سبتمبر 2020 :
مرّت منذ أيّام ذكرى وقفة "عرابي"
(التي ينكرها البعض) عندما وقف مناطحاً الخديوي "توفيق" وقال له:
"لقد خلقنا الله أحراراً" وشويّة كلام فارغ تاني من اللي ما بيأكّلش عيش
في "مصر" المهروسة من زمان لحد ده الوقت.
وإذا ذُكر "عرابي" ذّكر رفيقه "البارودي" رب السيف والقلم واللذان انتهت مغامرتهما التي كرمها الشعب المصري الأصيل بتسميتها بـ"هوجة عرابي" (على غرار "نكسة يناير" كده) بمعاقبتهما بنفيهما (مع باقي رؤوس الثورة العرابية) إلى مدينة "كولومبو" بجزيرة "سيريلانكا" حيث أقاما في المنفى لفترة اقتربت من العشرين عاماً وانتهت بإصابة الأوّل بالشلل وبعض الأمراض الأخرى والثاني بالعمى وبعض الأمراض الأخرى قبل أن يمن عليهما الحاكم الفاسد بالعودة إلى مصر ليعانيا التجاهل والاحتقار من الأهل والجيران ويموتا في بيتهما غير مأسوفٍ عليهما من المصريين وهذه عقوبةٌ أخرى أشد تعذيباً وأكثر إيلاماً لو تفقهون .. وآدي جزاء اللي ما يشربش اللبن الصبح وما يغسلش رجليه وسنانه قبل النوم وما يسبّحش بحمد أي حاكم يحكم "مصر" المفروسة آناء الليل وأطراف النهار .. وآدي آخرِة اللي يضحي بعمره ويولّع في نفسه علشان ينير الطريق لشعبٍ أعمى لا يرى طريق الرشاد ولا يستمع سوى للأكاذيب ولا يتذوّق غير الذل ولا يتلمّس إلّا الخنوع للقيود ولا يشتم أنسام الحريّة.
لكن قبل أن يموتا مقهوريْن منبوذيْن من الشعب
الذي ثارا من أجله تركا ما يخلّد ذكراهما بين أهليهما المخلصين فقد أحضر
"عرابي" معه شجرة المانجو التي لم يكن يعرفها المصريون من قبل .. أمّا
"البارودي" فترك ما هو أبقى وأقيَم: حفنةً من الأبيات التي تصف بلده بدِقّة
فقد عرف الفولة وكشف الزتونة بعد تجربته المريرة مع "مصر" والمصريين
فقال:
بِئْسَ العَشيرُ وبِئْسَتْ مِصْرُ مِن
بَلَدٍ ** أضحَتْ مُناخاً لأهل الزورِ والخَطَلِ
أرضٌ تأثَّلَ فيـها الظُلْـــمُ
وانقَذَفَتْ ** صَواعِقُ الغَدْرِ بيْن السَـهْلِ والجَبَلِ
وأصبحَ فيها الناسُ في عَمياءَ مُظْـلِمَةٍ ** لـم يَخْـطُ فيها امرؤٌ إلّا عَـــلى زَلَلِ