التَرَب المسري الحديس
لمّا تلاقي عيّل عشر سنين وأخوه ابن
الخمستاشر بيغنّوا "فين حبيبي بتاع زماااااان" (وأكيد زماااااان ده يعني
أيّام ما كانوا بيحبّوا على روحهم ومرتبطين بالدوندو) .. ولمّا تلاقي إن صنّاع
الأغنية من عينة: إسلام تايجر – عائلة الأبيض – علي سندس (أبوه اسمها سندس) –
بليه – تيجانا – توتي الجنتل – شيكو – عائلات فلتو – وليد ويشا – فتحي البوب –
نوئه – شريف أوشا – تيمو – محمود نانسي (أبوه اسمها نانسي) .. لمّا تلاقي الكلمات
زفت واللحن زفتين والصوت تلات زفاتيت .. ساعتها تعرف إن "مصر" واخدة
الهاي واي للهاوية مباشرةً بدون حتى ما تاخد نَفَسها في أي استراحة .. مع إنها
هيَّ نفسها البلد اللي كان بيتنفّس هواها وبيشرب ميّتها مرسي جميل عزيز وبليغ حمدي
وعبد الحليم حافظ .. مصر بتحتضر .. إلى جنة الخلد يا وطن.
- ملحوظة : ذكرتني هذه الأغنية بجزء من قصة
ساخرة كنت قد ضمّنتها مجموعة "فضائح مصر المهروسة" منذ حوالي خمس سنوات وتنبّأت فيها بحال مصر في نهاية
القرن كالآتي :
أشرقت منذ قليل شمس يوم السبت الموافق التاسع
من مايو سنة 2099 فترامت أشعتها الذهبيّة على صفحة وجه البلاد وأخذت تكشف رويداً
رويداً عن ملامح "مصر" الجديدة التي انبعثت من رحم القديمة وقد تبدّلت
أحوالها عن ذي قبل فأصبحت أكثر سوءاً واستقرّت عيوبها وترسّخت مثالبها وتوطّدت
رذائلها التي ورثتها منذ عدّة أجيالٍ تسبّبت في وجودها داخل هذا الدرك الأسفل من
الحضيض بعد أن أهملها أبناؤها وتركوها تهوي في هذا المنحدر دون أي محاولةٍ منهم
لانتشالها من المستنقع الذي خاضت فيه بدافعٍ من مستفيدي الفساد والإهمال والوضاعة
الذين طغوا على محبّي الخير والجمال والأخلاق.
صار القبح عنواناً والاستسهال مبدأً والتقصير
منهجاً والسماجة أسلوباً والتهوّر مساراً والسقوط نتيجةً حتميّة لكل هذه
المقدّمات، فقد العمل قيمته وخسر الجمال حسنه وضاعت من الفضائل أنفس ما فيها
فتسطّح الإحساس وانحطّت الأخلاق واستسلم المصريون لما زرعه فيهم الفاسدون
والمفسدون فبات الوطن في أحلك عصوره وأردأ ظروفه.
وقبل أن تدق ساعة السابعة كان السيّد
"أوريكا" قد استيقظ وأيقظ ولديْه "أوشا" و"شاكوش"
ليتجهّزا للذهاب إلى المدرسة وانشغل هو في حلاقة ذقنه التي أفلتت من الموسى طوال
الأسبوع الفائت كلّه، في حين وقفت زوْجته "فرتكة" تعد طعام الإفطار وهي
تستمع إلى الراديو حيث اعتادت إذاعة "القاهرة" أن تبث في هذا الوقت
فقراتٍ غنائيّة من أيّام الزمن الجميل الذي يرجع تاريخه إلى أوائل هذا القرن الذي
سيشرف على نهايته في غضون أشهرٍ معدودة، وانطلق المذيع يصيح عبر الأثير غير عابئٍ
بأصول اللغة العربيّة التي تكاد أن تنقرض أصلاً :
- هنا "القاهرة".. أحباءنا
المستمعين موْعدكم بعد ثلاثة دقائق مع موجز أنباء السابعة تقرأه عليكم زميلتي
"أتان جاعورة".. أمّا الآن فتستمعون من أرشيف الإذاعة إلى أغنية
"أحيه الشبشب ضاع" لأمير الشعر والزجل "برطوش الجن" ولحن
موسيقار العصور "سيكا العايق" وغناء صاحب الحنجرة الذهبيّة
"زعرور" بالاشتراك مع عندليب الإحساس "جعضيض".. أتمنّى لكم
وقتٌ سعيدٍ.
