أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

مصر على كف عفريت (3)

 

 

كل يوم من ده

 

مصر تنضم للأوبك بل ترأس الأوبك بل تعمل أوبك جديدة لوحدها إذا كان ما تنشره صحف الحكومة حقيقي، يوم اكتشاف حقل بترول و يوم اكتشاف حقل غاز. بل أخيرا تم تقسيم العمل فتخصصت الأخبار في اكتشافات البترول، و الجمهورية في اكتشافات الغاز، و الأهرام في اكتشافات المعادن. في فيلم "مراتي مدير عام" يزهق صلاح ذو الفقار فيصرخ في وجه زوجته شادية قائلا:

- "إيه ده؟ كل يوم فراخ، كل يوم فراخ"، 

فترد شادية:|

- "دي مش فراخ، دي مكرونة يا حبيبي". 

فالمواطن زهق، كل يوم بترول، كل يوم بترول، لكن الجمهورية ترد دة مش بترول، دة غاز یا حبيبي. و هذه الاكتشافات الوهمية صارت مادة للتندر بين المواطنين، و أصبحت الصحف تقسم الخبر إلى نوعين، أخبار صحيحة و اکتشافات بترولية. و لن تعود المصداقية إلا إذا اختصت صحيفة بحقول الفجل و الأخرى بحقول الجرجير .

 

العبور

 

صرف التليفزيون المصري ربع مليون جنيه من أجل "لوجو" جدید رغم أنه لا يحتاج إلى ما يميزه؛ فالمشاهد يميزه بذبابة الاستودیو؛ إذ لا يوجد تليفزيون فيه "دبان" إلا التليفزيون التابع -يا للعجب - لحكومة المبيدات و المناسبة تصريح الأمس لرئيس الحكومة الذي يؤكد أن حكومته تحارب الفساد. حكومة فشلت في محاربة ذبابة الاستوديو فكيف تحارب غول الفساد، ثم يتحدثون عن العبور الاقتصادي! و قصة العبور الاقتصادي بدأت منذ خمس سنوات، عندما كان رئيس مؤسسة اقتصادية عامة يتبعه مبني صغير في نفس الشارع، و أراد الرجل أن يستغله اقتصاديا و يحقق العبور فماذا فعل؟ راح الرجل يعبر الشارع مرتين و ثلاثة يوميا من المبنى الرئيسي إلى المبنى الفرعي، و بالعکس (دائري) حتى ظن البعض أنه أتوبيس؛ فقد حفظه رواد الشارع دون أن يعرفوا سر عبوره الاقتصادي اليومي المتكرر، إلى أن عرفنا أن الرجل وضع لنفسه نصف باكو كبدل انتقال في عبور الشارع؛ أي أن "المرة" بألف جنيه و الحسّابة بتحسب، و رغم كشف المستور زاد أبطال العبور و تضاعفت المكافآت الوهمية في كل قطاعات الدولة، و تؤكد الحسّابة (اللي بتحسب) أنه رقم يكفي للصرف على التأمين الصحي. و الحل: إما أن توقف الحكومة صرف هذه المكافات، أو على الأقل تصرف ذبابة التليفزيون من الاستوديو .

 

تحسين الصورة

 

رجال الأعمال فيهم الصالح و الطالح و العصامي و الحرامي، و تطالب الحكومة و المسئولون و آخرهم السيد جمال مبارك بضرورة تحسين صورة رجال الأعمال، و رغم أن الناس تطالب أولا بتحسين صورة الرغيف، و رغم أن رجال الأعمال هم المسئولون بأفعالهم عن رسم صورتهم السلبية، فإنني أشارك بهذه الاقتراحات لتحسين الصورة:

- عمل دعاء لرجال الأعمال يتلى عقب كل صلاة. 

- تدریس حقوق رجال الأعمال في المدارس و دور الحضانة. 

- تحویل مسمط الكوارع الذي بدأ فيه " الريان" إلى مزار سياحي تسيطر عليه روح الوطنية و روح الخل. 

- توضيح دور "هدى عبد المنعم" في تحرير المرأة. 

- برنامج بعنوان "بنوك و ودائع" يوضح دور رجال الأعمال في تحرير الوطن من الودائع. 

- برنامج "في المنفى" يربط بين نضال "أحمد عرابي" في سيلان و نضال " أشرف السعد" في لندن. 

- إعادة إنتاج فيلم "تيتانيك" على أن يكون البطلان هما "ممدوح إسماعيل" و "علية العيوطي". 

- برنامج عن الطهو بعنوان "رشاوي و عكاوي" يوضح أصول طهو الصفقات. 

- أن يرفع تمثال "طلعت حرب" و يوضع في مكانه تمثال "إيهاب طلعت". 

- تسمية الشوارع الرئيسية بأسماء الهاربين. 

