"شيء من الخبث" | الفصل التاسع (3)
وعندما قارب حديث أهل القرية المجتمعين في المقهي
على الإنتهاء كان إجتماع ضبّاط الهجّانة في دوّار العمودية قد بدأ للتو :
"طهطاوي" :
- مسا الخير يارجّالة.. كله حاضر.. تمام.. إحنا
الليلة دي مجتمعين ف دوّار العموديّة مش ف "دره".. علشان
"عتريس" ما يبقاش معانا.. حاكم هوَّ لسّه متعشّم يرجع العموديّة تاني.. بصّوا
بقى.. إحنا ماشيين زي الفل وكل اللي كنّا عايزينه حصل.. المشوار قرّب على نهايته
خلاص.. فاضل تكّة واحدة وبس.. التكّة دي تبقى: مين العمدة الجديد؟.. طبعاً احنا اسياد
البلد من زمان وح نفضل برضه اسيادها إلى أبد الآبدين.. وعمرنا ما ح نبقى مجرّد
شويّة عساكر وظبّاط بناخد أوامر من أيُّها حد.. إحنا لازم نفضل حاكمين البلد دي بالحديد
والنار.. لإن العموديّة لوطلعت لحد تاني برّانا عمرنا ما ح نعرف نحتكم عليها تاني.
"عدنان" بعد أن رفع يده اليمنى
ليستأذن بالكلام وبعد أن أذن له "طهطاوي" :
- بس احنا عاهدنا أهل البلد إن العمدة الجديد
مش ح يبقى م الهجّانة.. ح نرجع ف كلامنا إزّاي؟
"طهطاوي" :
- وهيَّ دي مشكلة؟.. لها صرفة برضه.. طب ما هو
"عتريس" كان حالف للناس إنه ما كانش ينتوي تسليم العموديّة بالوراثة
"لكمال" ابنه.. وفعلاً كان ناوي يعمل انتخابات حرة نزيهة نضيفة شريفة
عفيفة.. وينزل فيها أي حد عايز يرشّح نفسه.. وطبعاً كان ناوي يخلّي "كمال"
ينزل الانتخابات برضه.. وكان ح ينجح فيها أساسي باكتساح.. ما هي الصناديق حدانا ومش
أوّل مرّة نظبّطها.. م الآخر كده كان "كمال" ح ييجي بالانتخاب أهو مش
بالوراثة.. يبقى "عتريس" كان صادِق مع الناس ومش بيشتغلهم.
"عليش" :
- طب وبالنسبة لنا احنا؟
"طهطاوي" :
- إحنا برضه ح نكون صادقين مع الناس.. ما هو لو
ظابط مننا مستعفي م الخدمة وع المعاش زي "رفيق" ولا "أتاته" ولا
"عمر سَلْمان" ما يبقاش م الهجّانة خلاص.. ده خلَّص مدّة خِدمته وبقى مدني
زي أي واحد من أهل البلد.. وبقى بيلبس جلابيّة ملكي زيّهم.. يبقى احنا ما عاهدناش
الناس أونطة.. صح؟
"عثمان" :
- صح.. بس نفهم من كده إن احنا ح نحط واحد م
التلاتة دول عمدة؟
"طهطاوي" :
- واللهِ براحتنا.. ممكن نحط واحد منهم.. وممكن
نجيب واحد مننا لسّه ف الخدمة زيّي أو زيّك ونطلّعه معاش.. وبعد ما يلبِس الجلابيّة
ويقعد ف بيتهم قَدْ كام إسبوع كده نخلّيه يرشّح نفسه كراجل مدني من أهل البلد.. ونظبّط
له الانتخابات ويبقى هوَّ العمدة الجديد ونجوّزه "فؤادة".. ونخلص من أم
الحدوتة الماسخة دي بقى.
"البنجري" :
- يسلم تمخميخك يا سي "طهطاوي".
"طهطاوي" منتشيّاً بالمدح :
- لأ ولسّه.. فيه فكرة كمان.. إحنا ممكن نجيب
واحد من برّه الهجّانة يكون ما يتخيّرش عننا.. يعني مخلص ووفي للهجّانة فشر أي ظابط
فينا.. ويبقى عينه وعبادته إنه يرضينا وما يخالفناش ف أيّتها حاجة.. زي العروسة ف
إيدينا.. نمشّيه ونحرّكه زي ما احنا عايزين من ورا الستارة من غير ما حد يحّس بينا..
والواحد ده يسيب لنا الحبل ع الغارب وما يتكلّمش نص كلمة.. بس الفكرة دي مش ح
ننفّذها إلا لو اتزنقنا خالص وما عرفناش نفَلْفَص من أهل البلد.. وبشرط إن الواحد
ده يبقى عمدة فترة موقّتة بس.. يعني كام شهر كده ويسيب العُموديّة لواحد مننا بعد
كده.. محلّل يعني.