وما إن انتهت هذه الأغنية المعبّرة خير تعبير
عن مآل الوطن وحاله حتّى تجمّعت الأسرة حول مائدة الإفطار وبدأوا في تجاذب أطراف
الحديث :
- يا للا يا ولاد كُلوا بسرعة قبل
أتوبيس المدرسة ما يزمّر.
- إيه ده؟.. ما فيش بسطرمة أو لانشون..
كل يوم جبنة وبيض جبنة وبيض ده احنا قرّبنا نفقس.
- قول الحمد لله يا حمار انت.. انت مش
شايف حال البلد؟.. الحكومة بتقول للناس شدّوا الحزام على بطنكم لحد ما نطلع من عنق
الزجاجة.
- وانا ما لي بالقزازة.. أنا عايز
بسطرمة.
- اتنيّل كل اللي قدّامك ده الوقت وانا
ح ابقى اشتري لك تُمن كيلو بسطرمة أوّل ما اقبض الشهر الجاي.. إخرس بقى خلّينا
نسمع الموجز.
- هذا وقد سرّح مسدر مسؤول أن اللجنة
المسريّة الكوْميّة السياسيّة لدعم واتخاز الكرار الخاس بتغيير هويّة البلاد
المنبسكة عن مجلس الوزراء سوف تجتمع اليوْم لبحس تغيير اسم البلاد وكزلك العلم
الوتني والسلام الجمهوري.. الخبر الساني : أسدر السيّد الرئيس "فركوك
الحويت" كراراً جمهوريّاً بمنح السيّد "على الله كتكوت الفاني"
وزير النكل والمواسلات نوت الواجب من الدرجة الأولى بعد أن أسمرت مجهودات معاليه
في الوزارة في خفد معدّلات الوفيات الناتجة عن حوادس التُرُك والسكك الحديديّة من
اسنين مليون كتيل ومُساب إلى أَكَل من مليون وتسعمائة وتسعة وتسعون ألف فكت..
الخبر السالس : تم أمس توكيع عدّة اتفاكيّات بين "مسر"
و"بوروندي" لنقل الخبرة البورونديّة إلى المؤسّسات المسريّة للاستفادة
منها في مجال التكنولوجيا والتاكة المتجدّدة ليعم الرخاء على الشعب المسري في
الكريب العاجل إن شاء الله.. الخبر الرابع : كرّرت نكابة العِلْميّون أن تحتفل
بيوم العِلْم غداً بأن تحيي حفلٌ ساهرٍ في مسرح فكيد الفن الراحل "سحس
عجميّة" ويشارك في الحفل فركة "موحا الكابّو" الموسيكيّة
والمونولوجيست "عفريت الزريف" والراكسة الحلزونيّة "لهاليب"
وزلك في تمام العاشرة مساءٌ إزا لم ينكتع التيّار الكهربائي.. أخيراً من أخبار
الريادة : تم تأجيل الدوري العام إلى أجلٍ غير متسمى بعد أن اعترد مندوبي لجنة
الأندية على عدم بلوغ شهداء الجماهير الألف شهيد هزا الموسم وزلك في إشارةً منهم
إلى أن انخفاد حالات الشغب يعني عدم وصول المسابكة إلى حدّها الأدنى من المنافسة
والإسارة المتلوبة.. إلى هنا سيّداتي آنساتي سادتي ينتهي هزا الموجز.. وتلتقون
الآن مع إعادة للبرنامج الأسبوعي "غتّاس في ماسورة الألحان" الزي يكدّمه
غراب الإزاعة المسريّة "شخلول الحسّاس" ويناكش اليوْم أغنية "أديك
ف الجركن تِنْكر" وكلماتها البديعة التي تكول : "أديك في السكف تحجّر
واديك في الأرد تشجّر" ولحنها الأخّاذ الزي يتنكّل بسلاسة بين مكاميْ
"الحجاز ونهاوند" ومكام "المهرجانات".. كما يستديف البرنامج
مترب الأغنية الفزيع "معزوز إزعاج".
- ها؟.. الموجز خلص.. ممكن اتكلّم بقى
يا بابا؟
- اتكلّم يا سيدي.. غنّي يا سي
"حاحا".
- أنا عايز زيادة في المصروف.. المصروف
ما بيكفّيش.
- ليه يا خويا؟.. عيّل زيّك في خامسة
ابتدائي بياخد مصروف تلات آلاف جنيه في الشهر.. عايز إيه تاني؟.. ح تنهب؟
- يا بابا ده انا مصوّر الورق بتاع درس
الانجليزي اللي فات بس بميتين جنيه.. ده كيس الشيبسي لوحده بقي بتلاتين جنيه ده
الوقت.
