"امسِك الخشب" أو "دُق ع
الخشب" مَثَلٌ يختلف أصله باختلاف الديانة والجنسيّة
“Touch wood” or “Knock on wood”
معنى ومناسبة المثل:
تُقال هذه العبارة
عندما يدور الحديث عن مميّزاتٍ حسنةٍ أو صفاتٍ حميدةٍ أو نِعمٍ كثيرةٍ يتمتّع بها شخصٌ
ما لحمايته من الحسد أو من شر عيون الناس أو من الأرواح الشرّيرة.
قصّة المثل وأصل منشأه (حسب رواياتٍ عديدة غير مؤكَّدة):
أولاً: حسب الديانة:
-
بعض عابدي الأشجار
(ما قبل اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام):
كانوا يعتقدون أن الآلهة
أو الأرواح الطيّبة تعيش داخل الغابات (معنى
غابات باللغة الإنجليزيّة woods) وتتَّخذ الأشجار
منازل لها فكانوا يعتبرون الشجرة وسيطاً روحيّاً ويضعون أيديهم عليها عند طلب
معروفٍ ما أو عند رغبتهم في دفع أذىً ما .. كما كانوا يذهبون لها ويلمسونها خلال
شكرهم لها بعد أن ينالهم الحظ الجيد لإظهار مدى امتنانهم لقوى ما وراء الطبيعة ولجلب
الحظ الجيّد.
-
اليهود:
يُقال قديماً أن
محاكم التفتيش الإسبانيّة (التي تم تشكيلها منذ القرن الخامس عشر حتى التاسع عشر
بغرض الحفاظ على العقيدة الكاثوليكيّة والتي كانت تُفتِّش عن وجود اليهود
والمسلمين فتقتلهم أو تنفيهم بعد أن خيّرتهم بين تحويل ديانتهم إلى المسيحيّة الكاثوليكيّة
أو ترك إسبانيا) كانت قد ضيَّقت الخناق على اليهود ممّا جعلهم يختبئون داخل معابدهم
السرّية .. ويلجئون إلى استخدام الطَرْق أو النَقْر على أبوابها الخشبيّة بأسلوبٍ مُعيَّنٍ
مُتَّفَقٍ عليه للتأكُّد من أن الطارق يهوديٌ ولضمان عدم مهاجمة محاكم التفتيش لهم
.. وقد نجحت هذه الطريقة في حمايتهم وقتاً طويلاً ممّا جعلهم - فيما بعد - يتباركون بالدق أو الطرق
على الخشب.
-
المسيحيّون:
تعنى كلمة "الصليب" فى
اللغة القبطيّة "ستافروس" ومعناها الأصلي "خشبة" أو "عمود خشبي مرفوع لأعلى" أو "منضدة خشبيّة" .. ولأن الصليب هو رمزٌ دينيٌ يؤمن
به المسيحيّون ويعتقدون أنه يحفظهم من الشرور ويمنحهم البركة والشفاعة والحصانة
فقد دأبوا منذ عصر الإمبراطور "قسطنطين" (أوّل إمبراطور يعتنق
المسيحيّة في أوائل القرن الرابع الميلادي) على لمس الصليب (أو الخشبة المُقَدَّسة)
ثلاث مرّاتٍ (حسب عقيدة الثالوث: الأب والابن والروح القُدُس) وهم يسيرون داخل
مواكبٍ حاشِدةٍ للتبرُّك ولدرء الحسد فصارت عادةً مشهورة.
-
المسلمون:
يُقال أن بعض
الصوفيّون والدراويش يتباركون بالمسح على التابوت الخشبي (بالعاميّة: الخشبة) الذي
يرقد بداخله أحد العارفين بالله وأولياء الله الصالحين أو أحياناً بالمسح على
الحاجز أو القفص الخشبي (المصنوع من الخشب المصفوف هندسيّاً على هيْئة الأرابيسك) الذي
يحوي بداخله جثمان ذلك العارِف أو الصالح (ويُسمّى: مقام) ليفصل بينه وبين جموع
مريديه وزوّاره .. وهم أثناء المسح أو اللمس يردِّدون أذكاراً وأدعيةً طالبين دفع
الحسد والشرور وجلب الحظ والخيْر.
ثانياً: حسب الجنسيّة:
-
الفراعنة وقدماء
المصريّين:
كانوا يقدِّسون شجرة
الجمّيز حيث كانت ترمز للحياة بعد البعث .. وكانوا يطرقون عليها ببراجم الأصابع (المفاصل
الوسطى للأصابع .. كما في الصورة أعلاه) للمُباركة وتحقيق الأُمنيات وإبعاد السوء .. فصار
ذلك مُعتاداً فيما بعد.