"الجويني" :
- طَب وبقية الناس اللي رشّحوا نفسهم
للعموديّة ح نعمل فيهم إيه؟
"طهطاوي" :
- طبعاً محتاجينهم.. أومّال مرشحنا ح ينافس
نفسه ولّا إيه؟.. دول مهمّين قوي لزوم الديكور قدّام الناس.. وعلشان ما تبقى الحكاية
مسبوكة تمام.. ده احنا كمان ح نشجّع ونزق كلّ من هب ودب من الصيّع وقلالات القيمة
علشان يترشّحوا للعموديّة لاجل ما الناس تحس إن الحكاية عيّلت وان الحريّة اللي كانوا
عايزينها خلّت الدنيا بزرميط.. بس ده ما يمنعناش برضه إن احنا نمهّد للناس ونحضّرهم
للعمدة الجديد اللي تبعنا.
"عفارة" :
- إزّاي؟
"طهطاوي" :
- يعني نعلّى من المرشح بتاعنا ونفطّس
المنافسين التانيين.. وده طبعاً بمساعدة الناس بتوعنا اللي ف الكفر اللي بينفّذوا
كلامنا وبيدوروا على أهل البلد وهاتَك يا زَن على ودانهم.. يعني نخوّف أهل البلد م
المرشحين اللي تبع إخوان "وديع" أو جماعة "شحاته".. ونقول
عليهم إنهم ح يعملوا جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللي ح يوَرّوا الناس
الويل وح يحرَّموا عليهم حتّى الميّه والهوا.. وح يرجّعوا البلد ألف سنة لورا.. وح
يخلّوا المسلمين ماشيين على حد السيف.. وح يُكْرُشوا المسايحة م البلد.. واحنا ناس
معتدلين ما ينفعناش التزمّت ده.. أمّا جماعة "حمداوي" فدول ناس كفرة ما
بيراعوش ربّنا.. ومطوّلين شعرهم.. وبيعملوا حاجات بطّالة.. وح يخلّوا البلد كباريه..
واحنا مسلمين ومسايحة ناس متديّنين ما ينفعناش الفُجْر ده.. وفيه ناس تانية زي "بغاشة"
و"مندور" وغيرهم ما لهمش فيها.. ودول مش محتاجين مننا حاجة.. لإن دول ربّنا
مسلّط عليهم لسانهم.. والناس عارفة كويّس إنهم ما يعرفوش يحكموا حتّى عشّة أو زريبة.
"بدير":
- يبقى ما فيش حد عِدِل غير المُرَشّح بتاعنا
اللي كان أصلاً ظابط ف الهجّانة.
"طهطاوي" :
- طبعاً.. علشان بتوع الهجّانة دول ناس جَد
ما يعرفوش الهِزار.. عارفين النظام كويّس.. ما لهمش لا ف كده ولا ف كده.. ما
عندهمش مسلم ومسيحي.. كلهم سواسية.. وح يمسكوا العصاية م النُص وح يخلّوا البلد دي
أحسن بلد ف الدنيا.. ناس بتوع ظبط وربط.. بتوع نظام وشغل.. عارفين كويّس بيعملوا
إيه.. وهمَّ اللي ح يقدروا يمشّوا البلد ويوفّروا الأمن والأمان.. وح يقضوا ع الفوضى
اللي بيسمّوها حريّة.. ويخلّوا أهل البلد يريّحوا بقى م الدوشة ووجع الدماغ ويعيشوا
ف هدوء واستقرار ويربّوا عيالهم ويناموا مرتاحين.
"جاهين" :
- الله ينوّر يا سي "طهطاوي".. بس انت
قلت ده الوقت على كذا فكرة وكذا خطة وتكتيك.. يا تري ح ننفّذ أنهي واحدة بالظبط؟
"طهطاوي":
- ولا واحدة.. التكتيكات دي كلّها احتياطي إنما
المجهود الرئيسي للتكتيك الأساسي بقى احنا ماشيين فيه ده الوقت.. بس ده تكتيك سرّي
جداً.. ما حدّش يعرفه غيري أنا وسي "عتريس" واللي بينفّذ التكتيك ده ونفرين
كمان وبس.. ولو التكتيك ده ما نفعش ح نخش على التكتيكات الاحتياطي دي وساعتها بقى
ح نحط حَد مننا أو حَد مُخْلِص لنا على كرسي العُموديّة.. ها تمام يا رجّالة؟
ورد عليه باقي الضبّاط بالتمام.. واتفقوا على موعدٍ لاحق لتحديد هويّة العُمدة المنتَظَر، وانصرف كل منهم وهو يحلم بالعُموديّة وقد تجسدت في مخيّلته صوره الكبيرة والكثيرة التي ستُعلَّق في كل أرجاء القرية بدلاً من صور "عتريس" البائدة، وهتافات أهل القرية بحياته، وكتابة اسمه بالحجم الكبير على جميع المدارس والمصالح والشوارع، والثروات التي ستهبط عليه وعلى أسرته، والجائزة الكبرى التي سيحصل عليها فوق ذلك كله ألا وهي "فؤادة" التي يتمنّاها ويرغبها ويشتهيها الجميع.