- الاحتفال سنويا بيوم هروب "جورج حكيم"، و جعله يوما للوحدة الوطنية. 

- تنظيم رحلات للمدارس لزيارة "رامي لكح" باعتباره أثراً قومياً. 

- ترشيح "تو فيق عبد الحي"، باعتباره أول الهاربين، لرئاسة الإنتربول، فهو صاحب أول طلعة جوية إلى أوروبا . 

- تعديل الوصايا العشر و حذف "لا تسرق". 

- تحسين مناخ الاستثمار بقطع النور عن البنوك. 

- استبدال فسيخ شم النسيم بالتونة تخليدا لهروب " دوارف" ملك التونة. 

- إقامة نصب تذكاري لرجال الأعمال مع التركيز على النصب أكثر من التذكاري.

 

(عبد التواب)

 

ليس الجماعات فقط هي التي تستغل الدين، فمثلا عندما ترتدي الحكومة العمامة و تؤذن للصلاة في التليفزيون الرسمي، يكون أكثر من نصف سكان الدولة الواقعين شرق خط طول ۳۰، قد انتهوا فعلا من الصلاة. و استغلال الدين ليس قاصرة على الحكومة و الجماعات بل الأفراد أيضا. كان الإمام محمد عبده جالسا مع المعتمد البريطاني يؤكد له شمولية القرآن، و كان الخادم مستر "كوك" يقدم لهما القهوة، عندما سأله المعتمد:

- "كل شي موجود! هل مستر "كوك" موجود أيضا؟" 

فقال الإمام، مشيرة إلى سورة الجمعة: 

- نعم، و تركوك قائماً.

و قد حاول البعض - تعسفا - الربط بين (لا تنفدون إلا بسلطان) و (صعود أول رائد فضاء عربي الأمير "سلطان" إلى الفضاء)، و كلها أمور يبدو فيها التزيّد و التنطّع، و قد يكون الإمام محمد عبده يقصد المداعبة، و قد يكون الأمير سلطان غير راض عن هذا الربط، لكنني تذكرت هذا عندما رأيت جاري "عبد التواب" يصلح و يدهن و يزن المسجد الصغير المجاور لنا بمناسبة اقتراب رمضان، و عندما انتهى من إصلاحاته و ترميماته كتب على باب المسجد:

(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر) ثم بين قوسين (عبد التواب).

 

زيارة مفاجئة

 

يزعم البعض أن يوم الجمعة فيه ساعة نحس؛ و هي الساعة التي تزورني فيها حماني و التي مدها بعد ذلك إلى ساعتين بعد أحداث سبتمبر، ثم إلى ثلاث ساعات بعد التعديلات الدستورية، ثم أخيرا قررت الإقامة الدائمة عندنا بعد انقطاع المياه عن قريتها بحجة الوضوء عندنا، مؤكدة لي أن بن لادن هو ابن حميدو. و أن الظواهري هو أحمد رمزي. و في أول يوم لإقامتها عندنا أتانا السعد؛ فقد انهار السقف و أعلن الدكتور نظيف تحویل قريتها إلى قرية ذكية؛ و معنى ذلك أنها لن تعود إليها، ثم أصدر الدكتور نظيف أوامره إلى المحافظين بتوفير السلع و الخدمات للمواطنين بمناسبة دخول المدارس و حلول رمضان، و من يومها لم نعرف الراحة ؛ إذ يبدو أن حماتي كانت تتبع محافظا نشطا، فقد انهالت علينا التليفونات من محافظ القرية التي تتبعها حماتي بمعدل تليفون كل ساعة يسألها عن احتياجاتها لتوفيرها، ثم يقول لها المحافظ "مع تحيات الدكتور نظيف" و يضع السماعة. في نفس اليوم و في الثالثة فجرا استيقظنا مفزوعين على صوت جرس التليفون، فردّیت بنفسي فقال المتحدث: "أنا محافظ الإقليم التابعة له قرية حماتك، من فضلك لم نعرف بعد الخدمات التي تفضلها حماتك حتى نوفرها لها".. كان ابني الطفل يقف بجواري و أنا اتحدّث فقال لي: "بابا، بابا قول له ع المصاصة". لكنني لم أنتبه له و قلت للسيد المحافظ إن حماتي تشكو من روماتيزم و التهاب المفاصل، و أن التأمين صرف لها "نفتالين" .. فوعد المحافظ ببناء مستشفى جديد على اسمها ثم قال لي "مع تحيات الدكتور نظيف". و وضع السماعة و نام. لم نجد حلا إزاء هذه المكالمات التليفونية إلا أن نقطع سلك التليفون قبل أن ننام. في السادسة من صباح نفس اليوم سمعت طرقات عنيفة على باب الشقة ففتحت فوجدت رجلا مهيبة قال لي: "صباح الخير أنا محافظ الإقليم، تليفونكم مقطوع، لذلك فضلت أن أحضر بنفسي لأعرف طلبات حماتك من السلع و الخدمات :. و قبل أن أنطق بكلمة واحدة قال لي: "مع تحيات الدكتور نظيف" ثم انصرف.