-
بعض الشعوب مثل قبائل
الكِلتيك (كانت تعيش في أوروبا والأناضول) والشامان (الذين يعيشون في آسيا الوسطى
وسيْبيريا) والبوذيّين (الذين يعيشون في جنوب شرق آسيا):
يعتقدون أن الشياطين
والأرواح الشرّيرة تسكن داخل الأشجار وأن آذانهم مرهفة السمع تُنصِت لكل ما يدور
حوْلها .. ولأن الأثاث والمصنوعات الخشبيّة مصنوعةٌ من الأشجار فيجب الطرق أو الدق
أو النقر عليها لإحداث ضوضاءٍ مُزعِجةٍ تكفي لطرد هذه الشياطين والأرواح أو على الأقل
تكفي للتغطية على صوت الحديث الدائر عن ذلك الشخص القابل للحسد فلا تستطيع الشياطين أو
الأرواح أن تسمع ما يدور عن مزاياه أو حظوظه فلا تتمكَّن من أن تصيبه بسوء أو أن
تتسبَّب له في العَثرات والعراقيل.
-
الأيرلنديّون:
لديهم اعتقادٌ بأن
الشجر يسكنه الجِن والأقزام .. وأن التخبيط على الشجر أو الخشب يمنع الناس من
الاستماع لوَسوَستهم التي تحض على الحسد والكراهية.
-
البريطانيّون:
أخذوا هذه العادة من
لعبة أطفال يرجع أصلها للعصر الفيكتوري (إبّان تولّي الملكة "فيكتوريا"
عرش بريطانيا العُظمى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي) وتُدعى "تيج .. إلمس
الخشب" .. وفي هذه اللُعبة يتم إطلاق اسم "تيج" على الشخص الذي يحل
دوْره في اللعب .. ويتم اختيار عِدّة أشجارٍ كقواعد (مثل لُعبة البيسبول
الأمريكيّة) .. ويسعى "تيج" للجري وراء رفاقه المُتسابقين المشاركين في
اللُعبة ولمس أيٍ منهم .. ولا يحق له الإمساك بالمُتسابق الذي يلجأ لأي شجرةٍ تم
اختيارها كقاعدة والتي توفّر الحماية لذلك المُتسابِق بمجرّد أن يلمسها .. ويستطيع
"تيج" الإمساك بأي مُتسابِقٍ فقط أثناء هربه من قاعدةٍ إلى أُخرى .. ومن
هُنا أصبحت الشجرة (أو ما يُصنع منها) ملاذاً آمِناً لمَن يُريد الحماية والهروب
من الأشياء المكروهة.
-
الصينيّون
والكوريّون:
يعتقدون أن المباركة
بالخشب ترجع لأمرٍ مُختَلِفٍ وهو وفاة بعض الأطفال أثناء ولادتهم بجانب هذه
الأشجار (وهي عادة النساء بين فلّاحي الصين وكوريا اللاتي يتفاءلن بسهولة الولادة
تحت جذع شجرة) .. ما دعاهم للذهاب للغابات أو الحدائق القريبة وطرق الأشجار بها
وتمنّي بعض الأشياء أملًا في حدوثها لتحقِّقها تلك الأرواح الطيّبة لهؤلاء الأطفال الذين ماتوا خاليين من أي ذنوب وهم قريبون من الرب.
-
الألمان:
يتباركون بالنقر أو
الطرق أسفل خشب الأثاث وليس على السطح لاعتقادهم أن أسفل الخشب هو أكثر نقاءً من
السطح المصبوغ أو المُغطّى بقِشرةٍ أو المُستعمَل .. أو لأنهم يرون أن النقر على أسفل
الخشب أسلم من النقر من فوْقه كي لا تأتي النقرة على رأس الأرواح التي تسكن
الأشجار - المصنوع منها الأثاث الخشبي - فتغضب من الناقِر.
تعليق "ابن أبي صادق":
لأن هذه العبارة معروفةٌ في أرجاء العالم فإن حكوماتنا العربيّة الرجعيّة تستخدمها أمام الدول الغربيّة المُتقَدِّمة للتدليل على مدى التقدُّم والرخاء والنمو الذي تعيشه المجتمعات العربيّة السعيدة المحظوظة (بنت المحظوظة) بحكّامها الأشاوس على جميع الأصعدة منذ أن جثموا على مراوح صدر أم تلك الشعوب .. ممّا أوصلنا لهذا الدرك الأسفل في قاع الأمم الكائنة بالثقب الأسود في مؤخّرة العالم .. واللهمَّ لا حسد .. امسك الخشب بقى يا مواطن أحسن لك بدل ما تمسك السلك العريان .. تاتش وود يا روح ماما منك له.