صورة واحد مُتفرِّج تليفزيوني (3)
الجُمعة مساءً:
أخذتُ جوْلةً بين
القنوات المُوَجَّهة التي تديرها الحكومة من خلف الكاميرات، ودُهِشت من الأبواق
الإعلاميّة اللي بتعمل م البحر طحينة وم الطينة بابا غنّوج، فها هُما ولاد الحاج
"موسى": "أحمد" و"محمّد" يتغنّون بإنجازات الحكومة
التي لا نراها إلّا عندهما، وها هو "تامر الأمين" يصرخ في الناس
ليستحِمّوا ويُقلِعوا عن أكل الفسيخ، أمّا "عمرو الأديب" فما زال يُبدِع
في وصف الأكل الأورجانيك واستضافة أصحاب المطاعم ليأكل معهم ما لذَّ وطاب أمام
الشعب الجائع، ويستمر "مصطفى البكري" في سب الإخوان المسلمين وينتقدهم
لأنهم هم السبب في المؤامرة الكوْنيّة لاختفاء "حَب العزيز" من الأسواق،
كما شاهدتُ الإعلاميّة اللامعة "نميس الحديدي" التي تدعو الشعب للتقشُّف
والزُهد وهي تلعلط من الجواهِر والألماظات التي ترتديها، ولا داعي لذِكر باقي
الأبواق فهم شخصيّاتٌ هامشيّةٌ ولا يُشاهدهم غير بعض أقاربهم من الدرجة الأولى.
الجُمعة ليْلاً:
ضغطتُ على زر القنوات
بشِدّة فقفزت أمامي قناة "الزمالِك" حيث كان رئيسها يسب الجميع في كل
الاتجاهات ويخوض في أعراض خصومه وعائلاتهم ويفرش الملاية صارخاً في وجه المئات من
مُعارضيه لاعِناً ديك أُم اليوم الذي جاءوا فيه على وجه البسيطة ومهدِّداً كل مَن
تُسوِّل له نفسه ويرد عليه بأن يفضحه ويجرجره ف الاقسام والمحاكم ويجعله عِبرةً
للعالمين، انتابتني حالةٌ فُجائيّةٌ من القرف والاشمئزاز، وقبل أن أتقيّأ حوّلت
على قناة "الأهلي" التي كان يشكو كل مَن فيها من الظُلم البيّن
والمؤامرة الفظيعة لزملكة الدوْلة والتي أدَّت في النهاية إلى عدم الفوز إلّا
بتسعين ف الميّة فقط من البطولات، حيث قال مُذيعها "بيبو الغلبان":
- طبعاً كلّنا شُفنا التحكيم الفاجر لماتش
النهار ده اللي لِسّه خالِص من شويّة واللي انتهى 17 / 1 لصالح فريقنا البطل ..
شُفنا ازّاي الجون بتاع الخِصم جا من تسلُّل واضح .. شفنا ازّاي الحكم ما رضاش
يحسب لنا سبع بلنتيّات مُستحقّة وتلات كرانر وآوتين واتنين هاند بول وواحد هانش
بول .. كفاية ظُلم بقى .. إنتم كده ح تعملوا كارثة ف البلد .. لأن جمهور "الأهلي"
ما بقاش مستحمل خلاص .. الجمهور كان عنده حق النهار ده وهوَّ بيشتم المسؤولين
واتحاد الكورة والحُكّام والفِرَق المُنافسة والعيال اللي بتلِم الكوَر والكُل
كليلة من أوِّل الدقيقة التالتة لغاية آخر الماتش .. لاعبنا النهار ده كان عنده حق
لمّا سب الدين لأحد لاعبي الفريق المُنافِس ولطشه قلمين بعد الماتش .. وعايز اسأل
لجنة الحُكّام أو لجنة الاحتواء: إزّاي حكم النهار ده ما يحسبش غير ساعة ورُبع بَس
وقت ضايع؟ .. حاجة غريبة ومُريبة واللهِ .. لك الله يا جمهور "الأهلي"
يا اللي بتشجّع أفضل نادي ف الكون وف مجرّة درب التِبّانة تِمّاً.
عندئذٍ لم أنجح في منع
نفسي من الترجيع على كَنَبة الأنتريه التي كُنتُ أجلس عليها من كميّة القرف
وانعدام الروح الرياضيّة والفِتنة بين الجماهير التي تشعللها القنوات الرياضيّة.
حوِّلت على قناة
"دَبِل كيك" الرياضيّة المُحايدة لأجد أمامي الكابتن والمُدرِّب السابق
"عماشة الأحول" وهو يُحلّل جانباً من المباراة:
- ف الواقع "الأهلي" النهار ده
عمل ماتش كبير وجاب 17 جون ملعوب .. بس ده ما يمنعش إننا نحيي فريق "العجوة
والمعسِّل" على أدائهم الرجولي الراقي وإن شاء الله ح يبقى لهم مُستقبل كبير
جدّاً .. خصوصاً اللاعب اللي جاب الجون الوحيد بتاعهم .. الولد شاط الكورة من على
بُعد أكتر من أربعين سنتي من خط المرمى .. وتلاحظوا إنه شاطها بضوفر صوبع رِجله
الصُغيَّر علشان تعمل موزة وتُسكن الزاوية اليُسرى للمرمى.
وهنا قاطعه زميله
الناقد الرياضي "فريد المستخاوي" قائلاً:
- مع احترامي ليك يا كابتن .. الولد حاوِل
يشوط الكورة بضوفر صوبع رِجله الصغيَّر بَس الكورة لَبَسِت في الكالّو .. علشان
كده عملِت موزة.
- لا يا أُستاذنا .. الكورة جات ف الضوفر.
- وانا بأأكِّد لك إنها جات ف الكالّو.
- ف الضوفر .. أنا متأكِّد.
- لأ .. ف الكالّو .. تراهِنّي؟
وهُنا تدخَّل مُذيع
الاستوديو "شادي زَيْ قِلِّتُه" ليفصل بينهما فطلب من المُخرِج إعادة
اللقطة عن قُربٍ بالتصوير البطيء، وبعد إعادتها أكثر من تلاتّاشر مرّة استمر
الخلاف فاضطر المُذيع لأن يُنهي البرنامج للذهاب لإذاعةٍ خارجيّةٍ لنقل صلاة الفجر
على أن تُخصَّص حلقة الغد بالكامل لمعرفة رأي خبراء الكرة في آخر مَن لمس الكرة:
الإظفر أم الكالّو.
عند هذا الحد أُصِبت
بالفرهدة وجاءتني سكتة نوْميّة مُفاجِئة فنِمتُ في مكاني غير مأسوفٍ عليَّ.
السبت:
فاتني موْعد عملي بعد أن صحيت الضُهر لأجد نفسي نائماً على الكَنَبة والترجيع مزروَط هدومي كلّها، اتَّصلت بزميلي في العمل ليُقدِّم لي على أجازة عارضة، وذهبت للحمّام للاستحمام، ثم نظَّفت مكان جلوسي أمام التليفزيون قبل أن تأتي جماعتي وتبهدلني على منظر الصالة اللي زبِّلتها، وقرّرتُ أن أذهب للباشمهندس "قمرسات أبو النيل" ليشوف لي بيعة أو تصريفة ف أُم الدِش والريسيفر اللي ما جانيش من وراهم غير القرف.