 

ديسكفري

 

أقمنا احتفالية بمناسبة ذكرى هبوط أول شيخ على سطح الفضائيات و هو الشيخ الذي أفتي بأن أكل الكوارع مع صديق يحوله إلى أخ في الرضاع، و هو نفس اليوم الذي بدأت فيه رحلة مكوك الفضاء "ديسكفري" الاستكشاف المريخ، و التأكد من توفر المياه فيه و عدم توفرها في محافظة كفر الشيخ، و من يومها استمر التنافس

العلمي بين محطة "كيب كينيدي" الفضائية و محطة "اقرأ" الفضائية، الأولى تقدم البحوث العلمية، و الثانية تقدم البحوث الدينية التي تثبت أن مركبة الفضاء كافرة حتى من اسمها (دیس کفري)، و مع ذلك فإن محطة ديسكفري جاملت هؤلاء المشايخ عندما عادت بثلاثة كيلوجرامات كعينة من سطح المريخ، و معها أكثر من خمسة أطنان من لحمة الرأس لنتأكد أن محطة "ديسكفري" أخت لمحطة "اقرأ" في الرضاعة.

 

الكفيل

 

إرادة الله بين "کن" و "يكون"، و إرادة الحاكم بين "تولى" و "توفي"، و إرادة المستثمر بين "ألا دونا" و "ألا تريه"، و إرادة الكفيل بين "عس" و "هش". "عس" أي ابحث عن رزقك لأقتسمه معك. و "هش" أي ارجع لبلدك. كنت قد حصلت على دبلوم الجراحة المنزلية و دورة ألعاب و فرقة صاعقة أقلتني للعمل كمترجم فوري و بالتقسيط. و سافرت للعمل في الخليج حيث استقبلني الكفيل على باب الطائرة و أخذ أوراقي و وزنني ثم ربطني بحبل و رضع علامة الجودة على جبهتي. في الطريق قال لي الكفيل: "عس". فظننت أنه يقصد "هس" فتوقفت، و يبدو أن وقوفي كان في مكان غير مخصص للحيوانات؛ إذ حضرت جماعة الأمر بالمعروف و اقترح أحدهم قطع يدي و رجلي من خلاف، و قال رئيسهم و هو ينظر في وجهي:

- "بل الذبح، الذبح"! لكن كفيلي - أكرمه الله - حفاظا على ثروته البشرية، دفع الديّة و سحبني. 

وفي الطريق سألني الكفيل:

- "إيش تعمل في بلدك"؟ 

فقلت له: 

- "أعمل مذيعة في القناة الإنجليزية". 

فادعى العلم و قال: 

- "القناة الإنجليزية! تقصد بحر المانش". 

فقلت:

- "لا". 

و يبدو أن "لا" عندهم مثل الخمر و الميسر و لحم الخنزير محرّمة، إذ ساقني إلى مخفر الشرطة حيث لم يستطع أن يحكي عن "لا" و لذلك ادعى أنني عطست أمامه في أحد أيام التشريق، فقطعوا أذني و أودعوني في القبو في انتظار دفني في الربع الخالي. 

وفي القبو لاحظت أنهم يخزنون بجواري نبيذاً معتّقاً.

 

دائرة الطباشير

 

تخوض إيران الآن حرب شوارع، تشارك فيها الشرطة و أجهزة أمنية و الحرس الثوري. و میدان حرب الشوارع هو محلات الحلاقة التي تراقبها الشرطة و تداهمها و تفتشها لمنع الشباب من قص الشعر على الطريقة الأمريكية أو الأوروبية، "تایسون" أو "كابوريا" أو "نصف کلب" و لمنع الشابات من التزين في هذه المحلات و ارتداء النصف حجاب الذي يظهر مقدمة الشعر . إيران ترفض النصف کلب، و ترفض أيضا النصف حجاب لأنها ترفض أنصاف الحلول. و هذا هو الرد العملي على ضغط و حصار أمريكا لإيران في مصر قررت جماعة الإخوان المسلمين، و هي جماعة ظلامية معروفة، الرد على ضغط و حصار و استبداد و فساد الحكومة بتصعيد الحملة ضد ختان الإناث، و هو الرد العملي على هذا الضغط و الحصار. عندما دخل اللص المترل رسم للزوج دائرة بالطباشير على البلاط، و أمره أن يقف داخلها و لا يتعداها، ثم راح يجمع عفش البيت و يغتصب الزوجة، فقرر الزوج أن يغيظ اللص ففكر أن يخرج قدمه خارج دائرة الطباشير. الأحزاب الدينية داخل دائرة طباشير منذ مئات السنبن، و مَن يتحالف معها يقف داخل هذه الدائرة كصديق للزوج.