- وإيه يعني؟.. مش لازم تاكل شيبسي.. مش
امّك بيطلع بوزها في طابور العيش الفينو علشان تدّيك سندوتشات؟
- ما هي ساعات ما بتدّينيش آخر الشهر
لمّا الرصيد بتاع العيش بيخلص من بطاقة التموين؟.. آكل زلط يعني؟
- يا وله بطّل لماضة.. إرحمني شويّة..
مش كفاية الدروس الخصوصيّة اللي بتاخدها وبتكلّفني عشرين ألف جنيه في الشهر؟
- أعمل إيه؟.. ما هو الفصل بتاعنا فيه
ميتين وتلاتين طالب والمدرّسين ما بيشرحوش.
- طب ما اخوك أهه.. مصروفه ألفين بس وما
بيتكلّمش.
- إنت ح تقارن بيني وبينه؟.. ده في كى
جي ثري لسّه.
- معلهش يا سي "أوريكا" زوّده
ألف جنيه بس علشان ما يبقاش أقل من زمايله.
- وانتي خاسس عليكي إيه يا ست
"فرتكة".. ما انا اللي متنيّل في المصاريف لوحدي.. مش كنتي نزلتي الشغل
وساعدتيني شويّة.
- إيدي على كتفك.. هوَّ انا متأخّرة..
ما انا من ساعة ما أخدت بكالوريوس الصيدلة وما اشتغلتش غير تومرجيّة في مستشفى
"الكلب" لمدّة سنة بالعافية.. هوَّ فيه حد بيلاقي شغل اليومين دول؟
- معلهش بكرة تروق وتحلى.. بيقولوا ح
يعملوا مؤتمر اقتصادي كبير السنة الجايّة وح ينقل البلد نقلة تانية خالص.. ربّنا
يسهّل.
- وهمّ ستّين مؤتمر ح يعملوا حاجة.. طول
ما احنا بنحب الكسل وما بنشتغلش بضمير ومستنيّين الحكومة تعمل كل حاجة ح نفضل
محلّك سر ويمكن أنيل.
- يا نهار أبيض.. الساعة بقت ونص.. أنا
اتأخّرت ع الشغل.. سلام.
وانصرف "أوريكا" مسرعاً في حين
أكملت زوجته وولديْهما إفطارهم ثم توجّه الولدان لمدرستهما وانكبّت الزوْجة على
أداء واجباتها المنزليّة بما فيها إعداد طعام الغداء وأثناء ذلك كانت تشاهد
التلفاز من وقتٍ لآخر أو تتابعه بأذنيْها وهي في المطبخ وقد علا صوته في الصالة
أثناء برنامج "الفن وسنينه" الذي كان يقدّم نقداً موضوعياً لفيلم
"جاتك موتة تاخد أجلك" الحائز على جائزة البلحة الذهبية من مهرجان
"بولاق الدكرور" الدولي، وكان الفيلم من بطولة "قردان
السعدان" و"مي البابون" وإنتاج "تيمور الربّاح" وإخراج
"قشة النسناس".
وبعد ساعتيْن أوشكت الدكتورة
"فرتكة" على الانتهاء من عملها اليومي المعتاد ولم يتبقَّ سوى أمورٌ بسيطة
يمكن إنجازها قبيل وصول باقي أسرتها إلى المنزل ؛ فقرّرت أن تكافئ نفسها بمشاهدة
برنامجها المفضّل "أرابز جوط طالنط" الذي فاتتها مشاهدته في بثّه
المباشر أمس فجلست إلى حاسبها الشخصي (الكمبيوتر) وأخذت تتابعه على الشبكة
العنكبوتيّة (النِت) فاستغرقها ذلك وقتاً طويلاً من شدّة بطء الاتصال بالنت حيث
يلزم المواطن المصري أكثر من ربع ساعة لتحميل خمس دقائق فقط من أي مادة فيلميّة
(فيديو) رغم أننا الآن على أعتاب القرن الثاني والعشرين.
وقد تميّز هذا البرنامج بهويّته العربيّة الأصيلة وهو الوحيد الذي يتجمّع حوله ويتوحّد فيه العرب من مختلف الجنسيّات ويشاهده جميع المصريين والعرب حيث يشارك فيه مجموعة كبيرة من الموهوبين العرب مثل "إيفون كرمالك" من أصل لبناني وتعيش في كندا (في مسابقة رقص الباليه) و"خبّاص لعويناتك" من أصل سوري ومهاجر إلى السويد (في مسابقة الهيب هوب دانص) و"بوقويق برشا" من أصل تونسي ومقيم في فرنسا (في مسابقة البريك دانص) والمعجزة المصرية ذات الجنسية الأمريكية "إندومي بسطة" (في مسابقة رقص الصالصا) وغيرهم من باقي المتجنّسين واللاجئين العرب في مختلف بقاع أرض الله. .... يتبع.