"سفاح كرموز" | الفصل السابع (1)
كان "سعد" جالساً في مخزنه يفكّر في
تاريخه الإجرامي بدايةً من "لواحظ" التي ذبحها منذ أكثر من خمس سنوات
وحتى "زينات" التي قتلها منذ أقل من ثلاثة شهور وأخذ السفّاح يقارن بين
كل امرأةٍ وفتاة أوقعها حظها العاثِر بين يديْه فوجد أن لكلٍ منهن مذاقاً ورائحةً
تتفرّد بهما عن غيرها ولكن في النهاية فهن يتساوين في سهولة استدراجهن لعرينه ويسر
إيقاعهن بين مخالبه وسلاسة افتراسهن بأسنانه الحادّة، ويرجع ذلك كله لتشابههن في
وضاعة الأخلاق وانحطاط الشرف وإعلائهن لقيمة المال الذي يقدّمه لهن الرجل وبخسهن
لمعدن ذلك الرجل وجوهره، فلم يجُد عليه الزمان حتى الآن بالتعرّف على فتاةٍ أو
سيّدةٍ عفيفةٍ شريفة ولم يكرمه القدر بمعرفة واحدةٍ تؤثر الحب على المال وتفضّل
الجوهر عن المظهر، وأثناء تأمّله العميق لم يشعر أن فتاةً قد دخلت المخزن بل ووقفت
أمامه منذ برهة دون أن يتنبّه إليها، ولمّا وجدته مستغرقاً في التفكير أخذت تسعل
بلطفٍ لتعيده إلى أرض الواقع، حينئذٍ استفاق "سعد" والتفت إليها فراعه
ما رأى: فتاةً في أوائل العشرين من عمرها ذات قدٍّ ميّاسٍ ممشوق ووجهٍ ملائكيٍ
بريء وعينيْن واسعتيْن تبحر فيهما طويلاً دون أن تصل إلى بر وأنفٍ دقيق وثَغرٍ
بسّام، فظلّ الرجل مشدوهاً مشدوداً إلى الفتاة وسألها بصوتٍ خفيض وكأنّه منوَّم
تحت تأثير عيْنيْها الساحرتيْن اللتيْن سلبتا لُبّه:
- أهلاً يا صبيّة.
وردّت بصوتٍ جميل
كأنه نغم قيثارة:
- أهلاً بيك .. لو
سمحت عايزة توب قماش جيرسيه .. بس يبقى لونه مِدّي على جانجاه .. سادة أو منقّط.
وحاول أن يعاملها
"سعد" كمن خبرهن من النساء فقال:
- طب ح نتكلّم كده
واحنا واقفين! .. اتفضّلي استريّحي .. تحبّي الأوّل تشربي إيه؟
- شكراً .. لو سمحت
بس شوف لي طلبي أحسن انا مستعجلة.
- لأ .. ودي تيجي
برضه .. لازم تشربي حاجة.
وهمّت الفتاة
بالانصراف وهي تقول:
- شكلك كده ما عندكش
.. متشكّرة.
ولكنه وقف في طريقها
ليستوقفها قائلاً:
- لأ طبعاً عندي ..
ما لِك كده واخداني ع الحامي .. بالراحة عليَّ.
- طب ممكن اشوف اللي
عندك.
- بكل ممنونيّة ..
لحظة واحدة.
وجرى
"سعد" بسرعة ليلبّي طلب الفتاة التي أسرت مهجته من أوّل نظرة فأحضر عدّة
أثوابٍ ليريها لتلك الفاتنة وقال:
- إتفضّلي شوفي كدا
.. حاجة إكسرا .. شُغل برّه.
- آه .. ده حلو ..
بكام ده؟
- من غير فلوس
علشانِك .. خديه وتمنه وصل.
- (في وقار) ألف شكر
.. بكام؟
- مش عارف اقول لِك
إيه .. أصل احنا هنا مش بنبيع قطّاعي .. بنبيع للتجّار بالجملة.
- ما هو علشان كده
قلت لك عايزة توب .. مش متر ولا اتنين .. أصل ماما خيّاطة وقالت لي إن المخازن
اللي هنا بتبيع بسعر الجملة.
- هيَّ ماما زبونة
عندنا؟
- مش عارفة بصراحة
.. أنا أوّل مرّة اجي هنا وعمري ما نزلت معاها قبل كده .. أصلها بعافية شويّة
ووصفت لي المنطقة دي علشان ادوّر لها ع القماش ده .. بس ما لقيتش الذوق اللي انا
عايزاه عند الناس اللي قبلك.
- عموماً يا ست
البنات أنا ح احاسبك بسعر التجّار اللي بيشتروا مني عشر اتواب واكتر .. مش واحد ..
بُصّي .. التوب ده عامل تلاتة وعشرين متر ونُص .. قولي عشرين .. في تمنتاشر ..
يبقى تلتمايّة وستين .. خلّيهم تلاتة جِني ونُص.
- بس ماما قالت لي
إن المتر من ده سعره ع الأقل تلاتين قرش .. أوعى يكون القماش ده شايط؟
- شايط إيه بس يا
أستاذة .. ده انجليزي أصلي .. تعرفيه من ضهره .. بُصي كده .. أنا بس مدّيهولِك
بالسعر اللي انا شاري بيه علشان تبقي زبونتي.
- ما اكدبش عليك انا
ما افهمش فيه .. أنا ح اخده اورّيه لماما.
- ما تقلقيش ..
القماش بتاعي .. لو ما عجبهاش رجّعيه وخدي قد اللي دفعتيه مرّتين.
- طب اتفضّل الفلوس.
- ما تخلّي.
- شكراً.
- هوَّ انتي جايّة
لوحدِك؟
- آه .. ليه؟
- وانتي ح تقدري تشيلي
الداهية دي كلّها لوحدِك.
- مش مشكلة ح ابقى
اشوف حنطور.
- حنطور وانا موجود
برضه؟
- هههههه .. ليه
هوَّ انت حنطور؟
- ها ها ها .. لأ ..
مش قصدي .. أنا ح اجي اوصّلِك.
- لأ لأ .. ما
ينفعش.
- ما ينفعش ليه! ..
الناس لبعضها.
- يا سيدي مش عايزة
اتعبك.
- تعبِك راحة .. أنا
كده كده كنت ح اجيب دُرَفها ده الوقت .. إنتي ساكنة فين؟
- أوّل شارع
"ابن زهرون" .. ف "غربال".
- دي فركة كعب من
هنا .. إحنا ناخدها مشي ووفّري تمن الحنطور .. إعتبريني حصان يا ستّي .. ها ها ها.