة الغيط عَلَشَان يكَلَّمها.. وأّوِّل
ما ظَهَر لَها فَجْأَة خافِت البِنْت وصَرَّخِت فَأَهْل القَرْيَة اتْلَمُّوا
عَلَى صواتْها وافْتَكَروا إنْ "غَريب" اغْتَصَبْها.. وللأَسَف أَخوها صَدَّق
زَيْ كُل الناس ما صَدَّقِت.. لِحَدْ ما السِتات كَتِّفوها وكَشَفوا عَليها غَصْبٍ
عَنَّها واتْأكِّدوا إنَّها لِسَّه بِنْت بنوت وعَرَفوا إنَّها مَظْلومَة ومَعَ ذَلِكَ
مَسَكْها "فَرَج" رَنَّها عَلْقِة موت وبَيِّتْها عَ الأَرْض مِنْ غير حَصيرِة
ولا غَطا وفَضَل حابِسْها أَسابيع فِ البيت عَلَشَان يثْبِتْ رُجولْتُه ويبَيِّن
للناس إنُّه بيحافِظ عَلَى شَرَفُه.. ومِنْ بَعْدَها اتْغَيَّرِت "فاطْمَة"
وضاعِت بَراءِة شَخْصيِّتْها الطَبيعيَّة بَعْد ما اتْجَرَحِت جَرْح عَميق قَوي عَمَل
شَرْخ كِبير جُوَّاها.. ورَغْم إنَّها فَضَلِت مُؤَدَّبَة وشَريفَة بَسْ سُلوكْها
اخْتَلَف مَعَ الناس وما بَقِتْش عَلَى طَبيعِيْتها وبَساطِتْها زَيْ الأَوِّل.. وبَقِت
زَيْ بَقيِة البَنات اتْعَلِّمت اللَوَع وبَقِت تِعْرَف تخَبِّي وتداري مَشَاعِرْها
وفَقَدِت حَيَوِيِّتْها وخَجَلْها.. وتوتِة توتِة فِرْغِت الحَدُّوتَة.. ها حِلْوَة
ولّا مَلْتوتَة؟
- جَميلَة قَوي.
- لأْ دي كَمــــان
أَجْمَل واجْمَل لَمَّا تِقْريها بنَفْسِــك.. ياريتِك تِحِبِّي القرايَة زيّي بَدَل
الكُمْبيوتَر اللي بيْضَيَّع وَقْتِك فِ كَلام فاضي.
- لا.. أَنا ما اقْدَرْش
اسْتَغْنَى عَنْ "الفيس بوك" أَبَداً.
- إنْتي حُرَّة.. بَسْ
اوْعي تكوني بِتْصاحْبي أَوْ بِتْكَلِّمي ولاد.. أَحْسَن اعْمِل فيكي زَيْ ما
"فَرَج" عَمَل فِ "فاطْمَة".
- يا عَمْ روح كِدَه..
خُشْ نام أَحْسَن لَك.
وبَعْدَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ
وأَثْناءُ سَهَرِهِما بَعْدَ نَوْمِ الأَبَوَيْن كالعادَةِ رَنَّ جَرَسُ تِليفونِ
"شَيْماءِ" المَحْمولِ وعِنْدَما نَظَرَتْ لِرَقْمِ الطالِبِ وَجَدَتْهُ
غَريباً عَنْها فَطَلَبَتْ مِنْ أَخيها أَنْ يَرُدَّ هوَ، ولَمَّا رَدَّ لَمْ يُجِبْهُ
أَحَدٌ فَتَمَلَّكَ مِنْهُ الشَكُّ حِيالَ أُخْتِهِ وطَلَبَ مِنْها أَنْ تُعاوِدَ
هيَ الإتِّصالَ مِنْ تِليفونِها بِهَذا الرَقْمِ عَلَى أَنْ تُفَعِّلَ سَمَّاعَةَ
التِليفونِ الخارِجيَّةِ حَتَّى يَسْمَعُ مَعَها ما يَقولُهُ صاحِبُ الرَقْمِ الغَريب،
فَرَفَضَتْ "شَيْماءُ" أَوَّلَ الأَمْرِ وحاوَلَتْ أَنْ تُقْنِعَهُ بأَنَّها
مُكالَمَةٌ خاطِئَةٌ إلّا أَنَّ أَخاها أَصَرَّ واتَّهَمَها بأَنَّها تُداري شَيْئاً
ما، وعِنْدَما اتَّصَلَتْ وقَالَتْ : "آلو.. مين بيتْكَلِّم؟" أَتاها صَوْتُ
شابٍّ سَمِعَهُ "شَرَفٌ" يقولُ في وضوح : "أَيْوه يا "شَيْماء"..