 

و إلى الترام نعود

 

ثلاثة يعلمونك الصبر؛ صيد السردين، و ركوب الترام، و الكتابة في الصحف. يجري سائق التاكسي کشف هيئة سريعة للمواطن قبل أن يقبله. و في هذه اليوم كنت أرتدي قميصا مربعات يوقف الرزق و لا يوقف التاكسي، لذلك رفضوني و اقترحت أن يكون القبول في التاكسيات عن طريق مكتب التنسيق، و قلت: "نحن من الترام و إلى الترام نعود". في الترام هاني الكمساري بسلامة الصعود، و رفض أن يقطع لي تذكرة و أعطاني سيجارة و عرض علي أن أتزوج أخته، فأخبرته أني متخصخص لبنت عمي، ثم إنني مفلس و مضروب في القسم، فصرخ أحد الركاب قائلا لي:

- "لا إنت محدش ضربك و ما حدش عذبك إنت دخلت القسم بتاریخ ۱۷/ ۸ و خرجت في نفس اليوم بدون إصابات". سألت الكمساري عن هذا الشخص فقال لي:

- "ده لواء متقاعد، أصل بيدعموا الترام علاوة على الكمساري و السائق، بلواء متقاعد للرد على أسئلة الركاب، و نفي أي واقعة تعذيب". سألني أحد الركاب:

- " انت بقالك مدة ماركبتش ترام". 

قلت: 

- "نعم". 

فقال:

- "دلوقتي طقم الترام بقی کمساري و سواق و مفتش و لواء متقاعد". 

ثم سألني:

- "تحب تجرب"؟
قلت:

- " اتفضل". 

فقال الراكب:

- "أنا لي أخ مات في القسم". 

فصرخ المتقاعد:

- "هذا غير صحيح، أخوك حضر القسم بإرادته و كان تحت تأثير المخدر، و أراد فرض إتاوة على السيد المأمور، فجمعوا له في القسم مبلغا أخذه و انصرف في مساء نفس اليوم". 

في هذا الوقت ترك السائق الترام و وقف ساعة في طابور الخبز فاعترض الركّاب، لكن المتقاعد قال:

- "الركّاب هم الذين أوقفوا الترام و طردوا السائق و أجبروه على الوقوف في الشمس تحت التهديد".

 

مجلس منّه فيه

 

يظن كثيرون أن المجالس القومية حرام في رمضان، و أنا من مبطلات الصوم رغم أنها لا تدخل جوف أي مواطن. ففي مصر برنامجان لهما الفضل في الكوميديا، الأول: برنامج "ساعة لقلبك" الذي كان يضم الدكتور شدید و الدكتور الحداد و آخرين، و الثاني: "ساعة لبطنك" الذي يؤمن أن من له ضهر و قفا لا ينضرب على بطنه، و يشتهر بين المثقفين باسم المجلس القومي لحقوق البني آدم، و بين العامة باسم مجلس الصلح، و يضم الدكتور غالي و الدكتور أبو المجد و آخرين، و هذا المجلس يؤمن بأن مصر عروسة تزوجها الحزب الوطني عندما قدم لها الشبكة

شبكة الصرف الصحي لهذا فإن دوره أن يصلحها إذا غضبت و أن يعقلها إذا تمردت. و إذا كانت المباحث تمسك العصا من طرفها للتعذيب، فإن عليه أن يمسك العصا من المنتصف للتحطيب، فلم نسمع أن المجلس تعقب مخبر، بل أن المخبرين هم الذين يتعقبونه. و السيد رئيس المجلس و السيد نائبه هما في الحقيقة في غاية الاحترام، و يقترب منهما من مائتي عام (حوالي ۱۷۰ سنة) فكيف لهما أن ينتقلا من محبس لمحبس و من سجن لسجن و من قسم لقسم؟ فالناس في هذه السن تنتقل فقط من مستشفى المستشفى - أطال الله أعمارهما و منحهما الصحة - فنحن نلقي عليهم أعباء فوق الطاقة، خاصة أن العالم مقبل على أزمة طاقة تستدعي التفكير في بيع هذا المجلس و علاج و تعويض ضحايا التعذيب بحصيلة البيع. لا أعرف متى صدر آخر بيان من هذا المجلس ضد التعذيب و الاعتقال، لكن هناك بردية من الأسرة السادسة تتحدث عن هذا الموضوع و تؤكد أن المجلس مش ساکت، لكنه يرسل مندوباً عنه لحضور حفلات التعذيب.

(يتبع)