خبر
أخبار ملهلبة

مصير صرصار | توفيق الحكيم | الفصل الثاني: كفاح الصرصار (3)


صرصور يتم فحصه تحت عدسة مكبرة

الفصل الثاني (3)

 

 

سامية: تقريباً ثُلُث المسافة إلى أعلى الحوْض ..

عادل: نعم .. ثم يسقط ..

سامية: إنه إذن غير مستطيع التسلّق أكثر من ذلك ..

عادل: لأن جدار الحوض كما ترين أكثر انحناءً قُرْب القاع .. وهذا يسهِّل عمليّة التسلّق .. أمّا بعد هذه المسافة فإنه يصبح مستقيماً ..

سامية: ليس هذا هو السبب .. إن الصرصار يتسلّق الحائط المستقيم بسهولة .. وكذلك السقف .. كل السبب هو في الملاسة .. لا يوجد حائط ولا سقف أملس بهذه الدرجة ..

عادل: وكيف إذن يتسلّق الصرصار حائطاً مـن البـلاط القيشاني .. وهو في ملاسة هذا الحوض؟! ..

سامية: ومَن قال لك إن الصرصار يتسلّق الحائط القيشاني؟ ..

عادل: ألا يستطيع؟ ..

سامية: هل رأيت ذلك مرّة؟ ..

عادل: يُخيَّل إليَّ أني رأيت ..

سامية: يُخيَّل إليك؟! .. أي أن حضرتك تتخيّل ..

عادل: وأنت؟ .. هل رأيتِ؟ ..

سامية: لا .. وما دمت لم أر صرصاراً يسير على الحائط القيشاني فلا أستطيع القوْل إنه يمكن أن يحدث ..

عادل: منطقٌ صائب ..

سامية: ألا يعجبك منطقي؟ ..

عادل: أنا قلت إنه لا يعجبني؟ .. أنا فقط أتساءل .. مجرد تساؤل .. هل كل ما لم ترَه عينـاكِ لا يمكن أن يحدث؟ ..

سامية: مَن قال مثل هذا الكلام؟ ..

عادل: خُيّل إليَّ أنك قلت شيئاً كهذا ..

سامية: خُيّل إليك !.. مرّةً أخرى تتخيّل .. من فضلك لا تتخيّل! ..

عادل: أمرِك .. لن أتخيّل .. وما دمت تريدين أن أكون واقعيّاً فاسمحي لي أبحث في القاموس ..

سامية: تبحث عن ماذا؟ ..

عادل: عن عادات الصراصير! .. لحظة واحدة ..

(يسرع إلى رف الكتب بجوار السرير ويأتى بالقاموس .....)

سامية: بسرعة من فضلك ..

عادل (يقلِّب القاموس): حـالاً .. صر .. صرر .. صرصر .. صرصور والجمع صراصير .. ويقال أيضاً الجُدجُد ..

سامية: جُدجُد؟ ..

عادل: نعم .. جُدجُد .. وهي الأفصح ..

سامية: أنا أفضِّل كلمة صرصار ..

عادل: ليست موجودة في القاموس ..

سامية: لا يهمّني وجودها أو عدم وجودها .. إني أفضِّلها ..

عادل: وأنا أيضاً ..

سامية: وماذا في قاموسك أيضاً؟ ..

عادل: الصرصور أو الجُدجُد أو الصرصار - كما تريـدين وأريد - حشرةٌ ضارّة تعبث بالطعام والملابس والورق وتكثر في المراحيض، لها قرونٌ طوال شعريّة أو شوارب .. وهي تُفسِد من الأطعمة أكثر ممّا يلزمها للغذاء، ويستطيع الواحد منها أن يعيش حوالي سنة ..

سامية: سنة؟! .. يعيش سنة؟ ..

عادل: إذا سَلِم من الإبادة، وتُرِك يستمتع بحياته ..

سامية: ويُفسِد طعامنا وملابسنا! ..

عادل (يُغلِق القاموس): هذا كل ما في القاموس ..

سامية: والآن؟ ..

عادل: والآن ماذا؟ ..

سامية: هل سنظل هكذا نتفرّج على الصرصار؟ ..

عادل: فرجةٌ ممتعة! .. ألا ترين ذلك؟ ..

سامية: والأشغال التي أمامنا؟ ..

عادل: حقّاً .. الأشغال! ..

سامية: يجب أن ننتهي ..

عادل: وكيف ننتهي؟ .. هذا شيءٌ ليس في يدنا ..

سامية: وفى يد مَن؟ ..

عادل (مشيراً إلى الصرصار): في يده هو .. إنه ما زال يتسلّق ..

سامية: وما زال يسقط أيضاً ..

عادل: نعم .. يتسلّق، ثم يتدحرج، ثم يسقط .. لاحظى الحركة .. تسلُّق، ثم انزلاق، ثم تدحرُج، ثم سقوطٌ إلى قاع الحوْض ..

سامية: تسلُّق ثم تزحلُق ثم تدحرُج .. ثم سقوطٌ إلى قاع الحوْض ..

عادل: تمام .. ثم المعاودة من جديد .. بدون راحة .. بدون هُدنة .. تسلُّق .....

سامية: ثم تزحلُق ..

عادل: ثم تدحرُج ..

سامية: ثم سقوط ..

عادل : ثم تسلُّق ..

