"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل الخامس (3)
ولمّا لم يجِبها
"كريم" استفزّها صمته وأرادت أن تجبره على الكلام ولكن كلماتها تحوّلت
إلى دموعٍ فطفقت تجهش بالبكاء حتى بدأ جبل الجليد في الذوبان وقام
"كريم" من مقعده والتقط منديلاً ورقيّاً والتف حول مكتبه إلى أن وصل إلى
حبيبته فجثا على ركبتيْه ورفع رأسها وحاول أن يكفكف دمعها ثمّ أمسك بيديها
الدافئتيْن المرتجفتيْن وقال لها بصوْتٍ متهدّج :
- أنا آسف يا
"عبير" .. أنا فعلاً بـ... باحبِّك .. بس صعب عليَّ قوي اعترف لِك بحبي
وانا عارف إننا مش لبعض.
وتوقّفت
"عبير" عن البكاء واستراحت قليلاً لاعتراف "كريم" ولكنها تبغي
المزيد فسألته :
- ليه بتقول كده؟ ..
إيه اللي يمنعنا إننا نتجوّز؟
وأشاح
"كريم" بوجهه بعيداً عنها وهو يقول :
- أنا ما اقدرش
افكّر ف نفسي وبس .. أنا عندي زوجة وأولاد .. ما اقدرش استغنى عنهم.
وحاولت
"عبير" أن تقنعه بزواجهما فقالت :
- ومين قال لك
تستغنى عنهم؟ .. لو جوازنا ح يعمل لك مشكلة معاهم أنا مستعدّة نتجوّز ف السر.
- ما ينفعش اخون
مراتي .. إنتي ما تعرفيش هيَّ عملت معايَّ إيه.
- وبتسمّي ليه
جوازنا خيانة؟ .. هوَّ احنا بنعمل حاجة غلط أو حرام؟ .. إحنا ح نتجوّز على سُنّة
الله ورسوله .. أومّال ربّنا محلّل للراجل الجواز من اربعة ليه؟ .. ما هو علشان
حالات زي كده.
- إزاي بقى! .. أنا
اللي اعرفه إن لو حَد من الزوجين عرف حَد تاني تبقى خيانة.
- الكلام ده لو انا
اللي متجوّزة وحبّيت راجل غريب يبقى حرام .. إنما الموضوع مختلف بالنسبة لك .. هيّ
مراتك وانا كمان ح ابقى مراتك .. إيه الحرام ف كده؟
- الحرام إني اهدم
بيتي واضيّع مستقبل ولادي.
- قول بقى إنك خايف
منها ومن المجتمع المتخلّف اللي احنا عايشين فيه.
- أنا خايف عليها
وعلى إحساسها وكمان باحبّها زيِّك بالظبط.
- طب اشمعنى انا
اللي ح افضل عايشة ف دور العشيقة.
- استغفر الله
العظيم .. وانا ما ارضاش ليكي ولا لنفسي بكده طبعاً.
- طب والحل؟
- الحل الوحيد إننا
نيجي على نفسنا وننهي العلاقة اللي بيننا لحد كده .. إحنا حبّنا أصلاً كان غلط
والظروف ضحكت علينا ومش لازم نتمادى أكتر من كده .. لمصلحتنا ولمصلحة غيرنا.
- قصدك لمصلحتك انت
لوحدك ولمصلحة بيتك .. زي ما فكّرت ف مراتك وشعورها وظروفها ما فكّرتش فيَّ انا وف
شعوري وظروفي .. أنا أوْلى منها بوجودك جنبي .. أنا محتاجة لك .. أنا ما ليش حد
تاني غيرك .. هيَّ عندها بيت وأولاد .. ليه تنكر عليَّ حقّي ف إن يكون لي أنا كمان
بيت وأولاد .. ليه مصمّم تظلمني مع إن ذنبي الوحيد إني حبّيتك؟
- أنا مش باظلمِك ..
انا ما اقدرش اعمل اللي بتقولي عليه ده .. ما ينفعش اصلّح غلطة بغلطة تانية
واتجوّزِك.
- أومّال كنت فاكر
إنك تقدر تصلّح غلطتك لمّا حبيتني بإنك ترمي لي الكلية بتاعتك علشان تعوّضني
وتريّح ضميرك؟
- أنا حاولت اقدّم
لِك حاجة بسيطة .. يمكن تغفري لي إني اتخلّيت عنّك وتسامحيني.
- عمري ما ح اسامحك
على ظُلمك ليَّ .. وعمري ما ح اتنازل عنّك .. وح احارب الدنيا كلّها علشان خاطر
حبنا .. ومش ح اكتفي بالكِلية وبس .. علشان انت كُلّك ملكي .. وإذا كان مراتك
وعيالك همَّ اللي ح يمنعوا حبّنا فانا ح امحيهم من على وِش الأرض.
وهنا تبدّلت ملامح
"كريم" وصرخ في وجه "عبير" وقال في عنف مدافعاً عن أسرته :
- إنتي اتجنّنتي؟ ..
قصدِك إيه؟
ونكصت
"عبير" عن تهديدها وقالت وهي تنتحب :
- إنت اللي جنّنتني
.. أنا مش عارفة باقول إيه .. أنا مستعدّة اعمل أي حاجة علشان نبقى مع بعض.
- ويعني انتي لمّا
تؤذي مراتي أو عيالي تفتكري ح ارجع لِك .. بالعكس ده انتي ح تبقي عدوّتي.
- أنا آسفة يا
"كريم" .. بس انا باحبّك قوي ومش عايزة ابعد عنك .. أرجوك.
- أرجوكي انتي يا
"عبير" .. حاولي تنسي اللي كان بيننا وما تعقّديش المسائل .. إحنا كل ما
ح نقرّب من بعض ده الوقت كل ما الجرح ح يبقى أعمق بعدين .. حاولي تنسيني زي ما انا
ح احاول انساكي .. ما تتصوّريش قد إيه انا باتألّم زيّك واكتر .. بس ما باليد حيلة
.. ومين عارف يمكن ظروفنا تتحسّن ويجمع بيننا القدر تاني.
- بس انا مش ح ايأس
وح افضل احبّك.
- الحياة ما بتقفش
على حد .. بكره تلاقي إنسان أحسن مني يحقّق لِك كل اللي بتتمنّيه إن شاء الله ..
وساعتها ح تنسيني.
- وانت فِكرك إني
مستنيّة حد؟ .. انا من ساعة ما عملت العمليّة وصحّتي اتحسّنت وبقى عندي فرصة للحمل
والولادة وانا بيتقدّم لي عرسان كتير .. بس انا رفضتهم كلّهم علشان باحبّك .. ده
شيء مش بإيدي.
واستكملت "عبير"
حديثها وهي تقوم من مقعدها وتتأهّب للانصراف :
- بس انا ح اعيش على
أمل إن ظروفنا تتحسّن والقدر يجمع ما بيننا تاني زي ما بتقول .. الوداع.
وأجابها
"كريم" وهو يغمغم قائلاً :
- مع السلامة ..
ربّنا يوفّقِك.
ولم يبدُ على "عبير" ما كانت تضمره؛ فبالرغم من مظاهر الاستسلام التي ظهرت عليها فإنها كانت قد تكتّمت خطةً بديلة درستها جيّداً حال فشلها في استقطاب "كريم"، والآن بعد أن خاب أملها في الزواج منه بدأت في تنفيذها بالفعل.