أَنا "وَسيم" مين اللي رَدْ عَلَيَّ دَه؟"، فارْتَبَكَتْ "شَيْماءَ"
وما إنْ قَطَعَتْ الاتِّصالَ حَتَّى تَلَقَّتْ صَفْعَةً قَويَّةً مِنْ أَخيها الذي
حاوَلَ عَبَثاً بِكُلِّ الطُرُقِ أَنْ يَعْرِفَ مِنْها مَنْ هوَ ذَلِكَ الشابُّ ولَكِنَّهُ
فَشِلَ بَعْدَ أَنْ انْخَرَطَتْ أُخْتُهُ في بُكاءٍ مُتواصِلٍ فاضْطُرَّ إلى إخْبارِ
والِدَيْهِ بما حَدَثَ ليُخْلي مَسْئولَيَّتَهُ ويَتْرُكَ لَهُما المجالَ لتَرْبيَةِ
أُخْتِه، وأَمَرَهُ أَبَواهُ بأَنْ يَدْخَلَ حُجْرَتَهُ وأَنْ يَتْرُكَهُما مَعَ "شَيْماءَ"
ليَتَسَنَّى لَهُما مَعْرِفَةُ الحَقيقَة، وبَعْدَ أَنْ هَدَأَتْ الابْنَةُ أَقْسَمَتْ
لوالِدَيْها أَنَّها لا تَعْرِفُ هَذا الشابَّ ولَكِنَّها عَجَزَتْ عَنْ تَفْسيرِ
كَيْفيَّةِ مَعْرِفَتِهِ باسْمِها وبرَقْمِ هاتِفِها، وطَرَأَتْ للأُمِّ فِكْرَةً
شَرَعَتْ في تَنْفيذِها فَتَناوَلَتْ هاتِفَ ابْنَتِها المَحْمولِ وانْتَحَلَتْ شَخْصيَّتَها
وبَعْدَ أَنْ فَتَحَتْ السَمَّاعَةَ الخارِجيَّةَ هاتَفَتْ ذَلِكَ الشابَّ الغَريبَ
الذي رَدَّ عَلَيْها قائِلاً :
- آلو.. أَيْوَه يا
"شيمي" وَحَشْتيني.. كُنْتي قافْلَة تِليفونِك ليه؟
- مَعْلِهش يا.. يا
"وَسيم".. أَصْل بابا كان قاعِد فِ البيت بَسْ هوَّ دَه الوَقْت خَرَج.
- كوَيِّس إنِّك
بَعَتِّي لي ماسيج بتِليفونِك عَ "الفيس".. عَلَشَان النِتْ مَقْطوع ومِشْ
حَ اعْرَف أكَلِّمِك عَليه ولا اتْشات مَعاكي.
- أَنا بَعَتْ لَك
رِسالَة برَقَم تِليفوني؟.. آه صَحيح.. بَسْ باقول لَك إيه.. أَنا حَ اغَيَّر حِسابي
عَ "الفيس" قُرَيِّب.
- إيه دَه؟.. حَ تغَيَّري
الأكّاوِنْت بتاعِك؟
- أَنْهو واحِد فيهُم؟..
أَصْل انا عَنْدي كَذا واحِد.
- اللي هوَّ انا باكَلِّمِك
عَليه.. برينسيس أُوف لاف.
- طَبْ اقْفِل قَوام..
بابا جِه.. حَ اكَلِّمَك بَعْدين.
واتَّضَحَتْ الحَقيقَةُ
بحذافيرِها فَلَمْ تَكْنْ "شَيْماءُ" هيَ صاحِبَةَ هَذا الحِسابِ عَلَى "الفيس
بوك" بَلْ كانَتْ جَارَةً لَها سَيِّئَةَ الخُلُقِ وقَدْ قاطَعَتْها "شَيْماءُ"
بَعْدَ أَنْ اكْتَشَفَتْ سوءَ سُلوكِها وقَدْ رَوَتْ "شَيْماءُ" مِنْ قَبْلُ
لأُمِّها عَنْ مَوْقِفِها مِنْ تِلْكَ الجارَةِ لتُفَسِّرَ لَها سِرَّ ابْتِعادِها
عَنْها رَغْمَ أَنَّهُما جارَتان، وأَرادَتْ تِلْكَ الجارَةُ أُنْ تَنْتَقِمَ مِنْ
"شَيْماءَ" وتُسئَ إلَيْها فَتَصادَقَتْ مَعَ ذاكَ الشابِّ الغَريبِ
عَنْ طَريقِ "الفيس بوك" عَلَى أَساسِ أَنَّها "شَيْماءُ"
بَلْ وأَرْسَلَتْ لَهُ رَقْمَ الهاتِفِ النَقَّالِ "لِشَيْماءَ" ليُحادِثَها
عَلَيْهِ ويُسَبِّبَ لَها مُشْكِلَة.
وفي الوَقْتِ الذي اعْتَذَرَ
فيهِ الأَبَوَانِ لابْنَتِهِما عَنْ سوءِ ظَنِّهِما فيها مُبَرِّريْنَ ذَلِكَ بالخَوْفِ
عَلَيْها وحِرْصِهِما عَلَى سُمْعَتِها دَخَلَ عَلَيْهِم "شَرَفٌ" وقَدْ
فاتَهُ ما حَدَثَ فَنَظَرَ إلى أَبَوَيْهِ وسَأَلَهُما :
- عَرَفْتوا البِتْ
دي كانِت ماشيَة مَعَ مين؟
فَرَدَّ عَلَيْهِ
الأَبُّ بأَنَّ ما حَدَثَ كانَ سوءُ تَفاهُمٍ تَسَبَّبَتْ فيهِ الجارَةُ المَوْتورَةُ
وطَمْأَنَهُ عَلَى حُسْنِ أَخْلاقِ وتَرْبِيَةِ أُخْتِه، ودُهِشَ الوالِدَيْنِ ونَظَرا
إلى بَعْضِهِما غَيْرَ مُدْرِكَيْنِ ما يَقْصُدُهُ ابْنَيْهِما عِنْدَما سَمِعا
"شَيْماءَ" وهيَ تَقولُ "لِشَرَفٍ" أَثْناءَ تَقْبيلِهِ لِجَبينِها
مُعْتَذِراً ومُصالِحاً :
- أوْعَى كِدَه.. أَنا
مخاصْماك يا.. يا "فَرَج".
- مَعْلِهش أَنا أَصْلي باحِبِّك وخايِف عَليكي يا.. يا "فاطْمَة".