سامية: اسمع يا عادل .. وأخيراً؟ ..

عادل: إنه لم يقل كلمته الأخيرة! ..

سامية: أظن كفاية ..

عادل: أتقولين لي أنا ذلك؟ ..

سامية: أرجوك .. إذا كان عندك أنت وقتٌ تضيّعه فأنا ليس عندي وقت ..

عادل: وما ذنبي أنا يا ربّي؟! ..

سامية: هل سآخذ حمّامي أو لا؟ ..

عادل: تفضّلي! .. هل أنا منعتِك؟ ..

سامية: والصرصار؟ ..

عادل: أنا غير مسئولٍ إلّا عن نفسي ..

سامية: معنی هذا أنك تنـوي أن تتركـه هـكـذا داخـل الحوْض؟! ..

عادل: أظن يحسن تَرْکُه هكذا يحل مشكلته بنفسه ..

سامية: أتمزح يا عادل؟ .. أهذا وقت مزاح؟ ..

عادل: بالعكس .. أنا في منتهى الجد .. ألا ترين أنه لا يزال يحاول إنقاذ نفسه .. فلنتركه يحاول ..

سامية: إلى متى؟ ..

عادل: لا نستطيع - لا أنا ولا أنتِ - أن نقرِّر متى؟ .. هذا يتوقّف على إرادته هو .. وهو حتى الآن لا يبدو عليه نيّة الكَف عن المحاولة .. انظري! .. لم تظهر عليه بعد أي علامةٍ من علامات التعب ..

سامية: ولكني أنا تعبت ..

عادل: مع الأسف ..

سامية: وأنت؟ .. ألم تتعب؟ ..

عادل: طبعاً .. مثلِك .. لكن ما باليد حيلة! ..

سامية: بالاختصار، أنا لن آخذ حمّامي في يومي هذا، ولن ألبس، ولن أذهب إلى عملي .. كل ذلك بسبب صرصارٍ وقع في حوْض الحمّام، وزوْجي الهُمام وقف ينظر إليه ويهذي بالكلام الفارغ ..

عادل: أشكرِك! ..

سامية: مادمت أنت لا يمكن الاعتماد عليك، فلأتصرّف أنا إذن ..

عادل: ماذا ستفعلين؟ ..

سامية: سأُحضِر مبيد الحشرات، وأتولّى الأمر بنفسي ..

عادل: تبيدين الصرصار؟! ..

سامية: في الحال ..

عادل: اذهبي إذن وأحضِرى المبيد! ..

سامية: وهو كذلك ..

(تخرج "سامية" مسرعةً إلى المطبـخ .. ويُسرِع "عادل" ويُغلِق عليه باب الحمام من الداخل .. وتتنبّه "سامية" فتستديـر وتدق باب الحمام المغلق .....)

("عادل" في داخل الحمّام يتّجـه إلى الحوْض وهو يدندن بالغناء .....)

سامية: ماذا فعلت یا "عادل"؟ .. افتح! ..

عادل (لا يـرد عليها، وينظر إلى الصرصار في الحوْض): .....

سامية: عملتها یا "عادل"؟ ..

عادل (مشيراً إلى الصرصار): تسلّق .. تسلّق .. خطوةٌ أخرى .. تشجّع .. تشجّع ..

سامية (تدق الباب): "عادل" .. افتح! ..

عادل ( للصرصار): اثبت .. اثبت .. دافع عن حياتك! ..

سامية (تدق بشِدّة): قلت لك افتح يا "عادل" .. افتح .. إلا تسمعني؟ ..

عادل (للصرصار): يريدون قتلك بالمبيد .. لا تخَف! .. لن أفتح .. اثبت .. اثبت .. اثبت ..

سامية (تدق الباب): افتح الباب يا "عادل"! .. افتح لي ..

عادل (للصرصار): يــا خسارة! .. تزحلقت، وتدحرجت، ثم سقطت ككل مرّة ..

سامية (تدق الباب): ألا تسمع كل هذا الدق؟ ..

عادل (للصرصار): تريد أن تعاود الكَرّة؟ .. تتحرّك مرّةً أخرى للتسلّق؟ .. لماذا لا تستريح قليلاً؟! .. استرِح لحظةً يا أخي! .. خُذ لك راحة! .. لكن لا فائدة .. (صائحاً) لا فائدة! ..

سامية: لا فائدة؟! .. تقول لا فائدة؟ ..

عادل: ليس لكِ أنتِ! ..

سامية: نطقت أخيراً! .. والنهاية .. ستفتح أو لا؟ ..

عادل: لا ..

سامية: تقول لا؟ ..

عادل: نعم ..

سامية: تقول لا أو نعم؟ ..

عادل: لا ونعم ..

سامية: تكلّم كلاماً مفهوماً .. ستفتح أو لن تفتح؟ ..

عادل: سأفتح ولن أفتح ..

سامية: لا تضايقني .. حدِّد موقفك! ..

عادل: حدِّدي أنتِ موقفِك! ..

سامية: موقفي أنا واضح .. واضحٌ جداً ..

عادل: بالنسبة إلى مَن؟! ..

سامية: إليك طبعاً ..

عادل: أنا لا أسأل عن موقفِك بالنسبة إليَّ .. أنا أسأل عن موقفِك بالنسبة إليه هو ..

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent